عميلة الموساد التي لم تكن.. كيف اخترقت النظام الإيراني؟

عميلة الموساد التي لم تكن.. كيف اخترقت النظام الإيراني؟

عميلة الموساد التي لم تكن.. كيف اخترقت النظام الإيراني؟

عميلة الموساد التي لم تكن.. كيف اخترقت النظام الإيراني؟

عميلة الموساد التي لم تكن.. كيف اخترقت النظام الإيراني؟

عميلة الموساد التي لم تكن.. كيف اخترقت النظام الإيراني؟

عميلة الموساد التي لم تكن.. كيف اخترقت النظام الإيراني؟

شارك

عميلة الموساد التي لم تكن.. كيف اخترقت النظام الإيراني؟

عميلة الموساد التي لم تكن.. كيف اخترقت النظام الإيراني؟

كاثرين بيريز شكدام

قال لي آية الله علي خامنئي بيقين وحماس مخيف: عندما نقول الموت لأمريكا: نشير إلى نظام يدعم القضية الصهيونية، وعندما نقول الموت لإسرائيل: نشير إلى أبناء وبنات يعقوب الذين ارتدوا على أنبيائنا العظماء، واتبعوا طرق الشيطان وهم مازالوا يثابرون على سرقة أراضي المسلمين، واستعباد مجتمعاتنا. سلالتهم فاسدة، تم تحديدها للتدمير من الله ويجب أن نطيع القانون الإلهي.” كانت كلماته تقطر ازدراء وكراهية، كان تصميمه واضح، وكان لمعنى كلماته أثر مروع. باختصار، لخص خامنئي طبيعة النظام الإيراني ولم يعد الابتعاد خيارًا!

الطريق إلى طهران:

لقد عبرت حدود إيران بدون مرافقة أحد، لم يجبرني أحد على الدخول، ولم يجندني أحد، ولم يكن هناك قوى أجنبيّة بادرت في مساعدتي على التسلل إلى النظام والوصول إلى المعلومات الهامة.

إبان عام 2011، كنت قد شاهدت عرضًا وافرًا لتأثير إيران الخبيث في الشرق الأوسط، وتحديداً في اليمن، ولم يُتركُ لي أيُّ خيار سوى الاعتراف بآية الله علي خامنئي باعتباره العقل المدبر وراء ظل الإرهاب.

إن اختراق النظام ليس مشروعًا يمكن الاستخفاف به؛ بل يتطّلب تحمُّل مخاطر كبيرة يجب تنبه المرء لها – يجب أن يكون هناك دعوة تبدأ من طرف النظام وليس العكس وأي نهج أخر من شأنه أن يكون محل للشكوك.

وهكذا، عندما أتيحت الفرصة، اخترت أن أحذو حذوها – مدركة تمامًا أنّ هذه المساعي لا تضمن أن تؤتي ثمارها ومع ذلك، بقيت على استعداد للقيام بهذا المسعى. بعد ثلاث سنوات من زواجي برجل يمني مسلم سني، بدأت الرحلة إلى أروقة السلطة الإيرانيّة في اليمن عام 2002. وجدت نفسي وجهاً لوجه مع محور المقاومة في وسط قلب الجزيرة العربية وهو محور شَهِد، بشكل مفاجئ، تحوّل أمة يبدو أنها لم تكن منيعة على نفوذ طهران.

خلال ما يزيد قليلاً على عقد من الزمن، تخلت اليمن عن هويتها ولم تعتنق الوان الإسلام الشيعي وحسب، بل اعتنقت الدين النابع من الجمهورية الايرانية الاسلامية. بينما يزعم النظام الإيراني التمسك بمبادئ الإسلام الشيعي الإثني عشري، أعادت طبقة رجال الدّين تحوير هذه المبادئ ببراعة، والأهم من ذلك استغلته، وسلّحت الدّين واخضعت معتقديه لأهوائهم ويظهر هذا التميز في دور العبادة في إيران التي تلقن مبادئ الاستشهاد والجهاد والتوسع الإقليمي. وصرّح آية الله روح الله الخميني بجرأة: “الإسلام يقول: كل خير حصل كان بسبب السّيف وظل السّيف ولا يخضع الناس إلا السيف! السيف هو مفتاح الجنة وهو متاح فقط للمحاربين. مئات الآيات من القرآن والحديث تحفز المسلمين على قيمة الحرب والقتال. هل هذا يعني أن الإسلام هو دين سيمنع الرجل من شن الحروب؟ سأبصق على أولئك الأرواح التي تدعي غير ذلك. “

بعد أن كانت اليمن دولة لها علاقات جيدة مع المملكة العربيّة السعوديّة، خضعت لتحول زلزالي، واصطّفت مع الحرس الثوري الإسلامي (IRGC) وسمحت لمنظريها بإعادة كتابة تاريخها إلى الحد الذي لا يمكن التعرف فيه على اليمن اليوم.

التقيت بزوجي السابق، وهو رجل مسلم سني من اليمن، من خلال معارف مشتركين في المملكة المتحدة في أواخر عام 1998 خلال دراستي الجامعية وتزوجنا في أوائل عام 1999. ولأنني آتية من خلفية فرنسيّة يهوديّة علمانيّة في الغالب، مثقلة بالشوق للانتماء والتوق لإنشاء وحدة أسريّة، أغفلت مؤشرات اختلافاتنا الثقافيّة والدينيّة والتي في النهاية حكمت على زواجنا بعدم الاستمرارية والديمومة.

كانت زيارتي الأولى لليمن في عام 2002 للقاء عائلة زوجي وهناك قرر زوجي بناءً على إصرار عائلته أنه يجب علينا إعادة التوطين هناك، وإن لم يكن إلى الأبد، على الأقل لفترة من الوقت. تابعته غير قادرة على الرفض.

