في الساحل السوري … ادفع بالتي هي أحسن وإلا الموت بانتظارك!

في الساحل السوري … ادفع بالتي هي أحسن وإلا الموت بانتظارك!

في الساحل السوري … ادفع بالتي هي أحسن وإلا الموت بانتظارك!

في الساحل السوري … ادفع بالتي هي أحسن وإلا الموت بانتظارك!

في الساحل السوري … ادفع بالتي هي أحسن وإلا الموت بانتظارك!

في الساحل السوري … ادفع بالتي هي أحسن وإلا الموت بانتظارك!

في الساحل السوري … ادفع بالتي هي أحسن وإلا الموت بانتظارك!

شارك

في الساحل السوري … ادفع بالتي هي أحسن وإلا الموت بانتظارك!

في الساحل السوري … ادفع بالتي هي أحسن وإلا الموت بانتظارك!

علي حيدر/ نقلاً عن أنا إنسان

ما إن تصل باخرة إلى مرفأ اللاذقية وتبدأ تنزيل حمولتها على رصيف المرفأ الاسمنتي حتى يتوافد إلى المكان رجلان، أحدهما برتبة مقدم، يطلبان أوراق الحوايا المنزّلة من الباخرة ويأخذان عنها نسخة ويقومان ببعض الحسابات البسيطة، ويخبران صاحب البضاعة بضرورة مراجعة “المكتب” لدفع ما عليه من “رسوم للمعلم”.

يقوم صاحب البضاعة المستوردة بالتوجه إلى المكتب ودفع ما عليه من رسوم غير قانونية، وفي حال تخلفه، وهذا ممنوع أن يحدث، فإن العناصر نفسها ومعها آخرين تقوم بعدة إجراءات، فقد تبقى بضاعته في المرفأ إلى حين غير معلوم، أما صاحبها فإن الاعتقال مصيره في حال تكرر تأخره عن الدفع، بعضُ هذه الرسوم تصل إلى مبلغ مليون ليرة سورية فما فوق تبعاً لنوع البضاعة المستوردة، كما أن نصيباً منها قد يكون من نصيب “الشباب الطيبة” كما يلقبونهم في المرفأ خاصةً إذا كانت من الأدوات الكهربائية أو أجهزة الاتصالات الحديثة كالموبايلات والشاشات وقطع التبديل.

يتم الإفراج عن البضاعة فور دفع الرسوم التشبيحية تلك، ويرافق التاجر بعد تحميل بضاعته إلى خارج المرفأ ويمنع أحد من الاقتراب منه بما في ذلك عناصر الحواجز أو الجمارك المنتشرين على الطرقات الدولية، وأحياناً إذا كانت البضاعة ثمينة وذات قيمة عالية يرافق التاجر حتى مستودعاته في أي منطقة من مناطق سيطرة النظام.

يتكرر مشهد الذهاب الى مكتب المعلم في كثير من الأماكن في مدن الساحل السوري وريفه حيث يقوم أفراد تابعين لقطع عسكرية محددة باستيفاء رسوم من مختلف أنواع النشاطات التجارية أو الصناعية أو البضائع المنقولة عبر الطرقات الدولية والمحلية، ولا يمكن لأحد النفاذ من هذا الحصار المفروض منذ أكثر من ثلاث سنوات ونيف.

الأتاوات على كل شيء:

في مكان آخر يبعد عن المرفأ عشرات الكيلومترات، تقع جنوب شرق منطقة القرداحة، تهدر رافعات وتركسات تقضم في جبل صخري كان سابقاً مغطى بالأشجار، تُحمّل الشاحنات بالأحجار وقطع الرخام ولكن قبل المغادرة، يمر التاجر المشتري أيضاً على مكتب “للمعلم” ويدفع عن كل كيلو رخام “مئة ليرة سورية”.

يبلغ وزن قطع الرخام الخام عدة أطنان، والمقلع يديره شخص من المنطقة يعمل لصالح المالك الأساسي الذي هو الآخر “معلّم”، ويدفع المعلّم المعروف في المنطقة للمعلّم الأكبر القابع في العاصمة، وبالطبع يمكن للمعلم الأكبر إيقاف المقلع في حال رفض أو التخلف عن الدفع مستعيناً بأي قانون أو قوة عسكرية أو أمنية بسهولة.

بالمثل، تنقل البضاعة “الرخام” بمرافقة أمنية إلى أمكنة مختلفة، خاصة المناشر في مدخل مدينة اللاذقية، التي يملكها حصرياً تجار وعائلات من أهل المدينة، لم تكن سابقاً تدخل في الحسابات الاقتصادية لأي من التنظيمات العسكرية في البلاد، إلا أن البارز هنا أن غالبية الأموال التي يتم جمعها تتجه لصالح الفرقة الرابعة.

تشمل الإتاوات كما قلنا كل ما له علاقة بأي نشاط اقتصادي، بما في ذلك أنشطة ممنوعة وأخرى قانونية، ففي الشق الممنوع، تجارة الفحم مثلاً التي يتحكم بها شخص واحد “معلّم هو الآخر” أو كما يلقب “أستاز” ويدفع هذا “الأستاز” لصالح المعلّم الكبير عن طريق مندوب مكلّف يومياً بمراقبة هذا النشاط التي يكاد يقضي على غابات المنطقة ويحيلها بعد سنوات إلى صحراء حقيقية. وفي الشق القانوني فإن معامل الدواء القانونية والمنشأة حديثاً في الساحل (وعددها قليل) تدفع هي الأخرى ما عليها من “رسوم” للمعلم عن طريق مندوب يمر شهرياً إلى تلك المعامل وتدفع الأموال نقدياً.

