جسر: ترجمة:
بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على طرحه لأول مرة، أصبح التشريع الفارق، القاضي بفرض عقوبات أمريكية على كل من نظام الأسد وروسيا وإيران جراء جرائم الحرب الماضية والمستمرة في سوريا، على وشك أن يقر أخيرا في الكونغرس. وبانتظار إقراره كقانون، لن يقتصر “مشروع قيصر” على اﻹسهام في توفير العدالة والمساءلة لضحايا بشار الأسد؛ بل يمكن أيضا أن يمنح الولايات المتحدة نفوذا في البحث عن حل سياسي للحرب السورية.
من المتوقع أن يقوم الرئيس ترامب بتوقيع قانون، تفويض الدفاع الوطني لعام 2020، بعد أن يقره الكونغرس في أبكر وقت ممكن من هذا الأسبوع. بموجب اتفاق بين نواب الحزبين في المجلسين، أضاف الكونجرس إليه قانون “قيصر لحماية المدنيين السوريين” لعام 2019، الذي يجيز فرض عقوبات على كبار المسؤولين الحكوميين السوريين، والقادة العسكريين، وأي شخص آخر مسؤول عن؛ أكثر من ثماني سنوات من الفظائع الجماعية التي ارتكبها الأسد، وجرائم الحرب ضد المدنيين الأبرياء، وجرائم ضد الإنسانية.
وسيقوم مشروع القانون أيضاً بتوسيع نطاق العقوبات لتشمل عدة قطاعات رئيسية من الاقتصاد السوري الذي تقوده الدولة، وأي حكومة أو كيان خاص يساعد الجيش السوري أو يساهم في إعادة إعمار سوريا؛ حتى المحاسبة وتحقيق العدالة لضحايا الأسد.
هذا يعني أن الجيش الروسي، والمرتزقة المتعاقدين معه في سوريا، وشركات الطاقة التابعة له، أولئك الذين يبحثون عن أعمال نفطية في سورية، يمكن أن يعاقبوا إذا ساعدوا نظام دمشق بأي شكل من الأشكال، وينطبق نفس الشيء على القوات شبه العسكرية الإيرانية التي تساعد الأسد. إدارة ترامب سبق وأن أبدت دعمها للتشريعات، ويتوقع منها إقرارها.
سمي هذا التشريع باسم “قيصر”، وهو الاسم المستعار للمصور العسكري السوري؛ الذي انشق عام 2013، وقدم للعالم أكثر من 55000 صورة لتعذيب وقتل آلاف المدنيين في سجون الأسد سيئة السمعة. الصور، التي تحقق منها مكتب التحقيقات الفيدرالي-FPI وعرضها في جميع أنحاء العالم، لا تمثل إلا جزءا صغيرا مما وصفه سفير وزارة الخارجية الأمريكية لجرائم الحرب، ستيفن راب، بأنه أسوأ “آلة للموت القاسي” منذ النازية.
أخبرني قيصر، الذي زار واشنطن أربع مرات للمطالبة بالعدالة والاهتمام بالضحايا، أنه بكى من الأمل والتفاؤل عندما سمع أن مشروع القانون على وشك أن يصبح قانونا نافذا.
وقال: “بعد أكثر من ثماني سنوات، أصبح ضحايا وحشية الأسد وعائلاتهم، أقرب خطوة إلى العدالة والمساءلة”. وأضاف: “أنا ممتن لشعب الولايات المتحدة الذي يمثله الكونغرس لتجسيده قيم الحرية وحقوق الإنسان الأمريكية”.
كان مسار “مشروع القانون” طويلا. دخل مجلس النواب ثلاث مرات، إحداها بسب اعتراضات البيت الأبيض في عهد أوباما، كما أنه لم ينفرد بعد بتصويت مستقل في قاعة مجلس الشيوخ. الآن، بينما يستعيد الأسد أجزاء كبيرة من سوريا، وفيما تبدو سياسة إدارة ترامب في سوريا فوضى متنافرة، فإن هذا التشريع لديه الفرصة للضغط على الأسد وشركائه لوقف جرائم الحرب، التي تشمل قصف المدنيين بالبراميل المتفجرة، وحصار التجويع، واستهداف المدارس و المستشفيات، وأكثر من ذلك بكثير.
“لقد انتظر الشعب السوري وقتا طويلا الخلاص من وحشية الأسد. أخبرني إليوت إل إنجل، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، أن هذا التشريع، الذي نحاول إنجازه منذ سنوات، يمكن أن يوفر قدراً من هذا الخلاص”. “إن فشل العالم الجماعي في التصرف على مدى ثماني سنوات من العنف سيبقى علامة سوداء في التاريخ. لا شيء يمكن أن يمحو معاناة وفقدان مئات الآلاف من الأرواح، لكننا بحاجة إلى بذل كل ما في وسعنا لتحقيقه”.
أخبرني النائب آدم كينزنجر، من أنصار مشروع القانون منذ فترة طويلة، أن روسيا وإيران ستدفعان الثمن باهظا، لقاء تورطهما المباشر في جرائم حرب الأسد.
وقال: “رغم أن هذه العقوبات لن تمحو الألم والحزن اللذين تسببت بهما الحرب في سوريا، ولا الخسائر الكبيرة في الأرواح، فإن رسالة مشروع قانون قيصر واضحة”. “لن نغض الطرف عن هذه الفظائع، وسنتأكد من أن المسؤولين سوف يدفعون ثمن جرائمهم”.
وخلف الكواليس، كان الدافع وراء التشريع، في جزء كبير منه؛ منظمة غير حكومية سورية-أمريكية تدعى “مجموعة العمل للطوارئ في سوريا”. أخبرني مديرها التنفيذي، معاذ مصطفى، أن مشروع قانون القيصر هو خطوة نحو المساءلة والعدالة والسلام في سوريا، حتى لو استمرت جرائم الحرب.
وقال “بينما نتحدث، يرتكب الأسد مجازر يومية في محافظة إدلب”، “مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال يقبعون في زنازينه السادية. ما يحدث في سوريا هو لحظة “لن تتكرر أبدا” يتجاهلها العالم. ولكن ما يثلج الصدر هو أن الجمهوريين والديمقراطيين والإدارة قد اجتمعوا للتركيز على حماية المدنيين”.
ويستهدف التشريع أيضا؛ أي ممثل دولي يحاول مساعدة الأسد على إعادة اﻹعمار، حتى وإن كفّ عن ذبح شعبه. ما يعني أنه يمكن للولايات المتحدة معاقبة أي شركة دولية تساعد قطاعات الطاقة أو الطيران أو البناء أو الهندسة في سوريا، وكذلك أي شخص يقرض أموالا للنظام. أي حرمان الأسد من وسائل إعادة اﻹعمار وحرمان الآخرين من القدرة على الاستفادة منه.
“لا يمكن للعالم أن ينسى جرائم الأسد ويجب ألا يطبع العلاقات مع نظامه”، هذا ما أخبرني به مايكل مكول (الجمهوري عن تكساس)، العضو البارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب. “يضمن قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين معاملة الأسد كمنبوذ”.
وفي حال شاءت اﻹدارة، فقد تستخدم هذه العقوبات الجديدة للضغط على الأسد وروسيا وإيران للتفاوض بحسن نية تجاه حل سياسي يحفظ كرامة الشعب السوري. وعلى الرغم من سياسة الولايات المتحدة الفاشلة في سوريا لثماني سنوات، لا يزال الوقوف ضد الفظائع الجماعية مصلحتنا الاستراتيجية والتزامنا الأخلاقي.
(واشنطن بوست)