أثبتت السنتين اللتين أمضيناهما في اليمن أنها تجربة معقدة، في مواجهة عالم غريب لم أكن أعرف عنه شيئًا، شاهدت الكراهية عميقة الجذور التي يحملها العديد من اليمنيين تجاه اليهود وإسرائيل. ابتليت اليمن بالراديكالية الإسلامية، وأصبحت بالفعل أرضًا خصبة لمنظرين عنيفين، حيث يتبنى كل منهم كراهية شديدة لكل الأشياء الغربية بينما يوضع الإسلام على أنّه طريق الخلاص. في حين أن قلة كان بإمكانهم توقع نجاح إيران في الادعاء بأنّ اليمن ستصبح ملك لها، كان تأرجح الأمة العربية الفقيرة على حافة الهاوية وسط تيارات دينيّة وسياسيّة متضاربة، الحتمية التي حققت هذه النتيجة. بالرغم من المقاومة البدائية بإغراء المجتمع بالأيديولوجية الإيرانية، بقي نفوذ غير مرغوب به ويجب تطهيره من المجتمع اليمني.

لكن استسلم اليمن، واندمج في محور المقاومة في طهران من خلال أصول حركة الحوثيين وإعادة تشكيل المشهد الاجتماعي والسياسي. طهران اللاعب الرئيسي، شحذت مهاراتها على مدى عقود، واستغلت ببراعة نقاط ضعف الدول في التنافس من أجل التأثير.

اليمن بصفتها أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية وأكثرها محافظةً، ما تزال جائزة مرغوبة للقوى الإقليمية، بسبب جغرافيتها الاستراتيجية، إذ لا يوفر اليمن الوصول إلى طريق النفط العالمي فحسب، بل إنه يفتح أيضًا بوابات إلى آسيا وأفريقيا – وهو حلم جيو سياسي للجمهوريّة الإسلاميّة حيث تسعى قيادتها إلى دمج المزيد من العواصم العربية في محور المقاومة، وبالتالي إعادة تشكيل المنطقة لتتماشى مع رؤيتها.

في السابق وتحت رعاية المملكة العربية السعودية وقوى الخليج، ظل اليمن منيعًا أمام نفوذ إيران حتى الربيع العربي وسقوط الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، حيث حطمت اضطرابات عام 2011 النظام القائم، ومهدت الطريق لأكثر المتنافسين بعيدًا عن الاحتمال: الحوثيون.

يُعدّ الحوثيون منبوذين من الدوائر السياسية والقبلية في اليمن، وقد ظهروا في التسعينيات على هامش المجتمع اليمني. واجه الحوثيون، بعد نبذهم والسخرية منهم وهبوطهم من المرتفعات، صعوبات لا يمكن التغلب عليها. حيث لم يعد عبد الملك الحوثي قادراً على الزحف نحو صنعاء إلا من خلال التخطيط الدقيق لإيران والتعيين الاستراتيجي للعديد من عناصرها لتوجيه الجماعة.

وجدت المملكة العربية السعودية نفسها مضطرة لشن الحرب ضد الدولة المجاورة لها في محاولة لاحتواء الخطر المتصاعد على سلامتها الدينية ووحدة أراضيها.

سادة الدمى:

تم تكليف رجلين باختراق اليمن: حسن العماد، الرجل الذي تشير إليه المملكة العربية السعودية باسم خميني اليمن، و نادر طالب زاده، كبير المروجين للدعاية الإيرانية والصديق المقرب لألكسندر دوغين. كلا الرجلين سيضمنان دخولي لأروقة النظام الإيراني لاحقا. لم أواجه منهما أيَّ مقاومة وكلاهما تخيل أنّه بإمكانه استخدامي بيدقاً في لعبة الشطرنج.

كان من ترتيب القدر أن يكون العماد صديقًا مقربًا لعائلة زوجي السابق، على الرغم من أن أيديولوجيتهما ووجهات نظريهما السياسية لا يمكن أنّ تكون أكثر اختلافا.

كان زوجي السابق، وهو ابن لعائلة يمنيّة ثريّة سابقًا، يحتفظ بالعديد من العلاقات الوثيقة مع الطبقة الرائدة في اليمن ، وهو أمرٌ كان العماد حريصًا على الاستفادة منه لصالحه.

في ذلك الوقت، لم يكن العماد يعلم شيئًا عن أصولي – سوا القصة التي أخبرها أهل زوجي – قصة فتاة فرنسية تزوجت من ابنهم ووافقت على اعتناق أسلوب جديد في حياتها، وفوق كل شيء، الالتزام بالنهج المحدد.

بناءً على طلبي ، عدنا إلى المملكة المتحدة في أوائل عام 2005 ، بعد بضعة أشهر من ولادة ابنتي والتقيت بالعماد مرة أخرى في زيارة اخرى لليمن في عام 2009. بعد التشجيع من العماد، الذي عرفت لاحقا أنّه عميل معروف في الحرس الثوري الإيراني في اليمن، بدأت بدراسة أيديولوجية الجمهورية الإسلامية، أولاً من خلال كتب التاريخ، ولاحقًا من خلال دورة مكثفة في نشأة الثورة الإسلامية والمُثل التي تدعي أنها تجسدها وهي التحرر والتمكين من الاستبداد.

كان القرب من حسين العماد هو الوسيلة التي فتحت لي أبواب دخول شبكة النفوذ الإيراني، أضف إلى ذلك فضولي الشخصى تجاه الإسلام الشيعي وشغفي بالتاريخ والجغرافيا السياسية. وسرعان ما تم تمييزي على أنني قابلة لاعتناق أيديولوجية طهران وشخص يمكن التلاعب به واستغلاله لنشر هذه الايديولوجية الإيرانية بين النخب اليمينية ووسائل الإعلام الغربية أيضا.

بعد محاولتنا الثانية للاستقرار في اليمن غادرنا إلى المملكة المتحدة مرة أخرى على خلفية الربيع العربي والإطاحة بالرئيس علي عبد الله صالح في أواخر عام 2012.

وإذا كانت مكانة حسن العماد ونفوذه الديني هي مفتاح الاختراق للنظام الإيراني، فقد كانت توصية نادر زاده هي البوابة التي فتحت لي المزيد من الفرص.

