عماد بوظو
ترى أغلب دول العالم أن الغزو الروسي لأوكرانيا عمل عدواني قام به نظام استبدادي لا يقيم وزنا للمجتمع الدولي على جار ديمقراطي مسالم، وتفاوتت هذه الدول في طريقة إظهار تضامنها مع أوكرانيا بين من أرسلت أسلحة إلى الحكومة الأوكرانية إلى من اكتفت ببيانات التأييد، أما الدول التي لم تتخذ موقفا رسميا واضحا بإدانة العدوان الروسي فقد عبرت مؤسسات المجتمع المدني فيها عن التضامن مع أوكرانيا، أما في المنطقة العربية فقد كان الوضع مختلفا حيث لم تصدر عبارة تنديد واحدة بالعدوان الروسي لا من الحكومات ولا من مؤسسات المجتمع المدني.
ومن الممكن إيجاد مبرر لبعض الحكومات على صمتها عن العدوان الروسي باعتبار روسيا دولة عظمى لها علاقات اقتصادية وسياسية واسعة معها مما جعلها محرجة، فهي لا تستطيع إغضاب روسيا ولا الابتعاد تماما عن الغرب مما دفعها نحو سياسة تبدو متوازنة والبحث عن مفردات مطاطة تحتمل عدة أوجه في بياناتها وخطاباتها، لكن الفارق الكبير بين المنطقة العربية وبقية العالم كان في تأييد شريحة شعبية واسعة للغزو الروسي رغم كل ما خرج من أوكرانيا من صور للأبنية المدمرة ولضحايا القصف الروسي من المدنيين ولقوافل تحتوي على مئات آلاف اللاجئين من النساء والأطفال، فحتى في روسيا خرج آلاف الروس في مظاهرات ضد هذه الحرب.
وكان في مقدمة مؤيدي الغزو الروسي القوميين واليساريين ومعهم جمهور غير قليل خصوصا في مصر والأردن، لأن العالم ينقسم عند هؤلاء إلى معسكرين الأول هو الغربي بقيادة الولايات المتحدة والثاني هو المعسكر الذي يقوده بوتين ويعتبرون أنفسهم جزءا منه، ويضم حسب رأيهم روسيا والصين مع مجموعة من الدول المارقة والفقيرة مثل إيران وكوريا الشمالية وكوبا وسوريا، وقد أضاف بعضهم إلى هذا المعسكر الهند لأنها امتنعت عن التصويت ضد روسيا في مجلس الأمن.
وكان أسلاف هؤلاء قد راهنوا سابقا على المعسكر الاشتراكي برئاسة الاتحاد السوفييتي بينما راهن أسلاف أسلافهم على انتصار هتلر في الحرب العالمية الثانية، وربما من حسن حظ البشرية أن الأطراف التي يراهن عليها هذا الفريق من العرب يخسر دائما، ويعبر عن هؤلاء صحفي شعبوي فلسطيني مقيم في لندن من الممكن مشاهدته على اليوتيوب وهو يتغنى بانتصارات “أبو علي بوتين” من غزو أوكرانيا حتى تهديد العالم بالأسلحة النووية، وفي انسجام تام مع الإعلام الروسي تراه يطلق على الحكومة الأوكرانية تسمية النازيين الجدد، كما يبالغ أحيانا في تمنياته حتى وصل إلى التنبؤ بقرب انهيار أوروبا، وفي أسلوبه الشعبوي الذي يلقى تجاوبا عند بعض المراهقين اعتبر الحصار الاقتصادي على روسيا سلاح الجبناء الذين يخشون المواجهة العسكرية.
أما الطرف الثاني الذي وقف مع العدوان الروسي فهم مجموعة من المثقفين ومعهم نسبة لا يستهان بها من الرأي العام الذي يحدد موقفه من أي قضية انطلاقا من معاداة الولايات المتحدة، وعبر عن هؤلاء قبل بضعة أيام أحد الكتاب في مقال على صحيفة عربية تصدر من لندن كرر فيها الأسطوانة المعهودة بأن أميركا قد نشأت على أنقاض وجماجم عشرات الملايين من الهنود الحمر واستولت بالاغتصاب على ولايات تكساس وكاليفورنيا ونيومكسيكو وفلوريدا من جارتها المكسيك واستخدمت السلاح النووي في اليابان.
