بامتعاض وغضب دحض التاجر “ع.ح” كل مزاعم هيئة تحرير الشام، قائلاً “لا يلزقوها بضهرنا، ما بدنا معابر ولاشي، بدنا نرجع على بيوتنا”، وكانت الهيئة التي قررت إحداث معبر بري يربط مناطق سيطرتها بمناطق سيطرة قوات النظام في ريف إدلب الشرقي، اعتباراً من اليوم 18 نيسان/إبريل، قد بررت قرارها ذلك بمطالب ملحة من قبل التجار من أجل إحداث ذلك المعبر.
وقالت الهيئة في بيانها، بحسب ناطقها الإعلامي، إن الاجراء “جاء نظراً للحاجة الماسة للمعبر، في ظل مخاطر عدة تواجه المنطقة، تهدد توقف حركة التجارة وتصدير البضائع نحو مناطق سيطرة النظام”، مؤكدة أن قراراها تم اتخاذه بناءً على مناقشة ودراسة مع المزارعين والتجار المتضررين من عدم تصريف منتجاتهم.
المعبر مقابل “اعتصام الكرامة”
نشطاء محليون كشفوا لـ “جسر” أن الموقع المعلن عنه، يربط بين مدينة “سراقب” الاستراتيجية الخاضعة لسيطرة قوات النظام وبين مدينة “سرمين” الخاضعة لسيطرة المعارضة، وساحة وموقع المعبر التجاري يقعان على الطريق الواصل بين المنطقتين التي تفصل بينهما مسافة تقدر بأقل من عشرة كيلومترات، وزوّد مصدر ميداني صحيفة “جسر” بصورة جوية للموقع تظهر إنه يقع بمحاذاة الطريق الدولي M4 “اللاذقية-حلب”.
ومن خلال تحديد الموقع الجغرافي، يربط ناشطون بين القرار من جهة واعتصام الكرامة الذي دعمته “هيئة تحرير الشام” وشاركت في تسهيل نقل المشاركين فيه؛ لخدمة مصالحها الخاصة بعدم تسيير الدوريات المشتركة بين روسيا وتركيا بموجب اتفاق بين الطرفين حول منطقة جنوب إدلب والطريق الدولي المعروف بـ”M4″، الذي سبق أن رفضت تحرير الشام فتحه في وقت سابق.
انتهاء حلم العودة
مصدر محلي مطلع، طلب عدم الكشف عن هويته قال لـ”جسر” إن “قرار فتح المعبر التجاري لم يكن مفاجئاً لسكان المنطقة، الذين باتوا على علم بأن “تحرير الشام” سَتُغلب مصالحها الخاصة على الخطر المحدق بالمدنيين، ولن تتراجع عن القرار المتخذ مهمها بلغت حدة المطالب الشعبية الرافضة له، لا سيما أن “تحرير الشام” مهدت الطريق إلى إعلان افتتاح المعبر من خلال الترويج بأن القرار جاء تلبيةً لمطالب التجار المحليين بفتحه”.
واعتبر المصدر أن القرار الحالي ينهي حلم العودة إلى المناطق التي دخلتها قوات النظام، خلال حملتها العسكرية الأخيرة، مستذكراً سيناريو اجتياح ريف حماة الشمالي، وقرار “تحرير الشام” حينها فتح معبر “مورك” الذي خسرته لاحقاً إلى جانب كامل المعابر التجارية التي تربطها مع مناطق سيطرة النظام.
انسوا بلداتكم وقراكم!
بيانات للعديد من الفعاليات المحلية في ريف إدلب الجنوبي ومنطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي، صدرت معلنة رفضها لقرار “تحرير الشام” الأخير.
واعتبرت البيانات هذه الخطوة “خيانة للثورة والشهداء وملايين المهجرين من منازلهم وقراهم بالإضافة إلى أنه سيكون شريان لتقوية النظام المتهالك اقتصادياً”.
