درجت العادة أن نكون نحن النساء متهمات بهورموناتنا وتنافضاتها، وما تجرُّنا إليه من مزاجات وأفكار وردود أفعال.
وللمصادفة يأتي هذا اليوم مخصصاً للاحتفاء بالنساء. ويبدو تراجيدياً ولذيذاً أن نتحدث نحن النساء عنكم في عيدنا.
للرجال الشرقيين هورمونات أيضاً، هورمونات أطفال شديدي الطفولة. يظن الأطفال أن الأرض وجدت ليلعبوا ويركضوا وأنها لا تدور سوى حولهم ومن أجلهم، ومن أجل أن يواصلوا اللعب والمشاكسة، وأنهم يوم يتوقفون عن اللعب، ربما تسكت دورة الكواكب، وتأكل المحيطات بعضها بعضاً.
ذات مرة بكى زميل لي أمامي، بكى كثيراً… وحين أنهى بكاءه انتهت صداقتنا… قال لي: “لا يمكن أن أرى امرأة بكيت أمامها!”.
في مرة أخرى، قرر صديقنا أن يتزوّج. كان مثالاً في التحرر والمغامرات العاطفية الجامحة. بقي فترة طويلة يخفي تلك العلاقة التي بدت غامضةً جداً. تبيّن لنا أن كل ما بذله من انفتاح وتحرر، سقط يوم قرر اختيار شريكة حياته، التي أتت نقيضاً لتاريخه الحافل مع الجميلات. اختار في النهاية، امرأة لا تخرج من بيتها من دون إذنه. يومها قالت ليال، صديقتنا المشتركة، “لقد كان يكذب طوال الوقت، الآن فقط قال الحقيقة”.
مشاهد عجيبة تنثرها هورمونات الرجال في هذا العالم. ربما آن الأوان للاعتراف بهذا الفصام الذي تحدثه، في الفضاء وفي العلاقات وفي كل مكان.
أتذكر جارنا القديم الذي سافر الآن، “ابو رامي”، كانت زوجته حبيسة المنزل تقريباً، وما كنا نراها سوى نادراً. كان يخبر صبيان الحي أن على الرجل أن يفرض كلمته في البيت. كان مقرّباً منا نحن الأولاد، وكان أحياناً يشارك الفتيان لعبة كرة القدم، ويستبعدنا نحن “الأميرات الصغيرات”. كنا نجلس بعيداً نتفرّج ونراقب حركات الصبيان وانفعالاتهم وما بدأ يظهر من رجولتهم. كان أبو رامي مثالهم الأعلى، وكان الرجل العظيم الحاكم بأمره. سمعت منذ سنوات قليلة أن زوجته بقيت تخونه سنوات طويلة، قبل أن تهجره وتهرب مع رجل تحبه. ربما هناك هورمون يكذب طوال الوقت على بعض الرجال ويوهمهم أن النساء ضحايا، ويعتقدون أنهم لا يُخانون ولا يُستبدلون… لكنّ أم رامي وفّقها الله، تسلّم على رجال الأمة، وتؤكد لهم أنهم جميعاً معرضون للخيانة والاستبدال.
مراراً نكرر سؤالاً بسيطاً في جلساتنا النسائية: “لماذا يهرب الرجال من العلاقات؟ ماذا يحدث لهم؟”. مرّة روت لنا رولا، قصتها مع رجل التقت به ووقع الغرام من النظرة الأولى. قالت: “بعد النظرة الثانية اختفى الرجل”. ضحكنا حتى شبعنا يومها، من جنون الرجال وجبنهم، وأسبابهم وحججهم المثيرة للسخرية، يوم يقررون الهرب. ويحدث ذلك كثيراً مع النساء القويات المستقلات. تراه يهرب من أقرب نافذة، من أقصر طريق. وهو الذي كان يوم أمس يحدّث أصدقاءه عن بحثه المضني عن امرأة قوية تشاركه الحياة. لكنه يوم يلتقيها، يكون أمام خيارين، إما أن يحطّمها ويموتان معاً، أو أن يشدّ الرحال، قبل أن تقع الكارثة… ويحبَّها.
مرّة سألني أحدهم عما يعنيه أن تكون المرأة القوية. وحين بدأت بالشرح، جلس يستمع من دون أن يفهم شيئاً. ثم سأل: “كلمة من تمشي في النهاية هذا المهم؟”.
كدت أضربه لكنني لم أفعل، ذلك أن الضرب لا ينفع في تغيير العقليات المبنية على الأساطير والخرافات، ولأنني أيضاً ضدّ العنف ضدّ الرجال…
بمناسبة عيدنا، يهمنا أن نخبركم، لعلّكم تسمعوننا، نحن كنساء قويات مستقلات نود كثيراً أن نشارككم الحياة والعمل والصداقات والبيوت والعلاقات، ولا نية لنا أبداً في انتزاع سلطاتكم البطريركية، لكن لا ذنب لنا إذا كانت تسقط مع الوقت وأمام الحقيقة، بمفردها ومن دون يهزّها أحد. هذه الأمور تحدث يا أصدقائي! لا تضخّموا المسألة.
كان أجمل إطراء سمعته في حياتي، يوم قال لي أحدهم وبصريح العبارة: “لو لم تكوني جميلة… لكنّا تزوّجنا”. إنها جملة تختصر الأفكار اللاواعية التي تجلس في رأس عدد كبير من الرجال، وتنقر فيها… نعيش في ثقافة تجعل الرجل يخاف أن يخسر ويخاف ألا يكون الأعظم والأقوى، وله أحياناً مخاوف غريبة الأطوار، كمثل أن يخشى مرافقة امرأة جميلة (قد تسرق الأضواء، أو تُسرَق منه)، أو أخرى مستقلة (قد لا تحتاجه وقد لا تجيد التصفيق لبطولاته الدونكيشوتية)، أو امرأة لها تجارب سابقة، ماذا لو لم يكن الأول؟ أي إهانة لا تحتملها تركيبته الهورمونية! سيعاني حينها من أزمة هورمونية استراتيجية لا علاج لها. سيدخل في اكتئاب مزمن، سيصارع الثيران التي في رأسه، وستقتله…
لم ألتقِ رجلاً سوى وأخبرني عن تحرره، وأفكاره التقدمية بالنسبة إلى النساء وحرياتهنّ… إنما قلائل جداً الذين أثبتوا بالتجربة المعاشة أنهم تخطوا عتبة قمع النساء وتقليص أدوارهنّ ومحاولة تحطيمهنّ ليل نهار.
في عيدنا، لا نود حتماً أن نكون مربّيات أو معلمات أو معالجات لنفسيات تتوارث أمراضها، ولا نريد أن نفعل ما لم تفعله الأمهات أو البيئات، ولا نريد أيضاً أن نشمل جميع الرجال بالذكورية المريضة والأوهام العجيبة والهورمونات المجنونة. إنما في عالم يسير إلى أعلى، تبدو هذه العقليات مثيرة للسخرية، أو الشفقة في أحسن الأحوال… إننا نضحك من معاناتنا في معظم الأحيان، نحن نساء ضاحكات، ونحارب من أجل ألا نبكي.
نودّ أن نعايد الرجال الواعين، الحقيقيين، الخارجين من القبيلة وأفكارها وإسقاطاتها… وتحية إلى كل نساء العالم. كنَّ بخير.
نقلاً عن موقع درج ٨ آذار ٢٠١٩