لاجئة سورية بألمانيا: هربت بأطفالي فهرب أطفالي مني

لاجئة سورية بألمانيا: هربت بأطفالي فهرب أطفالي مني

لاجئة سورية بألمانيا: هربت بأطفالي فهرب أطفالي مني

لاجئة سورية بألمانيا: هربت بأطفالي فهرب أطفالي مني

لاجئة سورية بألمانيا: هربت بأطفالي فهرب أطفالي مني

لاجئة سورية بألمانيا: هربت بأطفالي فهرب أطفالي مني

لاجئة سورية بألمانيا: هربت بأطفالي فهرب أطفالي مني

شارك

لاجئة سورية بألمانيا: هربت بأطفالي فهرب أطفالي مني

لاجئة سورية بألمانيا: هربت بأطفالي فهرب أطفالي مني

 

 

جسر: رهام منصور

 

لم يخطر ببالها يوماً أن البوليس الألماني سيصدق كلام طفلتيها، لكن هذا بالضبط ما حدث، فاستطاعت الفتاتان التوأم “ب ص” و “ع ص” اللتان لم تتجاوزا الخمسة عشر عاماً، أن تتحررا من سلطة والدتهما “السيئة” على حد وصفهما، في ظرف أربع وعشرين ساعة.

لن تنس الأم(هـ.ر) يوم مغادرة طفلتيها المنزل واللجوء الى البوليس في التاسع والعشرين من شهر أيلول ٢٠١٧، فحين قررت القدوم إلى ألمانيا من أجل تأمين حياة أفضل لطفلتيها التوأم، لم يخطر ببالها أن تكون النتيجة هروب ابنتيها في ذلك اليوم بعد عامين من وصولهم، إذ شعرت الطفلتان  بنوع من الحرية التي تمنحهما حق التحرر من سلطة العائلة، والحصول على “حماية” الدولة الألمانية التي تضع حقوق الطفل في المرتبة الأولى من قوانينها.

 

قطع حبل السرة

غادرت الشقيقتان التوأم المنزل بعد أربعة أيام من احتفال والدتهما بعيد ميلادهما في التوقيت المعتاد لذهابهما للمدرسة، وبدلاً من التوجه إليها ذهبتا لمركز الشرطة وقامتا بتقديم شكوى بحق الوالدة، بدعوى أنها أم سيئة، وتقوم بضربهما ومراقبة هواتفهما المحمولة والشك بهما، دون أي تحقيق أو دليل يظهر علامة على جسدهما جراء الضرب، بحسب رواية الأم.

السلطات المحلية في المدينة التي تعيش بها العائلة قررت عدم إرسالهما للمنزل، ووضعتهما في مركز رعاية الشباب، وقاموا بإعطاء الوالدة موعد في وقت لاحق للقاء بهما، إلا أن الفتاتين أصرتا على أقوالهما، والحكومة الألمانية تصدقهما علماً أن الوالدة طالبت بأن يتم السؤال عن البنات، وأوضاعهما خلال سنتين وهن في المدرسة، إن كانتا تعانيان من الضرب، بل إنهما كانتا من المتفوقات خلال تلك السنتين.

تقول السيدة “ه ر” ”كان كلامهما سكين بقلبي عندما قالتا “أنت ما دخلك فينا نحن في حماية الحكومة الألمانية” وبنفس الوقت تحاول الأم أن تخلق لهما المبررات كونهما في عمر المراهقة، وقد تأثرتا ببعض الرفاق الذين شجعوهما على الانفصال عن الوالدة لنيل قدر أكبر من الحرية.

بعد مرور عدة أشهر على تواجدهما في المركز قرروا إعادتهما إلى الوالدة، خاصة بعد تكرارا غيابهما عنه، وملاحظة المركز أنهما تريدان فقط التصرف بحرية لا أكثر، وعادتا إلى المنزل.

وبعد مرور حوالي عام على ما جرى، تقول الأم (ه ر) ”لم أعد قادرة على ضبطهما فعند خروجهما يقفلان الهاتف ولا أستطيع التواصل معهما إلى أن تقررا العودة” وتصف العلاقة بالمتوترة وتضيف بمرارة “يمكن القول إني وصلت إلى مرحلة اليأس ويبقى الأمل في أن تكون تلك مجرد مرحلة وتمر كونهما ما تزالان مراهقتين”.

