قصّة انشقاق ||خاص “جسر” .
مازلتُ أمارس هواية الحلم..
لم ولن أفقد الأمل، لديّ قناعة أن كل شيء سيتغير نحو الأفضل..
سوريا وطني.. ووطني لا يموت..
كانت هذه من أكثر الكلمات التي يرددها “ف.غ” … أحد الشباب السوري الثائر .. من مواليد جبلة الساحلية 2/1/1989 (حاصل على الشهادة الثانوية)
كان “ف.غ” يعيش مع أهله في بيت صغير، مطل على البحر في تلك المدينة الساحلية الجميلة, وكان يحلم منذ صغره بأن يكون ضابطاً في الجيش العربي السوري..
– في بداية الشهر الخامس من سنة 2010 التحق”ف” بالجيش النظامي برتبة رقيب مجند، وكانت خدمته بمدينة حمص .. بكلية هندسة الميدان “اختصاص هندسة” فكّ وزرع الألغام، على الحدود مع العدو (( كما المنطق يقول )) وبعد ستة شهور من خدمته في كلية الهندسة بمدينة حمص تم نقله وفرزه إلى ريف مدينة درعا، وبالتحديد إلى إحدى القرى الصغيرة من الريف الغربي، واسمها “عدوان” في الفرقة الخامسة /اللواء 132ِِِِِ/ سرية الهندسة / واستلم فيها مفرزة تابعة للواء توجد فيها مستودعات اللواء من متفجرات وألغام لكل اللواء .. وبقي هناك حتى الشهر الثالث من سنة 2011 .. أي حتى بدايات الثورة ..
يخبرني “ف” أنه أحس بتوتر كبير لم يعلم سببه بداية، وذلك قبل تاريخ 1832011
يقول “ف”: إنّ التوتر كان يسود صفوفهم بشكل واضح، وذلك بسبب تلقيهم برقياتٍ بشكلٍ مستمرّ تفيدُ بأن هناك مندسين وعصابات مسلحة في درعا البلد غايتها قتل المدنيين وتخريب البلاد .. بدأت المظاهرات تخرج في كافة أنحاء الأراضي في حوران الجنوبية، وكانت المعلومات التي تصل إلى عناصر الجيش السوري أنهم عبارة عن مجموعة مندسين يتم دفع مبالغ من المال لهم من أجل الخروج بهكذا تظاهرات بهدف إضعاف البلد، وتدميرها وتخريبها, إلى أن جاء يوم الاقتحام الأول لمدينة “درعا” وأخصّ بالذكر درعا البلد بتاريخ 2442011 .. وسبب الاقتحام طبعاً كما تم إعلامنا كان “وجود عدد كبير من المسلحين والمخربين فيها .. وعندما حان وقت الاقتحام طلب “ف” من العقيد المسؤول عنه مشاركته في هذه المعركة، وذلك إيماناً منه بوجود هؤلاء المسلحين، وأن ما يحصل مؤامرة خارجية تهدف إلى زعزعة أمن البلد ..
الجدير بالذكر – كما أخبرني “ف”- هو وجود مسلحين “بالفعل” كانوا يطلقون الرصاص عليهم، واشتبكوا معهم.. بعد أسبوع من المعارك الطاحنة، وفي نهاية الاقتحام.. كان هناك قتلى من الطرفين .. من طرف المدنيين وطرف المسلحين، وتمّ اقتحام درعا البلد ..
أحس “ف” بضيق كبير في تلك الفترة وكان يحاول الوصول الى حقيقة مطلقة لما يحصل حوله .. ويقوم باتصالات هاتفية إلى أهله في مدينة جبلة فلا يتحدثون إليه بشيءٍ أكثر من جملة ” دير بالك عحالك”
بعد حوالي أسبوع من الاقتحام طلب “ف” إجازة خاصة لزيارة أهله في جبلة الساحلية، وتمت الموافقة عليها, وهنا كانت الصدمة الكبيرة له, فلقد تفاجأ بدايةً بعدد الحواجز المنتشرة حتى وصوله إلى بيته.. والصدمة الأكبر كانت حين وصوله إلى منزله، حيث وجد 12 شخصاً من أهله، وأقاربه خلف قضبان السّجون الأسدية! والتهم الموجهة إليهم كانت “مخرّبين .. الخروج في مظاهرات في جبلة وبانياس، تضامناً مع مدينة درعا الجنوبية، ودعم المدنيين بالحليب بأغذية الأطفال” !!!