ولا يلاحظ الكاتب أن ما يقوله غريب تماما عن واقع هذه الأيام، فاليابان حليف استراتيجي للولايات المتحدة وحماسها في معاقبة روسيا يفوق حماس الولايات المتحدة نفسها، وأن الحياة في الولايات الأميركية التي ذكرها هي هدف وحلم لكل من يريد حياة سعيدة وآمنة، وأنه في كاليفورنيا يوجد “السيليكون فالي” الذي يمثل قمة التكنولوجيا العالية في العالم كما توجد هوليوود عاصمة الفن، ولكن كاتبنا ورفاقه وجمهوره يريدون تحرير هذه الولاية من الاحتلال الأميركي!، ومن الصعب وجود من يقول مثل هذا الكلام أو من يستمع له خارج المنطقة العربية.
كما ظهر طرف ثالث مؤيد للغزو الروسي قريب من بعض الحكومات العربية، ولجأ هذا الطرف إلى طرق رآها أكثر ذكاء في هجومه على الموقف الغربي ارتكز على التشكيك في كل ما تنقله وسائل الإعلام، وعبر عن هذا الموقف أحد أعضاء مجلس الشيوخ المصري ورئيس تحرير إحدى الصحف في برنامج على قناة حكومية مصرية قال فيه إن حجم القصف الإعلامي الغربي على المنصات الرقمية يفوق القصف الروسي على أوكرانيا، وإن كذب الإعلام الغربي في هذه الحرب كان سافرا رغم أنه ذو حرفية عالية المستوى.
وقدم مثالا من صحيفة نيويورك تايمز التي نشرت صورة لسيدة وابنتها “يقال” إنهما قتلتا في قصف روسي وتابع “أنا لا أعرف إن كانت الصورة حقيقية أم لا، بينما كان هناك قبل أشهر من هذه الحرب قصف من الجيش الأوكراني على إقليم دونباس وكان من نتيجته تهجير الآلاف فلماذا لم ينشر الإعلام الغربي صور ضحايا هذا القصف”، دون أن يسأل الكاتب نفسه إذا كان ما يقوله صحيحا فلماذا لم ينشر الإعلام الروسي صور الضحايا المزعومين هؤلاء.
وتابع أن عند الغرب إعلام يبدو مهنيا ويعرف كيف يدس السم في العسل، وبما أن أميركا هي مخترعة الإنترنت فقد أطلق عضو مجلس الشيوخ المصري على شبكة الإنترنت تسمية “مملكة الكذب” كما قال إن “وسائل التواصل الاجتماعي هي قولا واحدا سلاح أميركي يأتمر بأمر الحكومة الأميركية”، ولكن إذا كان ما يقوله صحيحا فكيف يفسر حظر منصات التواصل الاجتماعي لبعض تصريحات ترامب عندما كان رئيسا للولايات المتحدة.
واختتم حديثه بالتساؤل كيف بإمكان الشعوب البائسة مقاومة هذا الإعلام الذي يفتح دماغ الشخص البسيط ويضع فيه ما يشاء، واعتبر أن الهدف الرئيسي لهذا الإعلام كان مؤخرا شيطنة روسيا، وحاول في مقابلته تلك أن يرتدي قناع الحياد عبر القول إن الطرفين الروسي والغربي يشتركان معا بالكذب، أي أنه وضع على قدم المساواة البروباغاندا الروسية التي تديرها أجهزة المخابرات مع الإعلام الغربي المستقل والمتعدد التوجهات، ولم يكن مستغربا أن تكون النتيجة التي انتهى إليها أن من حق روسيا الدفاع عن أمنها أي بمعنى آخر غزو أوكرانيا، أما خلاصة ما قاله للمشاهدين فمن الممكن اختصاره بأن الرأي العام العالمي الذي يقف اليوم مع أوكرانيا هو قطيع من البسطاء نجحت وسائل الإعلام الغربية ومواقع التواصل الاجتماعي في خداعه بينما لم تكتب النجاة من تفكير القطيع هذا إلا للمثقفين العرب أصحاب النظر الثاقب الذين اكتشفوا كذب وخبث هذا الإعلام!.
وبما أن هذه الآراء والتحليلات تصدر عبر الإعلام العربي الرسمي فلا يمكن فصل محاولة التشكيك بالإعلام العالمي وبمواقف الدول الغربية عن الاتهامات التي يوجهها الغرب لبعض الدول العربية في موضوع المعتقلين السياسيين وحقوق الإنسان، أي أن بعض المثقفين الذين يدورون في فلك الأنظمة العربية يعتقدون أنهم بنزع المصداقية عن الغرب وإعلامه يشككون في صحة ما تقوله المنظمات الغربية عن تراجع حقوق الإنسان في بعض الدول العربية، وكأن المواطن العربي ينتظر تقارير المنظمات الدولية ليعرف وضع الحريات في بلده بينما هو واقع يعيشه ويعاني منه يوميا.
المصدر: الحرّة