جسر: مقالات:
وكشف عن هذا الاتفاق أيضاً، وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، في مقابلة أجريت معه في آذار/مارس2017، قال فيها إنّه “سهّل التوقيع على مذكرة تفاهم جادّة بين نظيره السوري وشركة روسيّة مسجلة حديثًا تسمى Evro Polis في كانون الأول/ديسمبر2016، وقد دعت المذكرة الشركة إلى تحرير حقول النفط والغاز والمصانع والبنية التحتيّة التي استولى عليها (أعداء النظام)، مقابل الحصول على ربع إنتاج الحقول، بالإضافة إلى تعويض نفقاتهم العسكرية على مدى خمسة أعوام، قابلة للتجديد لعامين“. وفي كانون الثاني/يناير2018، تم توقيع مذكرة التفاهم لتصبح ملزمة قانونياً، وتبين أن الشركة المذكورة مملوكة لبريغورين، المافيوي الروسي المعروف بلقب “طباخ بوتين”، ومالك شركة فاغنر الأمنية.
وكشف بحث أميركي، أن ذلك العقد يسرى على حقول الغاز في شاعر وتدمر وتوينان، في الرقة، وحقل نفط التيم في دير الزور، وهي المواقع التي استعادتها القوات الروسيّة من “داعش”. وكشف البحث أن شركة فاغنر الأمنية هي التي شنت الهجوم الشهير يوم 7 شباط/فبراير2018 على معمل غاز كونيكوشمال، شرقي دير الزور بالقرب من بلدة خشام، لمحاولة انتزاعه من الأميركيين والأكراد، ولجأت القوات الأميركية آنذاك لاستخدام الطيران لصدّ الهجوم الذي انتهى بمقتل نحو 280 من المرتزقة الروس من عناصر فاغنر، فأنكر الكرملين في البداية مصرعهم، لكنّه عاد واعترف بمقتل “مواطنين” روس في دير الزور من دون أي إشارة إلى سبب تواجدهم هناك.
مع الصلابة الأميركية في عهد ترامب، وعدم قدرة بروغورين على تعويض خسائره الهائلة، خصوصاً في معركة خشام، يبدو أنه توجه إلى طلب تعويض ما، وهو ما لم يكن بمستطاع النظام تلبيته، فشنت وكالة الأنباء الفدرالية (يارافان) ووسائل إعلام أخرى يملكها برغورين، هجوماً لاذعاً وغير مسبوق على النظام ورأسه بشكل خاص، قوبل بصمت مطبق من الكرملين. وقالت صحيفة “الأخبار” اللبنانية المقربة من “حزب الله” والنظام السوري، حينها، إنّ هدف الحملات هي حصول بريغورين “على عقود معيّنة من الدولة السورية وحماية مصالحه”. ولا ندري كيف تم إرضاء الطباخ الغاضب، الذي أزال المقالات في النهاية، لكن مجلة “فورين بوليسي”، قالت في تقرير لها أن بشار الأسد صادَقَ في آذار/مارس الماضي، على عقد أبرمته حكومته للتنقيب عن النفط والغاز، مع شركة كابيتال المملوكة لبرغورين، في منطقة مساحتها 2250 كيلومتراً مربعاً قبالة سواحل الجنوب السوري.
والحال إن برغورين ليس إلا حالة واحدة خرجت إلى العلن لأسباب خاصة. ففي سوريا ترددت خلال الحرب أسماء العديد من الشركات الأمنية الروسيّة التي قاتلت إلى جانب قوات النظام، مثل موران، والفيلق السلافي، وفيغا، وباتريوت، وصائدو داعش، ونحن لا نعلم بالضبط ماذا قدمت كل شركة وما حازت بالمقابل، لكننا نعلم أنّ شركات روسيّة تسيطر اليوم على الكثير من المنشآت الحيوية الاقتصادية في سوريا، مثل مرفأ طرطوس، ومعمل الأسمدة الكيمياوية في حمص، ومناجم الفوسفات في تدمر، ومعامل للغاز وحقول نفط، ولا نعرف الاتفاقيات الملزمة المؤجلة من طرف النظام لصالح تلك الشركات، لكن ثروة الجزيرة السورية في صلبها على الأغلب.
مفاوضات الروس والنظام والأكراد، حول شرق الفرات، إذاً، اقتصادية بالدرجة الأولى، وإن كان يشوبها بعض الادعاءات السياسية التي لا تعني شيئاً في معادلات القوة. يريد بوتين ضمان أن يبقى تدخل قواته ونفوذه في سوريا، ذا كلفة صفرية كما يردد دائماً، ولم يعد سراً أن فاغنر هي جزء من تلك القوات، وتم تأسيسها في هيئة الدفاع الروسية وفق بعض المصادر. وبالتالي فإن حصة بوتين خارج النقاش، لكن موسكو كموزع أعلى للحصص والأدوار تريد التوفيق بين حاجة الأكراد إلى ما يبقيهم على قيد القوة وقادرين على نكئ خاصرة تركيا، وأن يحصل النظام على ما يقيم أوده فقط، وليست الحصة التي يعد مواليه بأنّها ستقضي على كل همومه المعيشية والاقتصادية، وهذا هو سر تعنته وتصلبه في رفض المقترحات الروسيّة التي يضعها بكل صفاقة تحت خانة الدفاع عن “السيادة ووحدة الأراضي السورية”.