كان نادر صديقًا مقربًا لآية الله خامنئي ، المستشار الأكثر ثقة للنظام واستراتيجي الاتصالات، وكان تأثيره أكبر من نفوذ القادة الأعلى رتبة في الحرس الثوري الإيراني فقد كان كل ما يقوله يحصل وكل من يأتي به يُمنح حق الوصول وكان من المفترض أن يكون فحصه هو الوحيد المهم حيث أنه كان يسيطر على قيادة الحملة الدعائية للقيادة وكان مهندسها.

أحب نادر تجميع الموارد البشرية وصقلها، ثم تقديم وظائف تضمن الولاءات وكنت مجرد مشروع آخر، وشاهد غربي قيم، يسمع صوته بما يخص ثورة اليمن. لقد ساعدني فهمي لديناميكايت المنطقة على أن أكون أداة مفيدة وكانت قدرتي على الوصول إلى جهات فاعلة داخل اليمن لم يكن النظام الإيراني قادر على اختراقها هي الأسباب التي تم اختياري من أجلها. وبالفعل أصبح طالب زاده، مرشدي.

استمرت مرحلة “تعليمي” عدة سنوات، وتم تنظيم عدة فرص لي لإثبات فائدتي للقيادة وتم أيضا ترتيب صداقات تساهم في رعاية أفكاري. عندما أنظر للوراء، ولدي المعرفة التي تكونت بعد تلك المرحلة، يمكنني أن أرى كيف تم اختباري وتحليل فائدتي قبل السماح لي بالمرور عبر دوائر التأثير المختلفة.

جاء تجنيدي لدخول المراتب العليا في النظام الإيراني عبر لبنان عندما دعتني مروة عثمان، التي نصبت نفسها مؤيدة لحزب الله، كمعلق سياسي على قناة اتجاه التلفزيونية في أوائل عام 2015. في غضون بضع سنوات، أصبحتُ الخبيرة اليمنية المفضلة في إيران، وظهرتُ في مقابلات مع مهر نيوز، برس تي في ، طهران تايمز ، فارس نيوز، إلخ…لقد تم اختياري أيضًا من قبل RT (روسيا اليوم) لكتابة OpEds والظهور في برامجها.

نادر طالب زاده كان له يدٌ في هذا بالطبع. كان طالب زاده صديقًا مقربًا لألكسندر دوجين، أحد مستشاري الرئيس فلاديمير بوتين المقربين ومنظريه الرئيسيين، وقد قام برعاية شبكة من الأشخاص التي يمكن أن يستخدمها للترويج لأفكاره والعمل كغرفة صدىً قوية على مرّ السنين. لقد كان الرجلان قريبين جدًا لدرجة أنّه لا يمرُ عام واحد دون لقائهما أو السفر معًا. علاقات إيران مع روسيا أعمق بكثير وأكثر تنوعًا مما يعتقده الكثيرون، حيث تدير القوتان برامج التبادل، مما يسمح للخبراء المعينين بإعطاء نفوذهم عبر شبكاتهم الخاصة بحيث يتم نشر الأفكار وتوطيد روايات معينة. تسمح هذه العملية أيضًا لطهران بتحديد المواهب والمهن المتقدمة عند الحاجة.

في عام 2015 اتصل بي مديرية الإعلام التابعة للحوثيين. طلبت مني كيم شريف، ابنة عم عبد الملك الحوثي في ​​المملكة المتحدة وأحد أصول الحرس الثوري الإيراني، حضور سلسلة من الأحداث التي كانت تنظمها في المملكة المتحدة مع مجموعات مثل Code Pink و Stop The War.

كانت كيم شريف تابعًة للنظام الإيراني، وطورت علاقات وثيقة مع العديد من البؤر الاستيطانية الصديقة لإيران في المملكة المتحدة، مثل المركز الإسلامي في إنجلترا، والكلية الإسلامية، ومؤسسة الخميني، ومختلف وسائل الإعلام الشيعية. كانت العديد من الاجتماعات التي تستضيفها هذه المؤسسات تجمع بين الموالين للنظام الإيراني ورجال الدين وفي حين أن الحوثيين لم يكونوا جزءًا من النظام، فإن ارتباطهم بآية الله العظمى السيستاني في العراق وضعهم في دائرة نفوذ طهران حيث بقوا فعالين في نشر أيديولوجيته.

في غضون أسابيع قليلة، عرفتني كيم على الشبكة بأكملها، مما وضعني في قلب شبكة نفوذ طهران في المملكة المتحدة، تعرفت خلالها على العديد من النشطاء و”الأصدقاء” الذين تملكتهم القيادة وتسيطر عليهم – وبالتأكيد ما تزال كذلك.

مع حلول عام 2016، أصبحتُ وجهًا معروفًا في وسائل الإعلام الإيرانية، ومفضلًا على تلفزيون برس تي في، وناطق بلسان النظام. ومع نمو ملف التعريف الخاص بي، ازداد أيضًا وصولي داخل النظام.

وفي صباح أحد أيام الأحد، تم وضع الختم النهائي لدخولي المستوى القيادي الأعلى، عندما تم طلبي من قبل مكتب خامنئي للعمل في الموقع الإلكتروني التابع للقيادة. كان ظهوري على الموقع الإلكتروني الرسمي للخامنئي هو بمثابة المهر النهائي لعدم حصول أي تشكيك بهويتي وانتمائي.

كانت مهمتي الأولى هي إجراء مقابلة مع النائب البريطاني السابق جورج غالاوي، وهو نفسه المفضل لدى الموالين لإيران بسبب كراهيته لإسرائيل وهو منفذ تلفزيوني متوافق مع حزب الله والحرس الثوري الإيراني، كان جالواي يدعوني إلى العديد من برامجه في قناة الميادين كمعلق على اليمن أولاً، وأخيراً إيران.