وشددت الفعاليات على تداعيات وتبعات القرار النفسية على المهجّرين معتبرة القرار رسالة لهم توحي ببقاء قراهم ومدنهم تحت سيطرة قوات النظام، التي دخلتها العام الفائت، إذ يقر فتح المعبر في الوقت الحالي بشرعية وجود النظام في تلك المناطق التي سيطر عليها، وفقاً لما ورد في البيانات.
في المقابل، نشر عدد من النشطاء المحليين دعوات رافضة لافتتاح المعبر التجاري بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام شمال غرب البلاد، وذلك من خلال التظاهر السلمي وقطع الطريق بواسطة العجلات المحترقة، ما ينذر بمواجهات محتملة مع إصرار تحرير الشام على فتح المعبر بقرارها الأخير، قابلها استنفار لحواجز هيئة تحرير الشام في محيط المنطقة.
“سراقب – سرمين” وكورونا
يتخوف نشطاء وفعاليات الشمال المحرر من انتقال عدوى فيروس “كورونا” من خلال المعبر لا سيما مع انتشاره في مناطق سيطرة النظام، وذكرت الفعاليات في بياناتها أن المعبر سيكون البوابة التي يصل منها الوباء إلى المناطق المحررة.
نقابة أطباء الشمال المحرر أصدرت بياناً رسمياً حذرت فيه من مغبة فتح معبر تجاري بين مناطق سيطرة النظام والشمال السوري، مؤكدةً أن القرار يشكل خطراً كبيراً على الأمن الصحي في المنطقة في ظل غياب أي وسيلة تعقيم للبضائع التي ستكون سبباً في دخول فيروس “كورونا” المستجد إلى الشمال السوري، مشددة على ضرورة منع فتح معبر يربط بين المناطق ضمن الإجراءات الاحترازية لتفشي الوباء.
يأتي ذلك إلى جانب انعدام الثقة بتطبيق إجراءات الوقاية من قبل “تحرير الشام”، وتركيزها على الكسب المادي، حيث سبق تأكيد فشلها الذريع على المعابر الداخلية التي تفصل بين عفرين وإدلب، متمثلاً بالزحام الشديد، ووجود عدد قليل من أجهزة فحص الحرارة الضرورية لاستكمال التدابير اللازمة لمكافحة انتشار فيروس “كورونا”، إلى جانب سهولة حدوث عمليات التهريب من خلال المعبر بدوافع الحصول على المال.
تجار ليسوا تجار
زودت مصادر محلية صحيفة “جسر” بتسجيلات صوتية تناقلتها معرفات داعمة للهيئة، قالت إنها تعود لتجار محليين يطالبون فيها بضرورة افتتاح معبر تجاري مع باقي المحافظات لإنهاء حالة الجمود الاقتصادي الذي يخيم على المنطقة.
وحصلت صحيفة “جسر” على قوائم بأسماء التجار الذين قالت مصادر إعلامية مقربة من “تحرير الشام” بأنهم طالبوا بفتح المعبر التجاري مع النظام بهدف تصريف بضائعهم الموجودة في المستودعات ضمن مناطق إدلب شمال غرب البلاد.
لكن تاجراً معروفاً في المنطقة، فضل عدم الكشف عن هويته، أكد لـ”جسر” بعد الاطلاع على أسماء التجار الورادة في القوائم، أنها أسماء غير معروفة، منوهاً إلى أنه تم تداولها لذر الرماد في العيون، والتأكيد على أن التجار هم من يطالبون بالمعبر. ويكذّب التاجر الرواية المزعومة في تلك البيانات قائلاً: “صحن البيض يكلفنا ٤٠٠ ليرة ونقوم ببيعه بـ١٤٠٠” في إشارة إلى أنهم ليسوا بحاجة إلى أرباح إضافية، مضيفاً “لقد أحضروا مجموعة من الأشخاص ممن يعملون معهم منذ زمن، وكتبوا أسماءهم كتجار، مطالبين بافتتاح المعبر، وهم ليسوا تجار بيض أو طير (دجاج)”.