حينها ضاقت الدنيا في عينيّ ذلك الشاب الجبلاوي الثائر، وقرر بعد معرفة الحقيقة عدم العودة الى درعا والهروب, لكن لم يكن هناك ما يسمى بالانشقاق من صفوف النظام..
أصر “ف” على فكرة الهروب من صفوف النظام.. لكنه عاد مؤقتاً إلى خدمته في درعا، وطلب إرجاعه إلى المفرزة في “عدوان” والتي كان يخدم بها، ومنذ ذلك الوقت .. كان قد مر على تاريخ الثورة المباركة حوالي الشهر ونصف الشهر بدأ بعدها “ف” بالدخول إلى غرف السكايب الثورية، وبدأ بالتواصل مع شبكات الأخبار على السكايب، كما قام بإعطائهم معلومات عن الجيش والعمليات العسكرية .. عن أي عملية اقتحام وعن أسماء أشخاص، وعساكرَ، وضباط مشاركين في عمليات القتل.. وبعد توغل “ف” في الشبكات الإخبارية، وغرف السكايب، تعرف على شخصٍ أحس منه حُبَّ الوطن والثورة .. وبعد تواصلهما المستمر اتفق “ف” على الالتقاء به وإعطائه مقاطع “فيديوهات وصور” عن عمليات الجيش وما شابه, وعندما ذهب “ف” طبعاً برفقة عناصر تقوم بحراسته من بعيد خوفاً من أي كمين أو ما شابه, تفاجأ “ف” أن من كان على تواصل معه طول الفترة الماضية على غرف السكايب، ومن كان يمده بالأخبار، والأسرار العسكرية هي إحدى زهرات مدينة درعا وأكثرهم رجولة – على حدّ تعبيره – …
ومن بعدها قامت تلك الصبية الثائرة بتعريف “ف” على الشخص الذي كانت تعمل معه تحت ما يمسى “تنسيقيات صغيرة” لمدينة درعا, وبعد تعارف “ف” على ذلك الشخص “وهو أحد أهم الناشطين، والثائرين، والملاحقين أمنياً بمدينة درعا” طلب منه مساعدته على الانشقاق.. فكان له ذلك، وعرّفه على أحد الأشخاص في الجيش السوري الحر.. وكان يذهب “ف” إلى درعا البلد للقائه والحديث، ويعود في نهاية يومه إلى خدمته في صفوف الجيش السوري النظامي، وكان على تواصل، وتنسيق مستمرّ، وتخطيط دائم معه, وانشق بعدها “ف” بتاريخ 4112012
كان عدد الجيش الحر في مدينة درعا حينها يقارب الـ100 أو 150 شاباً من شباب مدينة درعا .. كان سلاحهم بسيطاً جداً يتمّ شراؤه من السّوق السوداء ..
نهاية, يقدم “ف” رسالة إلى كل من يخدم في صفوف النظام، ويطلب منه عدم الانشقاق، وبقائه عبداً يخدم في صفوف جيش الأسد حتى آخر لحظة! وذلك لأن الجيش السوري الحرّ لن يكلفه عناء وتعب الانشقاق بعد أكثر من سنتين من الموت، والدمار، فهم على حدّ قول الشاب الجبلي الثائر “جايينهم”…
يقدم “ف” الرحمة لكل شهداء الثورة السورية والدعوة بالشفاء لكل جرحاها .. عودة كل مهجّر، وحرية كل معتقل..