خطابات استعلائية قائمة على مبدأ “نحن النخبة وأنتم الرعاع”، يتم تقديمها مادة دسمة لزيادة الطين بلة. بدل السعي إلى حل المشكلة، وتبريد نار الأزمة، لتطفو على السطح أزمة ليست جديدة، لكنها متفاقمة لثلة أدعياء، يقال عنهم، بكل أسف، إنهم نخب سورية.
مكنون نفسيّ متعالٍ، وشخصيات ترى الكارثة من منظور ضيق وبسطحية عمياء. وأسهل ما يمكن أن يفعله هؤلاء التنصل من المسؤولية برمي الأخطاء على الآخرين، وإن كانت موجودة! ولكن لا يكون الحديث عنها مناسبا عند وقوع الكارثة. والأدهى أنهم أنفسهم لم يبذلوا جهداً يذكر في تصحيح ما يلومون الناس عليه، اللهم إلا من تشدّقات هنا وهناك على صفحات “فيسبوك” و”تويتر”، لا تفيد في شيء. أو كما يتنصل ممثلو ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، على طريقة نحن معنيون بالتمثيل السياسي فقط! وهذه هي حدود تأثيرنا. باستسهال عجيب لمسؤولياتهم السياسية أو الإنسانية، كمجرد واجهات فارغة. ومن هنا، لا يمكن أن
نستغرب عدم تنسيق الحكومة التركية معهم، قبل البدء بتطبيق هذه الإجراءات، فمثل هؤلاء أهانوا أنفسهم وأبناء جلدتهم، فلم يبقَ لهم وزنٌ داخلياً أو خارجياً.
جزء من كارثة السوريين في بعض نخبهم وقياداتهم. نخب مترهلة، فارغة من كل نفع، سياسي أو ديني أو ثقافي أو تعليمي أو تنظيمي. بلاء مضاف إلى بلاءات الشعب السوري. أفرزت خساراتٍ متتالية، ليس على الصعيد السياسي فحسب، بل أيضا على صعد إنسانية واجتماعية، وهي خساراتٌ، لو يعلم بعضهم، أشد وطأة من خسارة حرب أو جولة أو ثورة، خسارة تستهدف جوهر النسيج الاجتماعي، وضربة قاصمة في عمق الجراح السورية.
تدق الأزمة الاجتماعية في سورية، فضلا عن السياسية، ناقوس الخطر.. على مستقبل شعبٍ يصارع الشتات، بلا قياداتٍ واعية لحاضره ومستقبله، فإذا كان لا بد من أن يلام أحدٌ على أخطاء موجودة، ولا ننكرها، علينا، في البداية، توجيه أصابع الاتهام لمن تصدّر العمل في الشأن العام، وحمل أمانةً على عاتقه، لم يكن مؤهلاً لحملها.
على صعيد متصل، وفي جزء آخر من هذه الأزمة، لا يمكن أن نتغافل عن الخطاب الإعلامي التحريضي للطابور الخامس، خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يذكي بدوره النار المشتعلة تمريراً لأغراضٍ سياسية، فبتنا نرى من يختلف مع تركيا سياسياً، أو لا يحب قادتها ببساطة، أكثر المتفاعلين سلباً مع الأزمة والداعين إلى الخروج عن العقلانية في التعامل معها.
فتحت مواقع التواصل الاجتماعي فضاءً لا حدود له، ووصلت الشرق بالغرب، ووحّدت اللغات المختلفة بلغة واحدة عالمية، تلاشت معها الحدود والفضاءات الخاصة للشعوب. ولذلك، لم تعد الكلمة فيه حرية شخصية، بل دليل إدانة تستخدمه أطراف أخرى للتشويه والتحريض، حيث إن بعضهم أساء استخدام هذه الوسيلة، بجهل أو عن عمد، فأضر برسائله الفردية غيره. وهنا لا بد من أن نتخذ نقطة نظام، نوقف من خلالها هذا العبث الإعلامي.