في أوائل فبراير(شباط)، رتّب لي العماد للقاء قيادة حزب الدعوة (العراق)، وهو رصيد سياسي آخر للنظام. هذا الاجتماع سيفتح الأبواب لمعسكر آية الله السيستاني في العراق ويسمح لي بمشاهدة حجم ومدى نفوذ إيران في العراق.

“الموت لأمريكا ، الموت لإسرائيل”:

في وقت لاحق من ذلك الشهر، جئتُ إلى طهران لحضور “مؤتمر فلسطين“. كان هناك أعضاء من حزب الله وحماس والحوثيين وحزب الدعوة والوفاق وقوات الحشد الشعبي وجماعات أخرى باعوا أيديولوجية خامنئي.

ستكون هذه الرحلة الأولى إلى قلب النظام بمثابة زوبعة. على مدى أربعة أيام، كنت آتي لألتقي بمن هم من النظام: نادر طالب زاده، البروفيسور محمد مراندي، الرئيس حسن روحاني، محمود أحمدي نجاد، علي لاريجاني – تم ترتيب اجتماعات لا حصر لها مع عدد لا يحصى من الوجوه، التي لم أعد أتذكر إلا القليل منها.

في ذلك الوقت، حصلتُ على مقابلة مع خامنئي نفسه، بعد يوم من لقائي رسميًا لأول مرة مع نادر طالب زاده، ودخلت فعليًا في النظام. لم أكن أعرف في ذلك الوقت أن نادر كان يشاهدني من بعيد، وهو يراقب عملي بعناية بينما يشجع وسائل الإعلام التابعة للنظام على إعطائي “وقت البث”.

كما هو الحال مع معظم الأشياء في إيران، تم اتخاذ قرار اصطحابي إلى آية الله خامنئي على الشيشة في مقهى ليس بعيدًا عن قاعة المؤتمرات. بينما جلست مع مجموعة ممن اعتقدت أنهم أعضاء رفيعو المستوى في الحرس الثوري الإيراني – كانت طريقة تفاعل الناس معهم بمثابة مؤشر واضح أنهم رجال مخابرات وإن لم يكونوا ذلك فإنهم من أصحاب الرتب العالية جدا. سألوني: “إن كان لك طلب أي شيء، ماذا سيكون؟” أجبت: “أريد خاتم للخامنئي”- جائزة يعتبرها كل المؤيدين له أعلى من كل شيء. وكان الجواب: “لماذا لا تقابلي الإمام شخصيا؟”

لقد أُعطيت 15 دقيقة لأجهز نفسي . كنت تحت تعليمات صارمة بعدم أخذ هاتفي معي أو وضع أي شيء حاد علي – بما في ذلك الدبوس الذي تستخدمه العديد من النساء لارتداء الحجاب. كان علي أن أرتدي التشادور الإيراني التقليدي – تم تسليم واحد لي في وقت سابق من ذلك اليوم.

عندما دخلت في سيارة دفع رباعي، بدأت امرأة بإعطائي التعليمات وقالت أنه لا يوجد أي مجال لارتكاب الأخطاء عند مخاطبة القيادة وكأنني كنت بحاجة للتحذير مرتين.

“تحدثي فقط إذا طُلب منك سؤال مباشر، لا تحدقي، لا تعرضي يديك لتحية أي شخص، ولا تبتسمي بصراحة، واجلسي بهدوء و ابقي يديك على ركبتيك، ولا تطرحي أسئلة وقحة، ولا تقدمي رأيك إلا إذا طُلب منك ذلك، ولا تتحدثي معه مباشرة، بل إلى مترجمك الفوري، ومهما فعلتي، لا تشاركي أيًا من تفاصيل هذا الاجتماع على وسائل التواصل الاجتماعي.”

دخلنا مجمعًا به فناء كبير. على يميننا كان هناك ملحقاً قيل لي: إنه مكان استقبال الضيوف.

دخلت غرفة ذات جدران عارية، إلا من بعض الصور لآية الله الخميني وآية الله خامنئي – التي كانت معلقة منخفضة ومعوجة.

أضافت أضواء النيون البيضاء على السقف الشعور بالتقشف والتداعي بالتواضع – ولم يظهر على أنه مكانًا تتخيله للقاء رئيس دولة. كان على الأرض سجاد ووسائد ممزقة على طول الجدران.

تم إحضار كرسي له و طُلب مني أن أجلس على الأرض وأنتظر. لقد جاء من باب يقع في أقصى نهاية الغرفة مع حاشية من الرجال. عندما وقفت لأحييه، وهو ما قمت به من خلال ثني رأسي كما أوصيت سابقًا، لوّحت لي المرأة التي رافقتني بسرعة بيدها، حتى أجلس، ففعلت.

كان صوته منخفض وكان يتكلم ببطء. بدا أصغر حجماً وأكثر ضعفاً ممّا كنت أتذكره خلال حفل افتتاح المؤتمر. كان لقاءً رهيبا.

تحدث معي عن الإمام المهدي والمسؤولية التي يتحملها، كخادم للإمام للإسراع بعودته. أخبرني عن نهاية الأيام والمعركة التي تم التنبؤ بها والتي ستنتهي بسقوط المسيحية وموت جميع اليهود – كيف سيضرب المهدي الكفار ويهينهم أمام المؤمنين بسبب سوء أفعالهم كيف كانت العدالة مسألة خضوع القاعدة لحكمه لأنّه وحده قادر على ترجمة القوانين الإلهية. لقد كان بعد كل شيء وصي على الإرادة الالهية.

تحدث بإسهاب عن اللوبي الصهيوني، معركته لشجب وفضح التأثير الشائن لليهود، وكيف أنّه خلال فترة وجوده في الجبهة ضد العراق شعر بالوجود الشرير لأمريكا اليهودية وأدرك بعد ذلك أن إيران كانت تخوض حربًا ستؤدي في النهاية إلى الحرب الكبرى المشار إليها في القرآن وعودة الإمام المنتظر.

سُئلت عمّا إذا كنت أفهم شعار النظام الأكثر شهرة: “الموت لإسرائيل، الموت لأمريكا”. أجبته أنني لست متأكدة ولن أجرؤ على الافتراض.

