لكن جبهة النصرة ليست طالبان

لكن جبهة النصرة ليست طالبان

لكن جبهة النصرة ليست طالبان

لكن جبهة النصرة ليست طالبان

لكن جبهة النصرة ليست طالبان

لكن جبهة النصرة ليست طالبان

لكن جبهة النصرة ليست طالبان

شارك

لكن جبهة النصرة ليست طالبان

لكن جبهة النصرة ليست طالبان

جسر – صحافة

أعلن مكتب الرئاسة التركية عن انعقاد قمة بوتين-أردوغان في سوتشي في التاسع والعشرين من هذا الشهر، والخبر كان مرتقباً لما هو منتظر من القمة على خلفية تصريحات الجانبين السابقة عليها. الجانب الروسي، مع تصعيد غاراته الجوية على مناطق النفوذ التركية في إدلب وريف حلب، كان قد أشار إلى عدم وفاء أنقرة بالتزاماتها المنصوص عليها في التفاهمات السابقة بين الجانبين، وقابل وزير الدفاع التركي تصريحات لافروف بالقول أن موسكو لم تفِ بالتزامها بالتهدئة بموجب التفاهمات ذاتها.

بالتزامن مع إعلان مكتب الرئاسة التركية، أكدت موسكو بدء التحضيرات لانعقاد القمة، من دون ذكر موعدها، وهذا واحد من أساليب “الدبلوماسية” الروسية في إظهار عدم الحماس، والتلميح تالياً إلى صعوبة ما سيلاقيه أردوغان من نظيره. لكن تبقى الألاعيب الدبلوماسية أهون الشرور، إذ يُخشى “كما حدث مراراً” أن تتولى الطائرات الروسية إيصال الرسائل قبيل القمة بأجساد السوريين في إدلب أو سواها، والخشية تبقى قائمة حتى تنفض القمة وتبدأ نتائجها الفعلية بالظهور.

كما هو معلوم ستكون إدلب في صلب المحادثات، ولموسكو مطلبان سبق لأنقرة أن إلتزمت بتنفيذهما. الأول هو فتح طريق إم4، والثاني هو التزام أنقرة القديم المتعلق بفصل التنظيمات الإرهابية عن الفصائل المسلحة المعتدلة. الثاني منهما ركزت عليه موسكو مؤخراً، وهي تتسلح بوجود جبهة النصرة على قائمة الإرهاب الدولية بموجب قرار لمجلس الأمن، وبأن الجانب التركي مع الفصائل التابعة له لم يواجه النصرة، بل إن الأخيرة بعد سريان تفاهمات سوتشي الأولى ومسار أستانة عززت من سيطرتها على إدلب وطردت فصائل أصغر كان لها بعض الحضور.

تغيير اسم جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام، وقبلها بشهور قليلة إلى “جبهة فتح الشام”، لم يساعد النصرة على التملص من لائحة الإرهاب فبقيت الجبهة بأسمائها المختلفة على اللائحة. أيضاً إعلانها قطع العلاقة مع تنظيم القاعدة، ومحاربة تنظيم حراس الدين المرتبط بالقاعدة، لم يشفعا لها على الصعيد نفسه، وكل الافتراضات المتعلقة بإعادة تأهيلها لتكون شريكاً مقبولاً بقيت بلا سند حتى الآن، وبقي معها النظر إلى إدلب كرهينة لدى النصرة تتوعد موسكو بالانقضاض عليها، ولا يفضّل الغرب هذا الخيار فقط لما قد يخلّفه من تدفق جديد للاجئين في اتجاه أوروبا.

ربما لاحت بوادر مطمئنة للنصرة في السنة الأخيرة من حكم ترامب، وحينها أبدت واشنطن معارضة واضحة لأي هجوم روسي على إدلب يخلخل بشكل مؤثر ترسيمة النفوذ الموجودة، وكان للعلاقة الشخصية الجيدة بين ترامب وأردوغان أثر إيجابي ملموس في تظهير الموقف الأمريكي والحفاظ على الهدنة الهشة. حالياً يذهب بوتين إلى القمة المقبلة وهو مستند إلى موقف أمريكي بارد تجاه أنقرة، وإلى موقف أمريكي أكثر سلبية تجاه النصرة. قد نضيف إلى ما سبق عدم وفاء بايدن بتعهداته بعلاقة أفضل مع الحلفاء الأوروبيين، هناك ملفان طازجان هما الانسحاب من أفغانستان وصفقة الغواصات الأسترالية، وفي كليهما عدم اكتراث بالتنسيق مع الشركاء الأوروبيين، وفي الأول منهما خاصةً قلة حساسية إزاء التخوفات الأوروبية من تدفق اللاجئين الأفغان بعد هيمنة طالبان.

