جسر: تقارير:
يشبه أحد الأطباء العاملين في الشمال السوري المنطقة بـ “السجن الكبير” رغم أنه يضم ما يقارب أربعة ملايين سوري، ما جعله يعتبر أن ذلك السجن يحمي نفسه بنفسه، من تسلل العدوى وانتشار فيروس “كورونا” في المنطقة، رغم بعض التجاوزات التي تشهدها من خلال التهريب عبر المعابر التي أعلن عن إغلاقها.
وبالرغم من أن السلطات المحلية في تلك المناطق، لم تستطع تنفيذ إجراءات وقائية حقيقية كما في دول الجوار، إذ أكتفت بإغلاق المدارس والمعاهد وفروع الجامعات والمساجد إلى حد ما، إلا أن الأسواق والمحال التجارية ما تزال على حالها، ومع ذلك لم يظهر السكان هناك تخوفهم من الوباء، نظراً لعدم تسجيل أية إصابات حتى اللحظة.
أين الفيروس؟
يرى” فارس المازني” وهو مدرس في أحد المدراس الابتدائية بمدينة الباب شرق حلب، أن الناس يبتعدون عن إجراءات الوقاية الشخصية والتباعد الاجتماعي بسبب عدم شعورهم الملموس بوجود الفيروس، بشكل حقيقي، فعدم تسجيل أي حالة إصابة أو وفاة حتى الآن تعطي نوعاً منالأمان الشعبي، حسب المازني.
ويلفت المازني النظر إلى أن بعض الأشخاص الذين يرتدون كمامات يصبحون محلاً للسخرية من قبل العامة، واصفينهم بالـ “مهوسين” و”الموسوسين” ما يضطرهم لخلعها، تجنباً للاحراج.
أما السيدة “رجاء ديب” وهي مهجرة تبلغ من العمر 60 عاماً، وتقيم في الباب، فتشكك بحقيقة وجود الفايروس، معتبرة أن القضية مؤامرة كبرى تحيكها الدول لشعوبها لغايات معينة أبرزها الاقتصاد، تقول “لا داع للقلق في منطقتنا المنكوبة أصلاً، ولا فائدة مرجوة من تسليط هذه الخديعة علينا”، إلا أن ذلك لا يمنعها من تقديم النصائح لابنها المقيم في تركيا باتخاذ إجراءات الوقاية نظراً لتسجيل البلاد عشرات الآلاف من الإصابات.
مصاريف يجب تأمينها
“حذيفة الدومي” أحد مهجري الغوطة الشرقية، وصاحب محل للمنظفات في مدينة إعزاز المتاخمة للحدود التركية، يؤكد في حديثه لـ “جسر” أن الطلب على المعقمات ومواد التنظيف، ازداد في الآونة الأخيرة، إلى حد ما، إلا أنه ينوه إلى أن الأوضاع في المنطقة لا تحتمل، فرض حجر صحي.
يقول “معظم سكان هذه المنطقة يعتاشون على أجور يومياتهم، من يعمل يأكل ومن يتوقف يوم واحد عن العمل، لا يجد طعاماً لعائلته، لذا لا يستطيع سكان المنطقة تحمل تكلفة الحظر العام أو حتى الجزئي”.
ويضيف “أكثر من نصف سكان المنطقة هم من المهجرين الملتزمين بدفع آجار لبيوتهم، وهذا يشكل عبئاً كبيراً عليهم لا يمكن الفرار منه”.
معابر شبه مغلقة
يشكك ناشطون بمدى جدية القرارات القاضية بإغلاق المعابر الحدودية، مع إعلان الحكومة المؤقتة في منتصف شهر آذار الفائت، عن إغلاق معبر أبو الزندين الرابط بمناطق قوات النظام شرق حلب ومعبر العون الرابط بمناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” شرق حلب أيضاً.
ويعتبر هؤلاء أن المعابر تفتح وتغلق بشكل مزاجي، حسب طلب وضغط بعض التجار والفصائل.
ومع ذلك، يجد مدير المكتب الإعلامي بمعبر باب السلامة الفاصل بين مدينة إعزاز وكلس التركية “محمد الحاج علي” ، حركة العبور في جميع المعابر قد تقلصت لما يزيد عن السبعين بالمئة، فأوقفت حركة الزيارات للمدنيين بشكل كامل، بالإضافة للوائح التجار والعسكريين، وهذا ما انعكس بالإيجاب في منع انتقال العدوى بالفيروس.
يقول “الحاج علي” إن “أبرز أسباب عدم انتشار فيروس كورونا في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، كانت نتيجة الإجراءات الصارمة التي اتخذتها جميع معابر المنطقة سواء مع تركيا أو تلك الفاصلة مع سوريا”.
ويلفت الحاج العلي النظر إلى أن جميع المعابر جهزت بكوادر طبيبة مهمتها فحص القادمين من تركيا، والذين اقتصروا على الأطباء، وشاحنات المواد الغذائية والطبية والإغاثية التي لا يمكن الاستغناء عنها”.
كما فعّلت المعابر الحدودية مع تركيا، منذ أسبوعين، المغاطس المعقمة للأفراد والسيارات، والتي كانت موجودة في السابق، أثناء انتشار فيروس انفلونزا الخنازير عام 2009.
واعتبر” الحاج علي” أن هناك “تهويل إعلامي كبير” بخصوص معبري العون وأبو الزندين الفاصلين بين المنطقة ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية وقوات نظام الأسد، عندما يتعلق الأمر بالحديث عن الخروقات في هذين المعبرين المرتبطين بفصائل الجيش الوطني والحكومة المؤقتة التي”تدرك مدى خطورة الوضع الصحي في تلك المنطقة”.
“سجن” ولكن!
ويؤيد الطبيب “أيمن خسرف” وهو أخصائي في التشخيص المخبري بأحد مشافي شمال حلب، كلام “الحاج علي”، بأن اغلاق المنطقة وانعدام الحركة فيها، وعدم ارتباطها إلا بدولة واحدة وهي تركيا، هي الأسباب الوحيدة التي منعت تسلل الفيروس إليها، مشيراً إلى أنه لا توجد أسباب طبية ومخبرية أو سياسية معينة منعت انتشار العدوى.
ويلفت “خسرف” النظر إلى أن المشافي المدعومة من تركيا، والمتوزعة ضمن المدن الكبرى في تلك المنطقة، اتخذت إجراءات وقائية بنفس الصيغة المتبعة في تركيا، حيث دعت المواطنين لعدم القدوم إلى المشافي إلا في حالة الضرورة القصوى، كما أقامت المشافي على أبوابها الرئيسية مراكز أولية للكشف عن الفيروس، من خلال قياس درجة الحرارة، ومعدل التنفس قبيل الدخول للمشفى.
ويشبه “خسرف” المنطقة بالسجن الكبير، الذي بالرغم من أنه يضم الملايين إلا أنه “سجن” في النهاية، كما أنه لا يستبعد وجود حالات إصابة حاضنة للفيروس لدى المدنيين، لم يتسن للجهات المعنية حتى الآن اكتشافها، مبيناً أن خلو المنطقة من الفيروس أمر مربوط بالمعيار الزمني الحالي ولا يمكن تأكيده مئة بالمئة.