عندما نقول الموت لأمريكا نشير إلى نظام بيع القضية للصهيونية، وعندما نقول الموت لإسرائيل فإننا نشير إلى أبناء وبنات يعقوب الذين ارتدوا على أنبيائنا العظام واتبعوا طريق الشيطان وهم مازالوا يحاولون سرقة أراضي المسلمين واستعباد مجتمعاتنا، سلالتهم فاسدة، تم اختيارها كي تتدمر من قبل الرّب ويجب أن نطيع القانون الإلهي. “

لا أتذكر رحلة العودة إلى الفندق…كان خامنئي قد برّر لي للتو إبادة جماعية.

بحلول ذلك الوقت، أصبح لدي فهم واضح للرؤية السياسية للنظام، لكن لم أكن مطلعة بعد على الوسائل والأهم من ذلك، الأهداف التي رسمها هذا النظام للمنطقة كلها وللديمقراطية الغربية بشكل خاص.

في أروقة قاعة المؤتمرات بطهران، تم إخباري بخطة الجمهورية الإسلامية لإسرائيل، وسعيها المجنون إلى “تدمير” ليس الدولة وحسب بل الشعب أيضا. تم اطلاعي على كيفية رسم الحرس الثوري الإيراني لخريطة الشتات اليهودي حتى يتمكن، في الوقت المحدد، من ضرب قلبه وإحداث شرخ بين إسرائيل وحلفائها الغربيين.

عكس أكثر من عقد من العمل الاستخباراتي الدقيق لدى القيادة الإيرانية، سبب منحي الوصول بسرعة واحدة في إيران، لكن كان ما يزال علي أن أثبت نفسي للعديد من عملاء إيران وأن أصنع اسمًا أولاً بين الشبكات الثورية الإيرانية – اليمن والبحرين ولبنان وسوريا ونيجيريا والعراق حتى لا يتم التشكيك بوجودي أبدًا بل يتم نفيه كليا.

لقد تظاهرت بوصفي أحد مؤيدي النظام لأتعلم تقنيات رجاله لشراء القلوب والعقول. لقد شاهدت كثيرا من الناس سمحوا لأنفسهم بأن يغريهم النظام، وشاهدت جذب منظريه للمثقفين.

يعتمد النظام الإيراني على شراء الولاءات بطريقة تستحق التدقيق العميق، حيث أنه يبدأ عمليات التلقين العقائدي بأسلوب الاحتراق البطيء وثم الشبكة التي يحيكها عملاؤه حتى تتحقق الأهداف المقصودة.

ليس الجميع، للأسف، على دراية باللعبة التي تُلعب ضدهم. لا يدرك الجميع حتى لعبة من يلعبون. النظام لديه العديد من العملاء والبؤر الاستيطانية المنتشرة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحتى ديمقراطياتنا الغربية، خاصة، لا توجد قطاعات في مأمن من تقدم النظام؛ من الجيش إلى الأوساط الأكاديمية والسياسة والمنظمات غير الحكومية، فإن وكلاء طهران موجودون في كل مكان، ويقومون بتعزيز الاتصالات والاستفادة من النفوذ.

لا شيء يُترك بشكل خاطئ في طهران، باستثناء ربما في حالتي، إذ أعرب الكثيرون عن تحفظاتهم على صعودي المناصب العليا، فإنهم لم يشكّوا أبدًا في ولائي أو تخيلوا أن الأبواب التي فتحوها كانت لتسهيل دخول صهيونية إلى أعلى مقاماتهم. لقد مسحت كل ذرة من هويتي وارتديت هويتهم لفترة طويلة جدًا.

أبرمت صداقتي مع نادر زادة بقية الصفقة وفي غضون بضعة أشهر، أصبحت صديقًا موثوقًا به للعائلة وشخصًا يتم دعوته إلى رحلات هامة. كانت روابطي والوصول إلى الدولة اليمنية العميقة، وقدرتي على قراءة التطورات الجيوسياسية ونقلها في سياق يمكن للنظام أن يستغلها، ستثبت أنها قيمة للغاية. وبالتالي تم إعدادي لأكون أحد أصول الحرس الثوري الإيراني.

في أبريل 2017، طُلب مني المساعدة في بناء الحملة الدعائية الجديدة للحرس الثوري الإيراني في المملكة المتحدة. طلب مني نادر طالب زاده ابتكار حملة تواصل / دعائية للمساعدة في نشر الأفكار والبرنامج الذي وضعه خامنئي خلال “مؤتمر فلسطين”. أراد النظام تقليد جهود إسرائيل في المملكة المتحدة وأوروبا، وإحضار وسائل الإعلام إلى وجهات نظرهم وكسب الزخم بين المجتمعات المسلمة السنية. كما أرادوا وضع قائمة السياسيين ومسؤولي الدولة الذين يمكنهم التعامل معهم.

في مايو 2017، أعادوني مرة أخرى إلى طهران، هذه المرة لإجراء مقابلة مع إبراهيم رئيسي، الذي كان حينها مرشحًا للرئاسة.

علمتني المقابلة قليلاً – بخلاف أن الانتخابات الإيرانية هي خدعة كاملة وأن وسائل الإعلام هي امتداد لآلة دعاية النظام. أعطتني محادثتي اللاحقة مع رئيسي في رحلة العودة بالطائرة إلى طهران رؤية أفضل للرجل الذي سيصبح رئيسًا لإيران. وهو من أتباع فكر الخميني المخلص، يؤمن رئيسي بمبادئ الثورة الإسلامية، كما يؤمن بأن له واجبًا دينيًا يتمثل في عودة الإمام المهدي. رئيسي يتوق إلى السلطة والسيطرة، وعينه على القيادة.

في يونيو 2017، تم استدعائي إلى طهران بعد هجوم إرهابي على مرقد الخميني. مع توجيه اهتمام إعلامي نحو طهران بعد الهجوم، حرص النظام على إيصال الأصوات الغربية لنقل رسالته.