 

 أنواع من “المعلمين”

لا علاقة لهذا “المعلّم” بأي أنواع المعلمين المعروفين، لا بالمدرّسين ولا بمعلمي الحرف التاريخيين، ولا بأي معلّم يعمل في أي مهنة صناعية أو حرفية، فهؤلاء المعلمين في غالبهم من الضباط المنتمين إلى قطع عسكرية، وكل مهامهم تنحصر في جباية أموال نقدية حصرياً من مختلف النشاطات الاقتصادية في الساحل السوري.

في منطقة سياحة شعبية، أرضها ملك للدولة، تقع شمال نهر السن يوجد مزار ديني قديم للطائفة العلوية، تحيط به غابة سنديان صغيرة تمثل لأهل المنطقة متنفساً في أيام الحرارة والقيظ وارتفاع الرطوبة الذي تتميز به مناطق الساحل صيفاً. يتجمع في هذا المكان آلاف البشر الهاربين من بيوتهم من المدن والقرى المحيطة، وكان فيه عشرات الأكشاك التي بناها أشخاص جلهم فقراء من صفائح ألمنيوم وأخشاب مؤقتة تقدم خلال فصلي الربيع الصيف (خمسة شهور) خدمات بسيطة من قبيل الأكل الشعبي والقهوة والشاي والمتة والشوي وغيرها من الخدمات.

تحوّل هذا المكان إلى منطقة استثمارية لصالح عقيد في جهاز أمني بعد أن تم إجبار صغار المستثمرين هناك، أصحاب الأكشاك، على دفع مبلغ آجار لأكشاكهم يعادل سنوياً 1200 دولار يضاف لها مبلغ 300 دولار لأجل الرصيف الذي يصفّون عليه طاولات وكراسي لاستقبال الزبائن، دون تقديم أية خدمات مقابل هذه الأتاوة بما فيها النظافة التي يقوم بها أصحاب الأكشاك شبه المتهالكة، والكهرباء التي يقوم هؤلاء بدفع فواتيرها كذلك.

يمثّل المعلم هنا شخص من أهالي المنطقة يقوم بجمع الأتاوات للمعلم مطلع كل شهر، وفي حال التخلف عن الدفع يقوم بطرد الشخص المستأجر ويعطيه لشخص أخر، فلا وجود لعقود رسمية بين المستأجر والمؤجّر، فالأرض ملك الدولة، والمكان حرم المزار مسجل في وزارة الأوقاف ولا سلطة للأخيرة على المكان، في إجراء آخر، يقوم ممثل المعلم بنقل أصحاب الأكشاك من مكان بعيد عن المنطقة الرئيسية إلى قلب المنطقة بعد دفع مبالغ إضافية.

تتعدد أنواع المعلمين وكل منهم له دوره في تحصيل وجباية الأموال لصالح المعلم الأكبر، في إحدى شركات الإنتاج السينمائي في دمشق كان الوسيط المعتمد للمعلم الأكبر … ممثلة معروفة.

في دمشق … هناك معلمون أيضاً:

على طريق أوتوستراد المزة، مزة فيلات، هناك عشرات المقاهي التي انتصبت حديثاً، ولكل منها حكايته مع المعلم، فعلى كل منها أن يدفع إتاوة شهرية تختلف تبعاً للزحمة في المكان، ويحمّل أصحاب المكان هذه الإتاوة على طلبات الزبائن، فيصير سعر فنجان القهوة مع عبوة ماء صغيرة لا أقل من 1500 ليرة، أو يصير سعر وجبة أكل سريعة سعرها العادي 4 آلاف، أكثر من 7 آلاف، بالطبع لا يسلم هؤلاء فاتورة رسمية للزبون إلا في حالات نادرة بسبب الخوف من مزيد من الضرائب من قبل التموين والبلدية وغيرها.

في مناطق أخرى من دمشق، ظهرت أيضاً حالات جديدة من تحصيل الإتاوات تتمثل في مواقف السيارات العامة أي بالقرب من الحدائق أو المؤسسات العامة أو المناطق التي يمكن ركن السيارات فيها، حيث يقوم أشخاص تابعين لهذه القوى بإجبار أصحاب السيارات الخاصة بدفع رسوم ركن السيارات هناك رغم أن المنطقة أو المكان ملكية عامة، واليوم، من الصعب جداً في دمشق أن تركن سيارتك في مكان عام دون أن يظهر لك هذا الجابي من العدم، لتدفع ما عليك “للمعلم”.

وتستمر جباية الضرائب والرسوم

مضت ثلاث سنوات فأكثر على هذه السياسة المعتمدة التي تحاصر أي نشاط اقتصادي في مناطق النظام للحصول على أموال لا يعرف بالتحديد مصيرها، هل يتم جبايتها لصالح المعلّم الأكبر فقط ضمن منظومة الصراعات داخل بنية الحكم وضمن عقلية المزرعة نفسها، أم أنها توجه لدفع نفقات أخرى غير معروفة، في الحالتين، نحن أمام نمط عثماني من جباية الأموال يتفوق عليه بأشواط ويترك كل فعالية اقتصادية ضمن خانة الإيقاف في حال خروجها عن هذا النمط، إنها سوريا ما بعد الحرب. أهلاً بكم في عالم الأشباح.

 

شارك