على نحو مباشر، يدخل بوتين القمة متسلحاً بالصمت الأمريكي خلال ما يزيد عن شهرين ونصف من حصار درعا البلد وقصفها، فواشنطن صمتت عما يحدث إلى الجوار الملاصق لحليفها الأقرب “إسرائيل”. حاجته إلى التحالف مع أنقرة وإرضائها من أجل مواجهة الوجود الأمريكي الداعم للإدارة الذاتية الكردية باتت أقل من قبل، فالانسحاب من أفغانستان تكفل بالضغط على مسد وتقريبها من موسكو مع التخوف من تخلٍّ أمريكي مقبل. وأفضل صفقة لتركيا قد يطرحها بوتين على أردوغان ستكون على حساب قسد، إذا تضمنت سيطرة موسكو على شريط جديد من إدلب مقابل تمدد أنقرة إلى تل رفعت التي تسيطر عليها قسد.

على صعيد متصل، سيسعى بوتين من خلال القمة إلى تكريس دوره كوصي أساسي على الشأن السوري بالتشارك مع واشنطن كقوتين عظميين، في حين يترتب على أنقرة الالتزام بالواقع القديم المتجدد، الواقع الذي كان يطل في عهد أوباما مع لقاءات لافروف-كيري المتكررة وضحكاتها أمام الصحفيين التي تفصح عن مدى التنسيق بينهما أفضل من أي كلام. بهذا المعنى لن يكتفي بوتين بالضغط من أجل الحصول على تنازلات حالية، بل سيحاول التأسيس لوضع جديد يبتز بموجبه تنازلات لاحقة عندما يحين موعدها.

لن تنفجر عقدة إدلب أو تُحل في القمة الحالية، التجاذب سيكون فقط حول قضم جزء منها، ووفق سياسة قضم متدرجة لا تخلف دفعة واحدة الكارثة الإنسانية المرتقبة. الذريعة موجودة، ولا مؤشرات على نزعها. إنها جبهة النصرة التي لن يفيدها الخروج من جلدها مرة أخرى، ولن تكون مثل طالبان التي رأى جزء من “المجتمع الدولي” أنها تغيرت، بينما نادى البعض الآخر بانتظار الأفعال لا الأقوال. لا تتسع سوريا لنموذج على مثال طالبان التي تابت عن علاقتها بالقاعدة، ومنذ وضعت النصرة على اللائحة الدولية للإرهاب رُسم مصيرها.

لكن ما الذي تفعله النصرة وهي مهددة بالهجوم على معقلها وبفقدانها قسماً من الأراضي التي تسيطر عليها؟ ما الذي تفعله بينما يخشى المعنيون بالشأن السوري ومتابعوه أيضاً من كارثة إنسانية سيتسبب بها الهجوم إذا حدث؟ الواقع أن التهديدات والأخطار لا تهز رسوخ النصرة، ولا تثني “دولتها وحكومتها” عن المضي فيما هو معتاد من شؤون الحكم. بل لا مغالاة في القول أن النصرة قوية وصلبة إزاء مختلف الشدائد، ففي ظل التهديدات الحالية، ومع شبح تفشي كورونا على نحو كارثي، تجد وزارة “الأوقاف والدعوة والإرشاد” في حكومة الإنقاذ التابعة لها متسعاً من الوقت والجهد والإمكانيات لإطلاق حملة “حراس الفضيلة”. و”حراس الفضيلة” هي التسمية الإسلامية المشتركة لحملات متشابهة من الحوثيين في اليمن مروراً بغزة وصولاً إلى إدلب، والمقصود بها حراسة النساء وفرض النمط الإسلامي عليهن وفق تصور كل من التنظيمات المسيطرة.

حراس الفضيلة هؤلاء، في هذا الوضع الكارثي، أولويتهم هي تعليق لوحات ضخمة، كما تفعل مثلاً مديرية أوقاف سلقين، تتوجه إحداها إلى الرجل بالقول: أخي الغالي.. عرضك أمانة فإتقِ الله فيهم.. فلباس المرأة يحكي تربية أبيها، غيرة أخيها، رجولة زوجها. للإنصاف لا تتوجه كافة اللوحات إلى الرجال، فهناك لوحة فيها رسم لثلاث إناث من مختلف الأعمار لا يظهر من ملامحهن أي شيء مع تعليق: أختاه أنت صانعة الأبطال ومربية الأجيال.. فإتقي الله فأنت على ثغر عظيم.. قيل لنابليون: أي حصون الشرق الإسلامي كان الأمنع على فرنسا؟؟ قال: “الأمهات الصالحات”. من يدري! لعل اللوحة مكتوبة بقصد الإنذار، ولعل بوتين يتعظ من مصير نابليون.

المصدر: موقع المدن

شارك