في أغسطس 2017، عدت إلى طهران للقاء نادر طالب زاده والبروفيسور محمد مراندي وحسن العماد. بعد أن تم تقديمي لأكون أحد الأصول، كان نادر حريصًا على الحفاظ على اتصال وثيق. رتب لي لزيارته في منزله ومقابلة العديد من الأشخاص أثناء إقامتي، مثل البروفيسور ماراندي، الذي التقيت به أيضًا في “مؤتمر فلسطين”. بعد هذه الزيارة، اتصل بي البروفيسور ماراندي أسبوعيًا للتحدث عن التطورات السياسية والبحث في الحاجة إلى متابعة أهداف الخميني الثورية.

في سبتمبر 2017، سافرت إلى طهران مرة أخرى للقاء نادر طالب زاده. خلال هذه الزيارة، علمت أن نادر كان يخطط لسلسلة من الزيارات إلى إفريقيا والشرق الأوسط لمتابعة العديد من المشاريع التجارية وتعزيز شبكته.

الجـــنـــرال:

في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 ، دُعيت لحضور زيارة الأربعين (النجف وكربلاء) ضمن وفد نظمه طالب زاده وزوجته زينب مهنا. لقد شكلوا وفداً من الأكاديميين ووسائل الإعلام والنشطاء من جميع أنحاء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي حتى يتمكنوا من فهم الإسلام الشيعي بشكل أفضل، أو هكذا سارت القصص. ما أراده نادر في النهاية هو شراء النوايا الحسنة، وإقناع الوفد برواية النظام، وترسيخ قبضة طهران في الغرب.

خلال مسيرتنا من النجف إلى كربلاء، سحبني نادر من الوفد حتى أتمكن من تسجيل مقابلة خاصة لوسائل الإعلام الإيرانية وإخباري بأن العديد من الأشخاص المقربين من القيادة سيجتمعون معي في كربلاء. عند وصولنا إلى كربلاء ذلك المساء، علمت أن زينب سليماني، ابنة الجنرال، وزينب مغنية، ابنة عماد مغنية، كانا يقيمان في نفس الفندق. التقينا لتناول القهوة والدردشة السريعة. أبلغتني زينب سليماني أن والدها كان في المدينة لمدة 24 ساعة.

هذه الزيارة ستؤدي إلى لقائي مع الجنرال قاسم سليماني. رئيس الحشد الشعبي آنذاك أبو مهدي المهندس والعديد من كبار رجال الدين، من بينهم بعض المؤيدين المقربين لآية الله السيستاني.

أتيت إلى النجف بدعوة من نادر طالب زاده. بعد ذلك بوقت قصي، طلب مني نادر أن أرافقه إلى منزل في كربلاء – هناك التقيت بسليماني. كان تفاعلي مع الجنرال وجيزا. جلس على الأرض وخرائط أمامه، مشيراً إلى تحركات بعض القوات، معلقاً على مساعيه لإخراج داعش من مناطق معينة في سوريا والعراق. واستذكر حادثة مع تنظيم الدولة الإسلامية، زاعماً أن رجاله اتصلوا بالجيش الأمريكي وأبلغوهم بموقع البغدادي بالضبط، قائلاً إن الأمريكيين رفضوا تدخل الجيش العراقي.

وبينما كان يتحدث عن براعته العسكرية، كان يلقي نظرة خاطفة في اتجاهي في كثير من الأحيان لقياس ردود أفعالي، سألني الجنرال إذا كنت أعرف مقولة آية الله الخميني الشهيرة: “إذا قتل أحد الكافرين، فهذا يمنعه من ارتكاب آثامه، فإن موته سيكون نعمة له. سنقوم بتصدير ثورتنا إلى العالم كلّه. حتى تدوي صرخة “لا إله إلا الله” على العالم أجمع، سيكون هناك كفاح”.

كان هذا الاجتماع مع الجنرال الأكثر رهبة من البقية. كان سليماني هو الأكثر تطرفاً وانفصالا بين جميع رجال النظام الذين قابلتهم. كانت دعوته للقتل الجماعي ورفضه للمعاناة الإنسانية أكثر وضوحًا.

في اليوم التالي، أخذوني إلى ضريح الإمام الحسين في كربلاء، حيث التقى الوفد بالعديد من رجال الدين رفيعي المستوى من مكتب آية الله السيستاني، ورئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، وعدد من ممثلي آية الله خامنئي في العراق.

في ديسمبر 2017، طلبت مني طهران ترتيب لقاء مع يحيى صالح، ابن شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح. كان النظام حريصًا على معرفة ما إذا كان فصيل صالح سيفكر في التحالف مع الحوثيين ويتخلى عن عملياته العسكرية في اليمن. بعيدًا عن بيع النظام ليحيى، حاولت تقييم إلى أي مدى فهم يحيى الدورالذي تواصل إيران لعبه في اليمن.

في أوائل عام 2018 كنت سأقوم برحلتي الأخيرة إلى إيران. لأول مرة، أوقفني ضابط الهجرة وطُلب مني الإجابة على سلسلة من الأسئلة حول سبب زيارتي لإيران – كان اسمي الأخير، بيريز، قد لفت انتبهاهم اخيرا. على الرغم من أنه تركني فورًا بعد تدخل نادر طالب زاده، إلا أنني شعرت بأني اقتربت جدا من الخطر. في تلك الزيارة، أراد النظام أن يتحدث معي عن منظمة مجاهدي خلق، وطلب مني البحث عن المجموعة التي تشكل للنظام الايراني التوتر الأكبر من بين جميع مجموعات المعارضة الإيرانية في الخارج.

