“كلاسيكو الطائفية”… حرب الدراما

“كلاسيكو الطائفية”… حرب الدراما

“كلاسيكو الطائفية”… حرب الدراما

“كلاسيكو الطائفية”… حرب الدراما

“كلاسيكو الطائفية”… حرب الدراما

“كلاسيكو الطائفية”… حرب الدراما

“كلاسيكو الطائفية”… حرب الدراما

شارك

“كلاسيكو الطائفية”… حرب الدراما

“كلاسيكو الطائفية”… حرب الدراما

صادق الطائي

مثلت الأحداث التاريخية والقصص الدينية منبعا خصبا للدراما منذ فجر التاريخ بدءا بالمسرح، أبو الفنون، مرورا بفنون الدراما الأخرى، ملحمة ورواية وقصة وفيلما سينمائيا وعملا تلفزيونيا. إذ تبقى لمتابعة سرديات التاريخ لذة خاصة تجعل من الشأن التاريخي مادة مطلوبة في كل زمان، ما يدفع منتجي الفنون المختلفة إلى الاشتغال على تقديمها دراميا.

يتم التعامل مع التاريخ دراميا في أغلب دول العالم بكثير من السلاسة، من دون تشنج، أو خوف من إسقاط تأثيرات التاريخي على الواقع المعاش، أو التعامل مع أحداث مرّت عليها مئات السنين، على أنها محركات رئيسية في واقعنا اليومي. لكننا، في العالم العربي، ما نزال نتعامل بكثير من التشنج والحساسية مع المادة التاريخية التي تقدمها الدراما لأنها ما تزال تمثل مأزقا حرجا ينعكس على يومنا، لأننا نحمل وحل التاريخ على رؤوسنا ولا فكاك منه، لذلك يفضل كتاب الدراما التاريخية، الذين يسعون لتسويق أعمالهم بشكل واسع، إلى تجنب الأحداث السجالية، أو الشخصيات الإشكالية على شاشات السينما أو في الدراما التلفزيونية، إذ ما يزال هنالك الكثير من الخطوط الحمر التي يصعب تجاوزها في تقديم الشخصيات التاريخية الإسلامية، باعتبارها جزءا من المقدس الذي لا يجوز المساس به. ولم يُبت في جواز تمثيل بعض الشخصيات الإسلامية كالصحابة، أو الأئمة، أو الأنبياء والصديقين، وكل ذلك يمثل بالتأكيد معوقات درامية. وهنالك زاوية إشكالية أخرى للموضوع هي، أننا نمتلك عدة تواريخ، غير متفق عليها، فهناك تاريخ رسمي مكتوب، وهناك تواريخ حركات المعارضة المسكوت عنه، وهنالك الانشقاقات المذهبية التي تمثل وجهات نظر متضادة، عندما تتناول الكثير من مفاصل التاريخ، كل ذلك يمثل تحديا أمام صانعي الدراما، وأي الاتجاهات التي سيتبنونها، ثم ما مدى تقبل السوق الذي ستقدم له هذه المادة التاريخية دراميا. في جولة من صراعات (كلاسيكو الطائفية) اندلعت صيف العام الماضي في بريطانيا التي شهدت مدنها أزمة بسبب فيلم تاريخي إسلامي، تم تقديمه على شاشات العرض، وهو فيلم (The Lady of Heaven) أو (سيدة السماء)، أو كما هو متعارف عليه في السردية الإسلامية (سيدة نساء العالمين) وهو لقب يطلق على السيدة فاطمة (ع) ابنة الرسول محمد (ص). الفيلم أخرجه إيلي كينغ، وكتب قصته ياسر الحبيب، وهو شيخ شيعي ذو طروحات إشكالية، فهو صاحب التصريحات النارية بحق بعض الصحابة وزوجات النبي، علما أن سلوك ياسر الحبيب وتصريحاته لا تمثل سوى وجهة نظر أقلية مغالية من الشيعة، وإن وجهة نظر أغلب علماء الشيعة في العالم ترفض هذا الكلام، وقد أدانوا هذه التصريحات بشكل واضح وعلني عدة مرات في حوزات العراق وإيران والخليج العربي ولبنان. فيلم (سيدة السماء) يتناول خطين دراميين؛ الأول حكاية طفل وأمه فاطمة التي يقتلها تنظيم الدولة (داعش) الإرهابي عند احتلاله للموصل لأنها شيعية، ويتم إنقاذ الطفل على يد ضابط شيعي ينقله لمنزله، فتروي أم الضابط قصة فاطمة (ع) لتهدئة روع الطفل بعد مشاهدته مقتل والدته. وهنا يتداخل الخط الدرامي الثاني الذي يحكي قصة صبر (سيدة السماء)، وزوجها علي بن ابي طالب (ع) وما نالوه من أذى على يد الخليفتين الأول والثاني ورجالهما، في ما عرف تاريخيا بأحداث (الفتنة الكبرى)، ليتم إسقاط هذا الصراع على ما يقوم به تنظيم (داعش) الإرهابي في الحاضر، هذه هي رسالة الفيلم بكل وضوح.

