عبد الناصر العايد
تحدد الجماعات التي تخوض صراعاً واسعاً، أولوياتها في كل مرحلة من المراحل. ومواجهة المشروع الإيراني في سوريا والإقليم، أولوية السوريين اليوم، المعارضين منهم والمؤيدين أيضاً. فالبلاد تُختطف وتُغتصب، جزءاً بعد آخر، أمام أنظار الجميع، في غياب مشروع أو قوة وطنية تستطيع أن تضع حداً للنزعة الإيرانية الشرهة للتوسع والتمدد والاحتلال. لكن المعارضة السورية، دوناً عن الموالاة، هي من يقع على كاهلها حمل راية الكفاح هذه، ليس فقط لأنها حاملة المشروع الوطني بمقابل الفئة التي باعت نفسها للشيطان للحفاظ على سلطتها الهزيلة، بل لأن مقومات هذه المعركة تتوافر للمعارضة أكثر مما تتوافر للموالاة، ويمكن أن تصبح بوابة محاربة المشروع الإيراني مدخلها للانتصار في قضاياها الجوهرية.
فالصراع ضد المشروع الامبراطوري للولي الفقيه، معركة وطنية ضد محتل خارجي لا يختلف اثنان من المعارضات المتعددة حول توصيفه وتقييمه، وهذا عامل توحيد نحن في أمسّ الحاجة إليه في ظل ظروفنا الحالية التي يسودها التشرذم وضياع الهدف، حتى في حالة من يركزون على إسقاط نظام الأسد، فالأخير ما كان ليصمد لولا دعم طهران المستمر له.
ووضع هذا الهدف كأولوية يمكنه أن يصنع التقارب الذي يبدو مستحيلاً بين المعارضة وفئات من القاعدة الموالية التي تجاوزت مرحلة استشعار الخطر الإيراني، وبدأت تئن تحت وطأة حضوره كاحتلال صريح ومهين، سواء بين العسكريين أو المدنيين. وهنا أستطيع التأكيد بأن الانفصال قد بدأ فعلاً بين الجانب الإيراني، وبين الفئة الموالية بمعناها الواسع لا بمعنى نخبة الحكم، وأن الرابط الوحيد بينهما هو التهديد المشترك الذي قد تشكله المعارضة ذات لحظة. بل حتى هذا الرابط، في طور التحول بعدما صار واضحاً أن إيران يمكنها أن تعقد تفاهماً مع المعارضة ذاتها لتثبيت وجودها بعيداً من جمهور النظام ومصالحه وربما ضدها. وقد يكون اعلان المعارضة إن “ايران هي العدو الأول” مدخلاً مناسباً لإيجاد صيغة ما للتوافق يقدم فيها الطرفان تنازلات معقولة ومقبولة لوضع القضية السورية في طريق الحل.
ولكي لا يساء فهم هذا الكلام، فإنني أحدد ما اقصده بالتنازلات بخفض اهداف المعارضة من اسقاط النظام بشكل كامل إلى إنهاء السلطة العائلية لآل الأسد وإقامة سلطة وطنية جديدة تفتح الطريق التغيير نحو الديموقراطية وفق جدول زمني محدد، وبصيغة تستجيب لمخاوف جمهور الموالاة وتضمن عدم تعرضه للتنكيل والانتقام أو تضر بمصالحه الرئيسية.
إن وضع ايران في موضع العدو الخارجي المحتل واطلاق معركة شاملة للتحرير، سيساعد في تخفيف حدة الاستقطاب الطائفي والمذهبي داخلياً، على عكس ما قد يتصوره البعض. فعلاوة عن ان ولاية الفقيه ليس لها مرتكزات يُعتد بها في سوريا يمكن استنفارها وتوظيفها مذهبياً، فإن تدخل طهران في سوريا هو ما حفز النزعة الطائفية المتطرفة، وهذا باعتقاد كاتب هذه السطور لم يحدث بالكامل كردّ فعل عفوي. فإيران غذت وتغذي بأشكال مختلفة التطرف السني وتمده بكل أسباب البقاء على قيد الحياة، لما يقدمه لها من خدمات مباشرة وغير مباشرة لا تُقدر بثمن. ورفع الغطاء عن الطائفيين ووضعهم في موضعهم الصحيح، أي كعناصر فعالة في الاستراتيجية الإيرانية، لا بد أن يؤخذ باعتبار أي مشروع وطني يقوم على أسس واعية وفهم عميق للصراع.
تتبوأ ايران اليوم موقع “الشيطان” بالنسبة لدول الشرق الأوسط والغرب، وهي تتصرف بصلف ورعونة تحت تأثير نشوتها بما تتوهمه انتصارات، ويتكون حولها طوق إقليمي ودولي سيطيح مشروعها في نهاية الأمر. وحلفاء السوريين في الحرب عليها، هي الدول الأكثر اقتداراً في الإقليم والعالم، ومعركتهم هذه مضمونة النتائج، مثلما كانت الحرب على الإرهاب أو الأنظمة المارقة مؤكدة النتائج. وتفيد الخبرة التاريخية وخلاصات العلاقات الدولية، أن الشعوب والأمم التي تقاتل في صف الرابحين وتختار لنفسها المعارك الرابحة، هي من تستطيع الفوز في حروبها الخاصة، التي قد تكون بعيدة بهذا القدر أو ذاك عن الصراعات التي تخوضها القوى العظمى.
ولدينا، كسوريين، تاريخ غير حميد من حيث اختيار الحلفاء والأعداء والمعارك، وقد آن لنا أن نستوعب دروس الماضي القريب القاسية والتحرك في الاتجاه الصحيح، والبحث عن صيغة للانخراط المبكر في الحرب التي لا بد أن تشنّ على إيران ذات يوم.
المصدر: المدن