 

حوادث مشابهة في بلدان مختلفة

ما جرى مع السيدة “ه ر” والدة الطفلتين جرى ما يشابهه في السويد في فيديو ظهر على وسائل التواصل الاجتماعي حيث قامت الحكومة بانتزاع أولاد من ذويهم بالقوة، الأمر الذي يفتح الباب على سؤال  حول مآل العلاقات داخل عشرات آلاف العائلات السورية التي وصلت وأطفالها إلى أوروبا، حاملين معهم أفكار وقيم مجتمعات عربية تؤمن بالحق المطلق للأهل في تحديد مسار حياة أولادهم، وبين مجتمعات تحمل أفكاراً مغايرة تمنح الطفل الحق في اتخاذ القرار في أي مكان يريد أن يكون.

 

تجارب من نمط مغايير

أم إبراهيم من ريف درعا وصلت منذ أكثر من عامين إلى فرنسا برفقة زوجها وأطفالها الخمسة، أكبرهم في الجامعة وأصغرهم عمره ثمان سنوات، لم تلحظ أي تغير في سلوكهم منذ وصولهم، كونها قامت بتربيتهم “تريبة صحيحة في سورية” فظلت العلاقة بينهم كما كانت في السابق، بحسب تعبيرها وتأكيداً على ذلك تقول أم إبراهيم “الحمد لله أولادي الثلاثة الكبار لا يقطعون الصلاة ، وهم خجولين بطبعهم، وباعتقادي من الأسلم أن نأخذ من هذا المجتمع الذي يعتبر غريباً عنا القيم الإنسانية التي يتحلى بها، والتي تسمح لنا أن نعيش بكرامة، وأن نحافظ على عاداتنا وتقاليدنا بنفس الوقت”.

ووصف علاء حاج علي وهو أب لأربعة أطفال، ووصل إلى فرنسا منذ عام، سلوك أطفاله في بعض الأحيان بأنه مبني على نوع من الخجل حيث أن ابنه الأكبر لم يرغب بحضور عيد ميلاد صديقه في المدرسة كونه “لا يحب اجتماعاتهم”، وابنته لم تشأ الذهاب في رحلة مدرسية للمسبح، وتذرعت بإصابتها التي تعرضت لها في سورية بأنها تشكل لها عائقاً عند السباحة.

وفيما يتعلق بالتوجيهات التربوية التي تلقوها من المدرسة قال علي “تلقيت عند تسجل الأولاد في المدرسة رسالة توجيهية تطلب منا أن ينام الأطفال باكراً، وألا يستخدموا الأجهزة الإلكترونية بشكل مفرط”. وبنفس الوقت أشار علي إلى بعض التغيرات السلوكية التي طرأت على ابنه الصغير، سبع سنوات، بخلاف بقية الأخوة الأكبر سناً، فهو بحسب تعبيره “ يرد جواب ويبكي بسرعة إن تمّ الكلام معه بنبرة حادة، وكأن ثقته بنفسه تعززت بشكل أكبر عند وصوله لفرنسا”.

 

 اللغة العربية طوق النجاة

أما الطبيب فراس كزكز فقد قدم إلى فرنسا منذ أكثر من سبعة أعوام برفقة عائلته وكان لديه طفلين أربع وست سنوات، فقد أوضح أن تخصيص جزء كاف من الوقت للأطفال كفيل لضمان عدم تمرد الأطفال على العائلة في ظل الحرية الممنوحة للطفل في أوروبا، ونظراً لوجود عائلته في وسط ثقافي مغاير تماماً لما اعتادوا عليه في سورية، فإنه يرى أن ذلك يحتم عليه أن يقدم لأطفاله في البيت كل شيء كان من الممكن أن يتعلموه في سورية سواء داخل المنزل أو خارجه. وتعزيزا ً لذلك قام كزكز بتسجيل أطفاله في مدرسة عربية، يذهبون إليها مرة واحدة في الأسبوع، إضافة إلى أن الوالدين لا يتكلمان إلا اللغة العربية في المنزل، كما يقوم بشرح الدروس باللغة العربية بعد ترجمة المفردات، مع التركيز على مشاهدة الأطفال للتلفاز باللغة الأم أيضاً.