عند عرض الفيلم في بريطانيا خرج الآلاف في تظاهرات احتجاجية أمام دور العرض السينمائية التي عرضت الفيلم، لذلك ألغت شركة سينيوورد (Cineworld) جميع عروض المملكة المتحدة للفيلم، وقالت الشركة إنها اتخذت هذا القرار «لضمان سلامة موظفينا وعملائنا». كما وقع أكثر من 120 ألف شخص عريضة لسحب فيلم (سيدة السماء) من دور السينما في المملكة المتحدة. ووصف مجلس بولتون للمساجد، الفيلم بأنه يحوي مفاهيم «كفرية» وإنه «قائم على أيديولوجية طائفية». لكن منتج الفيلم مالك شليباك علّق على الأمر بالقول: «لا ينبغي لأحد أن يملي على الجمهور البريطاني ما يمكنه، أو ما لا يمكنه مشاهدته أو مناقشته»، واصفا المتظاهرين بـ»الجماعات الهامشية». قبل حلول شهر رمضان المبارك لهذا العام، انطلقت خطوة جديدة في (كلاسيكو الطائفية) إذ أعلنت شبكة قنوات (mbc) عن قيامها بإنتاج مسلسل ضخم عن حياة الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان، وإنه من الإنتاجات الدرامية التاريخية الضخمة، وسيتم عرض المسلسل في رمضان، فقامت ثائرة العديد من الدوائر الشيعية ضد هذا الأمر، وطالب البعض بتدخل الجهات الحكومية السعودية لمنع شبكة (mbc) من عرض المسلسل. وكما هو معلوم أن شخصية معاوية بن أبي سفيان من الشخصيات الإشكالية، وأن طرح سيرته لا بد من أن يتضمن مناقشة تفاصيل (الفتنة الكبرى)، وبالتأكيد سيتبنى كتاب القصة وجهة نظر التاريخ الرسمي، وستهمل وجهة نظر خصوم معاوية، وفي مقدمتهم الخليفة الرابع علي بن أبي طالب (ع)، الذي خاض حربا شرسة ضد معاوية بعد أن انشق عن الخلافة بحجة المطالبة بدم الخليفة الثالث عثمان بن عفان (رض) ومحاكمة قتلته، واستقل بحكم الشام، حتى أسقط الحكم الراشدي وأسس لبدء الحكم الأموي. كتب قصة مسلسل معاوية بن أبي سفيان الصحافي خالد صلاح، وأخرجه طارق العريان في أول تجاربه الدرامية، وقد وصلت كلفة إنتاج المسلسل إلى 100 مليون دولار، وقام ببطولته الممثل السوري الشاب لجين إسماعيل، الذي لعب دور معاوية، كما اشترك في التمثيل كل من الفنانات أسماء جلال من مصر، وعائشة بن أحمد وجميلة الشيحة من تونس في شخصيات زوجات معاوية، في حين جسد الفنان الأردني إياد نصار شخصية علي بن أبي طالب (ع) في سابقة لم تشهدها الدراما العربية، وتجسد الفنانة سهير بن عمارة شخصية هند بنت عتبة والدة معاوية. وقد بدأ تصوير العمل في استديوهات «كارتاغو فيلم» في مدينة الحمامات في تونس، إلى جانب تصوير بعض المشاهد الخارجية في شمال تونس وجنوبها.

بعد الإعلان عن عرض المسلسل، طالب زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، شبكة (mbc) السعودية، بالتراجع عن بث المسلسل واصفاً معاوية بن ابي سفيان بـ»رأس الفتنة»، قائلا إنه «أول من سنّ سبَّ الصحابة وأول من خرج عن إمام زمانه وشق صف الوحدة الإسلامية، وأول من قتل الصحابة». كما انطلقت التغريدات على منصة تويتر تحت وسم (#مسلسل_معاوية)، ومن بين المغردين شخصيات سنية عراقية متخوفة من الأزمة التي سيثيرها المسلسل.

الرد الشيعي على المسلسل جاء سريعا في خطوة جديدة من الكلاسيكو، إذ أعلنت قناة «الشعائر» وهي قناة عراقية مغمورة ممولة إيرانيا عن إنتاج فيلم يمجّد قاتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض)، معتبرة ما قام به أبو لؤلؤة فيروز شجاعة وقوة. وفي منشورها على صفحة القناة في فيسبوك، أعلنت قناة «الشعائر» عن التحضير لإنتاج فيلم سينمائي ضخم بعنوان «شجاعة أبو لؤلؤة» زاعمة أنه سيكون: «أكبر إنتاج درامي إسلامي تاريخي لهذا العام». ولم يتم الإعلان عن كاتب الفيلم أو مخرجه، واكتفت القناة بالقول: «سيشارك في الفيلم عدد كبير من الممثلين والفنانين الإيرانيين والعرب، لاسيما من العراق وسوريا ولبنان»، من دون إيضاح لهوية المشاركين، أو حتى الشركة المنفذة لهذ المشروع الذي تقف خلفه حملة تصعيد درامي طائفي.

الإعلامي المصري عمرو ناصف وصف ما يدور في (كلاسيكو الطائفية) بتغريدة على تويتر، إذ قال «لا فرق بين منتجي مسلسل (معاوية)، ومن ينوون الرد عليهم بإنتاج فيلم (شجاعة أبو لؤلؤة).. الطرفان يسعيان لتأجيج الفتن.. وكل من الفريقين يخدم وينفذ أجندة أسياده، واحنا نولع بجاز العصبية المذهبية».

المصدر: القدس العربي

شارك