وعبر عن امتعاضه بالقول بلهجة عامية “لا يلزقوها بضهرنا، نحنا بدنا نرجع على الضيعة، ما بدنا لا معبر ولا كزب”.
وتناقل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أن “هيئة تحرير الشام”، تراجعت عن القرار دون إعلان ذلك بشكل رسمي إذا ما كان القرار ينص على إلغاء نهائي للقرار أو تعليق مؤقت فقط.
هيئة تحرير الشام والفرقة الرابعة.. تمويل “ذاتي” متبادل!
الباحث في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية “ايمن الدسوقي” أوضح لـ”جسر” أن المعابر البرية بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام يسيطر عليها من طرف الأخير مجموعات من مكتب أمن الفرقة الرابعة، الذي يسيطر على المعابر التي تقع تحت سيطرة الفرقة عموماً لأنها مصدر “تمويل”، خاصة لناحية الترسيم والترفيق، ولفت إلى أن القوات القتالية من الفرقة قد تمت اعادتها إلى دمشق، فيما يتم تعزيز المكتب الامني بمتطوعين جدد، ينقلون تباعاً إلى جبل الزاوية سراقب وعين العرب”، مرجحاً فتح معابر أخرى للتبادل التجاري ضمن تلك المناطق.
وذكر الباحث الدسوقي، أن عمليات الترسيم والترفيق في الفرقة الرابعة، يديرها ويسيطر عليها كل من أبو علي غوار، وأبو علي خضر، اضافة إلى مجموعة في أبو ضهور تدعى “صقور الضاهر”، يتزعمها عضو مجلس الشعب “خالد الضاهر”، الذي كان يعمل مع المخابرات الجوية، ثم انتقل للعمل مع الفرقة الرابعة لاحقاً.
وعن التبادل التجاري بين مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام والنظام، قال الدسوقي: إنها “ظاهرة قديمة متجددة، حيث تولت الهيئة عمليات التبادل التجاري على معابر حماة مثل المضيق، ونسقتها مع الطرف الآخر، وقد تحدث (أس الصراع) عن تلك العمليات في مجموعة تغريدات له”. ويضيف الدسوقي: “والرائج في الشمال السوري أن عودة التبادل بين الطرفين ضرورة بسبب فقدان بعض المواد من مناطق المحرر عقب إيقاف استيرادها من مناطق النظام وأن الحصول عليها من الجانب التركي سيكون بسعر مرتفع”، لافتاً إلى أن هذه المزاعم قد تكون واقعية بجزء معين منها، ويشرح الدسوقي بأنه اجرى مقارنة بين اسعار السلع بين حارم وادلب، بين شهري تشرين الثاني واذار المنصرم، ووجد إن هناك ارتفاع في أسعار السلع يتراوح بين ٨ بالمئة بالحد الادنى، و ٦٧ بالمئة بالحد الأعلى، ويعزو الارتفاع إلى انخفاض سعر الليرة السورية والتركية أمام الدولار، لكنه يضيف سبباً آخر يتمثل في احتكار بعض التجار لسلع أساسية، لأنهم يرون ضرورة استمرار علاقات التبادل التجاري مع مناطق النظام، أو قسد، لأن ذلك أكثر ربحية لهم من المناطق المحررة، وهو ايضاً في النهاية مما يؤثر على مداخيل هيئة تحرير الشام التي تسيطر على المعابر، ولها علاقات مع التجار بما في ذلك تحديد اختصاصاتهم باستيراد مواد واصناف معينة، وكل هذا يتم مع تجاهل مصلحة السكان المحليين، التي لا تتقاطع بالضرورة مع مصلحة الهيئة.
وبحسب الدسوقي فإن تلك الخطوة ستنعكس إيجاباً على التجار العاملين في مناطق سيطرة النظام، فهم يريدون تخطي الاستيراد من الخارج عن طريق البحر، “بسبب التعقيدات المالية والمصرفية المرتبطة بالعقوبات الاقتصادية على النظام، إلى جانب العوائق المتمثلة بالوضع الاقتصادي الراهن في سوريا وجارتها لبنان وتعذر فتح اعتمادات مالية، ما دفع التجار إلى أن يلجأوا للحصول على البضائع والمواد الغذائية وغيرها عن طريق مناطق سيطرة المعارضة شمال سوريا بدلاً من استيرادها من الخارج”.