بحلول نهاية عام 2018، كنت قد انفصلت تمامًا عن النظام. وتزامن ذلك مع طلب من مكتب القيادة لي أن أكتب سيرة خامنئي وأن أنقل إلى الجمهور الغربي جوهر رسالة إيران الثورية. بحلول ذلك الوقت، شعرت بالإرهاق ووالرعب من النظام وأدركت أنه لا يمكنني الاستمرار في هذه التمثيلية. علمت أيضًا أن العديد من أصول الحرس الثوري الإيراني في المملكة المتحدة تشتبه في أمري، وعلى أنني قد أكون صهيونية متسللة. بالنظر إلى المخاطر، قررت الاختفاء بهدوء، متذرعة بمشاكل عائلية لتبرير صمتي.

من عام 2019 إلى عام 2021، عملت على قطع جميع العلاقات مع النظام، واخترت عدم التحدث ضده، لإنني لم أكن أعرف كيف سيكون رد فعلهم. كنت أيضًا بحاجة إلى وقت لاستيعاب ما تعلمته وتحديد كيفية الاستفادة من معرفتي بشكل أفضل. كان وباء الكورونا ما سهل الأمر أكثر في انفصالي عنهم.

في أواخر عام 2021 كتبت في التايمز أوف إسرائيل عن لقائي مع إبراهيم رئيسي. بعد انتخاب رئيسي للرئاسة، علمت أن معرفتي أصبحت ذات صلة وأن كراهية رئيسي لإسرائيل ستؤدي إلى هجمات ضد المصالح الإسرائيلية في المنطقة وربما الشتات.

عندما علم النظام بـ “خيانتي”، قاموا بتصنيفي على أنني عدوة للدولة بكل ما يترتب على هذا التصنيف من تداعيات.

لقد أخطئنا بكل شيء!

من الضروري أن ندرك الحاجة الملحّة لإعادة صياغة شاملة لسياستنا الخارجية تجاه إيران. في سعينا لتحقيق السلام وتعزيز الديمقراطية كمحفز للأمم على الازدهار، قللنا كثيرا من خطورة طموحات أعدائنا.

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أننا فشلنا في فهم الأجندة الحقيقية التي تحرك النظام الإيراني، والتكتيكات التي يستخدمها، والأصول التي يزرعها. لقد انشغلنا كثيرًا بإطفاء الحرائق التي أشعلها عملاؤها لدرجة أننا فقدنا الصورة الأكبر.

لقد أوصل سوء تقديرنا النظام الإيراني إلى حافة النصر، ولا يعود انتصاره إلى الأسباب التي قد نفترضها. إن التهديد الحقيقي النابع من إيران لا يكمن فقط في برنامجها النووي أو توسعها الإقليمي عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. بالأحرى، هو موجود في جحافل الرجال والنساء الذين انجذبوا إلى روايته، وهم محاصرون كما هم في دورات من الكراهية والإيذاء.

النظام يدرسنا بدقة، وينصب الفخاخ وينتظرنا بصبر أن نقع فيها. النظام الإيراني لاعب بارع، ونحن نرقص دون قصد على أنغامه.

لا يمكن استيعاب الرؤيا المستقبليه لطهران من خلال النشاطات الدورية التي يقوم بها النظام الايراني بل من النظر إلى ما هو أبعد. النظام لا يهتم كثيرًا بالموافقة الشعبية أو حتى الكفاءة، ورجاله مستعدون لانتظارنا، لامتصاص الخسائر وهم ينسجون بساطهم بعناية.

الراديكالية الإسلامية لا تعرف الحدود الطائفية، إنها ظاهرة إيرانية. لم يتم بعد فهم المدى الكامل لنفوذ طهران وتحديده بشكل كامل.

إن شعار: “الموت لإسرائيل ، الموت لأمريكا”، ليس رمزًا للتعبير عن السخط. هذه الكلمات لم تأتي من فراغ خالٍ من الفكر السياسي – وهي تعبيرعن مشروع واضح للغاية أخشى أنه لا يقتصر مرة أخرى على الجغرافيا، بل يتعلق بما تمثله إسرائيل وأمريكا. إنه عمل جوهري وأساسي فيما يتعلق بكافة المخططات الدينية والسياسية للنظام الإيراني.

تشكل الجمهورية الإسلامية اليوم أكبر تهديد للديمقراطيات العلمانية. لعقود من الزمان كانت طهران راعًا أساسيًا للإرهاب ، وفتحت خزائنها ومعسكراتها التدريبية لمن يرغب في الحرب على الغرب وارتداده. نحن الكفار الذين يحث رجال دينهم أتباعهم على إهدارهم. كل ما نحن عليه – من سعينا لتحقيق الحكم الذاتي والسيادة على حياتنا ، إلى مناصرتنا لحقوق الإنسان ودعواتنا للمساواة أمام سيادة القانون، أو مرة أخرى حرية التعبير – هي قيم يعتبرها رجال الدين في طهران إهانة لحساسياتهم الدينية. وللمفارقة ، يبدو أن أفعالهم، التي غالبًا ما تشجع على إراقة الدماء، لا علاقة لها بالمبادئ الدينية الحقيقية. ومع ذلك، تستمر طبقة رجال الدين في إيران في محاولة تبريرالإبادة الجماعية، وتقديمها على أنها تحرير الشعب المضطهد من الاستعباد. يلقي هذا التناقض الضوء على تلاعبهم بالمعتقدات الدينية لتبرير أفعالهم وأيديولوجياتهم.

“نحن لا نعبد إيران، نحن نعبد الله. الوطنية اسم آخر للوثنية. أقول دعوا هذه الأرض [إيران] تحترق. أقول دعوا هذه الأرض يداعبها الدخان، بشرط أن يظهر الإسلام منتصرا في بقية العالم”. – روح الله الخميني

من الجيد أن نقدر حجم هذه الكلمات، لأنه منذ نشأتها، كان التعبير الحقيقي للجمهورية الإسلامية، وقوة حياتها وسبب وجودها، هو تلبية نموذج إسلامي شيعي مشوه – المظهر الدنيوي لمملكة المهدي المنتظرة، التي تمتد سيادتها إلى كل ما هو موجود وكل ما سيكون.