 

التأقلم ممكن بالموازنة

اعتبرت الأخصائية النفسية نور أحمد في حديثها لـ جسر أن “محاولة التكيف مع بيئة جديدة مختلفة في اللغة والقوانين والعادات وحتى الظروف المناخية من السهل الممتنع، ولكن في ظل وجود هدف محدد من الهجرة والرغبة والدافع الداخلي في التكيف والتأقلم مع البيئة الجديدة والاندماج فيها لاحقاً، ستتمكن الأسرة السورية من التكيف وربما الإبداع والتطور، خاصة في حال توفر الاستقرار المادي والشعور بالأمان واحترام الإنسان وكرامته على اختلاف انتماءاته الاجتماعية والدينية”.

وبناء عليه أوضحت أحمد أنه “بقليل من الموازنة بين السلبيات والإجابيات المتوافرة في البيئة الجديدة لن يكون من الصعب التكيف والاندماج، وبالطبع سيستغرق الموضوع بعض الوقت والمحاولات المتكررة لكن فرصة النجاح ممكنة إلى حد بعيد”, للمراهقة مخاطرها ونوهت أحمد إلى خطورة سن المراهقة بشكل عام، والذي لا يمكن تجاهله, خاصة إن جاء الأطفال لأوروبا وهم مراهقون.

وترى الأخصائية أحمد بأن هذا ما حصل مع السيدة (ه ر)، وأضافت ”من المعروف أن لعمر المراهقة سمات معينة يسعى المراهق للاستقلال عن سلطة والديه والتمرد، فتصبح دائرة الأصدقاء والمحيط الخارجي أقوى تأثيراً كونها تشعره أنه ناضج وراشد، فيجب على الوالدين استيعاب حرج هذه المرحلة العمرية، وحاجة المراهق للشعور بالاستقلال، ومحاولة التقرب منه بالحب والتفاهم والنقاش، إضافة إلى إشعاره بأهميته في الأسرةـ وتوكيل المهام إليه التي تعزز ثقته بنفسه مع التشديد على معرفة الشبكة الاجتماعية المحيطة به والتعرف عليها من خلال دعوات الطعام أو الاحتفالات والنشاطات الخارجية”.

وتلفت أحمد لضرورة المحافظة على الصلة بالوطن الأم وشددت أحمد على ضرورة وعي الأهل بأن الأساليب التقليدية في التربية التي اعتادوا عليها في السابق على مبدأ (هذا ما ربانا عليه أهلنا) لم تعد مجدية، فالأبناء في أوروبا من الممكن جداً في ظل ما يجدون من دعم في المدرسة أن ينقلبوا على الأسرة في لحظات، لذا عليهم تطوير معارفهم وخبراتهم التربوية، وهو أمر متاح في الكتب والدورات التدريبية التي يمكن أن تقام عن بعد، والتأكيد على الحب غير المشروط في علاقاتهم مع أبنائهم والاستماع الفعال والاهتمام بمشاعرهم.

 

أهميه وجود حاضنة اجتماعية

أما عن مستقبل آلاف العائلات السورية وقدرتها على المحافظة على صلة بالوطن الأم ركزت أحمد على ضرورة التكلم باللغة العربية في المنزل، والحرص على وجود الشبكة الاجتماعية المحيطة بالأسرة التي تقاسمها اللغة الأم، وممارسة الطقوس العامة في الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية والدينية.

ونبهت الأهل للحرص  على إظهار الصورة الجميلة لبلدهم الأم في أحاديثهم اليومية بعيداً عن مشاعر الكره أو الاستهزاء، إضافة إلى الحرص على التواصل الدائم مع أقاربهم وأصدقائهم وخاصة ممن بقي داخل سورية.

 

مزيج مشترك من الثقافتين

كل هذا العوامل- بحسب أحمد- تساهم في الحفاظ على صلات الطفل ببلده الأم، إذ أنه من الممكن بوجود المنظومتين أن يحمل تأثيراً سلبياً فيما لو تمّ التركيز على نقاط الاختلاف والتضاد بينهما، فيبدو الموضوع كأنما الأسرة في حرب للحفاظ على منظومتها الأصلية من الدخيل المدمر الذي لم يقبلوه أصلاً.

كذلك يمكن أن يحمل التأثير الإيجابي فيما لو حرصت الأسرة على الجمع بينهما بالاستفادة من إيجابيات وميزات المنظومة الجديدة مع الحفاظ على الهوية الثقافية النفسية الأصلية بإيجاد توليفة تسمح باستثمار المنظومتين دون نبذ إحداها أو الشعور بخطرها.

شارك