رغم التراجع عن القرار ظاهرياً: الافتتاح خلال أسبوع
وأضاف الدسوقي بأن “هيئة تحرير الشام”، لم تتراجع عن قرارها في فتح معبر “سراقب – سرمين” بل عمدت إلى تأجيل موعد افتتاحه لفترة قصيرة قادمة قد تصل إلى أسبوع من الزمن بحسب مصادر خاصة أكدت له أن قرار التأجيل صادر عن اجتماع شخصيات من تحرير الشام قررت احتواء الغضب الشعبي الرافض للقرار على أن تستكمل الترتيبات الأمنية والعسكرية والاقتصادية لفتح المعبر خلال الأيام القليلة المقبلة، قدرها باسبوع. مشيراً إلى أن تصرفات “تحرير الشام” الحالية توحي بعزمها على ترتيب أوضاعها الداخلية على مختلف الأصعدة على خلفية الاتفاق المبرم بين تركيا وروسيا حول طريق “اللاذقية – حلب” الدولي بهدف إظهار مدى قدرتها على كونها شريك لضمان فرض نفسها باعتبارها الفصيل المسيطر دون منافس على الأرض، معرباً عن قناعته أن لا روسيا ولا تركيا ستمانع فيما لو فتحت المعابر، لأنها من جهة ستنشط الاقتصاد التركي، ومن جانب آخر يخفف من الازمة الاقتصادية التي يعاني منها النظام، خاصة في ظل العقوبات، وهي بالعموم -وفق الدسوقي- تكتيكات من ناحية هيئة تحرير الشام لفرض نفسها كلاعب لا يمكن تجاهله والاعتراف به، وعقد صفقات معه، على غرار حركة طالبان مثلاً، لكن الدسوقي أعرب عن شكه في امكانية القبول بذلك، سواء من قبل روسيا أو من قبل النظام.
إيران أيضاً!
وأكد “منهل باريش” الباحث المساهم في مشروع “زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا” في مركز روبرت شومان لدراسة السياسات في جامعة الاتحاد الاوربي في فلورنسا، لـ”جسر”، “أن الحديث عن فتح معبر مع مناطق النظام يرتبط بالبضائع القادمة من إيران التي تدخل ترانزيت (عبور بري) من تركيا وصولاً إلى معبر باب الهوى الحدودي بين تركيا وسوريا الخاضع لسيطرة هيئة تحرير الشام، ومن ثم العمل على نقلها من باب الهوى إلى مناطق سيطرة النظام عبر المعابر المفتوحة سابقاً”. ويربط الباحث باريش بين فتح المعبر الحالي واستئناف العلاقات التجارية بين الهيئة وجهات من في نظام الأسد، مثل خضر الطاهر “أبو علي” المسؤول عن شركة أمنية تدعى “القلعة”، تتشارك مع ضباط في مكتب أمن الفرقة الرابعة ممن يتهربون من الضرائب من خلال علاقتهم مع “تحرير الشام”، خاصة مع القياديين في الهيئة، “أبو عبد الرحمن زربة” و”أبو أحمد حدود” وذلك من خلال دفع مبلغ مالي يتراوح مابين 100 إلى 200 دولاراً أمريكياً، لعبور سيارة بضائع واحدة، باتجاه معابر “المنصورة” و”العيس” سابقاً، الأمر الذي ينطبق على معبر “سراقب”، في حال تقرر افتتاحه، بينما من المفترض أن يدفع ضباط الفرقة الرابعة الذين يستوردون تلك البضائع أضعاف هذه المبالغ كرسوم جمركية، فيما لو تم إدخال البضائع ذاتها من المعابر البرية أو البحرية النظامية.