النظام الإيراني يعيش حالة من العدمية الأخلاقية العميقة. على الرغم من ادعاءات القيادة الإيرانية بأنها تجسد الأخلاق، فقد شجع منظروها الإيديولوجيون على الانتهاكات والجرائم البشعة – وفي سبيل خدمة أغراضهم ، تمت الدعوة حتى إلى موت الأبرياء. وكي يستمر هذا النظام كان لا بد من خلق عدو يبرر وجوده. إنه نظام يزدهر من الفوضى واستغلال الانقسمات الاجتماعية والسياسية في المنطقة كي يمارس المزيد من النفوذ.

إنه يتطلب سببًا للاختباء وراءه حتى يظهر كبطل للشعب. لطالما وضع كل من الخميني وخامنئي نفسيهما في مواجهة أعداء مراوغين: الغرب والليبرالية والرأسمالية – ليس لتقديم إجابات ولكن بدلاً من ذلك للتنديد ، على أمل أن يلتفوا حول حكمهم للجماهير ، وأن يلوموا الآخرين إلى الأبد على إخفاقاتهم.

كان الإنجاز الأبرز للنظام الإيراني هو قدرته على صرف انتباهنا باستمرار عن نقاط ضعفه، ومنعنا من الضرب الأماكن التي تؤلمه حقًا، وتركنا غير مستعدين للدفاع عن أنفسنا ضد هجماته التي لا هوادة فيها أو توقع خطوتها التالية.

نحن نواجه خصما هائلا في الجمهورية الإسلامية. لن تنهار صفوفه بسهولة، وما لم نفكك تحالفاته ونحدد معاقلها بدقة من خلال رسم خرائط دقيقة، فإنها ستظهر فقط تحت ستار مختلف.

لا تخطئ نحن منخرطون في معركة من أجل بقائنا وليس صراع حضارات. الخسارة ليست خيارًا، لأنها تعني التخلي عن جوهر وجودنا – حرية التفكير والتصرف بشكل مستقل.

كل الطرق تؤدي إلى طهران:

طهران ، الصورة التي التقطت بالقرب من البرلمان في أعقاب الهجوم على ضريح الخميني في عام 2017
طهران ، الصورة التي التقطت بالقرب من البرلمان في أعقاب الهجوم على ضريح الخميني في عام 2017
كانت كتب التاريخ ستقدم رواية مختلفة كليا عن المنطقة لولا هذا الكيان الوحيد والسم الذي ضخه منظروه في المنطقة على مدى عقود والعمل الدؤوب على إعادة تشكيل نسيجه الاجتماعي والديني بمهارة لتتماشى مع أجندته الخاصة. لا يمكن المبالغة في الحاجة الملحة إلى إعادة صياغة كاملة لسياستنا الخارجية تجاه إيران.

على مدى عقود، استغلت جمهورية إيران الإسلامية بمهارة المبادئ الأساسية التي تقوم عليها مجتمعاتنا الديمقراطية، مثل حرية التعبير والتجمع، لتقويض وإفساد مؤسساتنا. من خلال توليد التوترات بشكل استراتيجي واستغلال الانقسامات القائمة، نجحت إيران في تحويلنا إلى جهات فاعلة غير مقصودة في سقوطنا، مما أدى ببطء إلى تآكل وحدتنا ودفعنا إلى التنازل عن قيمنا الأساسية باسم الحماية الذاتية.

لقد استفادت إيران بمكر من الحريات ذاتها التي تحدد أنظمتنا الديمقراطية. من خلال التلاعب بحرية التعبير، روجت لرواياتها وأيديولوجياتها، وغالبًا ما تستخدم وسائل الإعلام والدعاية لنشر رسائلها. من خلال التسلل إلى المنصات الاجتماعية، زرع الفتنة وتضخيم الانقسامات القائمة وتعزيز العداء داخل مجتمعاتنا.

وبالمثل، استغلت إيران حرية التجمع لصالحها. من خلال تنظيم ودعم مجموعات مختلفة، أوجدت شبكة من الحلفاء الذين يعملون من أجل مصالحها. وهذا يسمح لإيران بالتأثير على الرأي العام وتشكيل الخطاب واستغلال نقاط الضعف داخل هياكلنا الديمقراطية.

من خلال استغلال خلافاتنا، قامت بتأجيج الاستقطاب السياسي والاضطرابات الاجتماعية والصدامات الأيديولوجية. من خلال تعزيز مناخ الخوف، تهدف إلى إضعاف مجتمعاتنا من الداخل، وجعلنا عرضة للخطاب والسياسات المثيرة للانقسام التي تقوض أسس ديمقراطياتنا.

الهدف النهائي لتلاعب إيران هو جعلنا ننقلب ضد أنفسنا ونهدد قيمنا الأساسية – بعد ذلك يريد النظام استنفاد قراراتنا، مما يجبرنا بشكل منهجي على الانخراط في الصراعات والأزمات التي تستنزف مواردنا إلى الأبد – يقف العراق وأفغانستان شاهدين على مثل هذه التكتيكات.

من خلال إثارة الفتنة الداخلية، يهدف النظام إلى إضعاف وحدتنا، وتقويض الثقة في مؤسساتنا، وتقويض إيماننا بالمبادئ الديمقراطية التي نعتز بها. مع استنزافنا للنزاعات والانقسامات الداخلية، نلعب دون قصد لصالح إيران، مما يسمح لها بتحقيق أهدافها الإستراتيجية على حسابنا.

لمواجهة التكتيكات التخريبية الإيرانية يتطلب إعادة التفكير في استراتيجيتنا، ولكن الأهم من ذلك هو رسم خريطة لدوائر نفوذ النظام، وموارده المالية، ومنهجيته. سيكون هناك حاجة إلى العزم…والشجاعة أيضًا.

وبكلمات ونستون تشرشل: “الشجاعة هي بحق أولى الصفات الإنسانية لأنها الصفة التي تضمن كل الآخرين”. – إن المخاطرة بما تؤمن به غالبًا ما يكمن وراء النجاح”.

المصدر: المركز الأمريكي لدراسات الشام

شارك