جسر: رأي:
أرسل لي أحد الأصدقاء وهو معارض من شركائنا العرب السوريين بيانا إلى الرأي العام، 7 حزيران/يونيو 2020، من “شخصيات وتشكيلات سورية في المنطقة الشرقية بخصوص تفاهمات الأحزاب الكردية على مستقبل الجزيرة السورية”، وخلال يوم واحد وقع عليه أكثر من 400 شخصية بينهم أصدقاء ومعارف ومنهم من تبوّأ مسؤوليات في كيانات المعارضة إلى جانب أفراد لديهم نزعات شوفينية-عنصرية تجاه الكرد وجودا وحقوقا وبعد الاطلاع أحجمت عن التوقيع للأسباب التالية:
أولا: لم أوقع ليس لأنني أعترض على مضمون البيان ففيه الكثير من الحقائق التي كنا نحن الوطنيون الكرد السوريون المستقلون قد طرحناها على الرأي العام منذ أعوام، وتحديدا عشية اندلاع الانتفاضة السورية، ومازلنا نناقشها عبر وسائل الإعلام، وكان معظم الموقعين على البيان يتجاهلون طروحاتنا ونداءاتنا؛ بل تواطؤوا مع بعض من يستهدفونهم بالبيان واعتبروهم “ممثلين وحيدين وشرعيين لكرد سوريا” على حساب المناضلين الكرد المعارضين الأشداء وتنسيقيات الشباب الكرد وناشطيهم في منظمات المجتمع المدني.
ثانيا: لم أوقع على البيان ﻻ لأنني ضد كل بنوده؛ بل لأنه لا يختلف من حيث الجوهر بنزعته المناطقية-المحلية عن الطرف الآخر المستهدف وأقصد “الأحزاب الكردية” التي لم تخرج من قوقعة “شمال شرق سوريا”، وكلا التوجهين يفتقران إلى الرؤية الوطنية الشاملة بالرغم من أن الأمور لم تتوضح بعد ولم تتوصل الأحزاب إلى اتفاقية معلنة، وكأن البيان جاء استباقيا متسرعا.
ثالثا: لم أوقع على البيان ﻻ لأنني متفق مع نهج الأحزاب الكردية المنضوية في أطر ب ك ك والمجلس الكردي؛ بل لأن البيان لم يأتي بجديد بخصوص الكرد السوريين وقضيتهم وحقوقهم، ولم يتضمن أي بديل سياسي لحل القضية الكردية في إطار الحل الديمقراطي العام في البلاد إلى درجة أن بعض فقرات البيان يثير الريبة خاصة وأنه تزامن مع نشر دراسة ميدانية قام بها “التجمع الوطني للشباب العربي في محافظة الحسكة” بنفس تاريخ صدور البيان لا تستند إلى أى معايير علمية واقعية، وتسيء إلى الكرد وتزعم أنهم فئة صغيرة لا تتعدى ربع سكان الجزيرة السورية، وأغلب الظن أن بعض الموقعين على البيان لهم صلة بتلك الدراسة المزورة للتاريخ والواقع.
ثالثا: لم أوقع على البيان لأنني لمست جهل أصحابه أو تجاهلهم لواقع وتطورات الحركة الوطنية الكردية السورية بشأن اصطفافات الراهنة التي تشير الى أن الغالبية من الوطنيين الكرد السوريين ليسوا مع ممارسات الأحزاب وسياساتهم، ويبحثون عن حلول لأزمة حركتهم عبر عقد المؤتمر الكردي الجامع بغالبية مستقلة، وإقرار المشروع الكردي بشقيه القومي والوطني، واستعادة الشرعية وتحقيق المصالحة، وانتخاب من يمثل الحركة الكردية لدى شركائنا في الحركة الديمقراطية السورية؛ من أجل تفعيل مبادئ الثورة وإسقاط الاستبداد وإجراء التغيير الديمقراطي وصولا الى سوريا تعددية جديدة، ولانعلم بعد أين يقف الموقعون على البيان بخصوص هذه القضايا.
رابعا: لم أوقع على البيان لأنه يكيل بمكيالين؛ من جهة يتجاهل كل التفاهمات المنفردة التي تقوم بها فصائل مسلحة وكيانات وحتى أفراد باسم المعارضة منذ بداية الثورة وحتى الآن، والصفقات في مناطق خفض التصعيد، وتسيير الباصات الخضر، ونقل السكان، والاستيلاء على أراضي الغير بالقوة (عفرين مثالا)، والاستفراد بالمشاركة في (جنيف، وسوتشي، وأستانا، وحميميم)، وما يجري في كل المناطق السورية التي أصبحت (حارة كل من إيدو ألو)، ويرى فقط (تفاهمات الأحزاب الكردية) مع أطراف خارجية (طبعا لنا تحفظات ومآخذ عليها بل نرفض المقدمات والنتائج المتوقعة) وذلك من منطلق مختلف ومن دون تبيان العلاج اللازم.
خامسا: كنت سأوقع على البيان لو تناول الوضع السوري العام، ومن ضمنه الحالة الكردية الخاصة، باتجاه العمل من أجل إعادة بناء الحركة الوطنية السورية، وإجراء المراجعة العامة منذ انطلاقة الثورة المغدورة وحتى الآن، وصياغة المشروع الوطني الذي يؤسس لسوريا تشاركية تعددية جديدة، ويعترف بوجود المكونات القومية وحقوقها، ولو ركز على المشتركات بين السوريين بكل أطيافهم وماأكثرها.
سادسا: كنت سأوقع على البيان لو تضمن رؤية وطنية شاملة وليست مجزأة، فنحن الوطنيون المستقلون الكرد ضد أي تصرف انفرادي فئوي مناطقي (بما في ذلك تصرفات الأحزاب الكردية)، ونؤمن بأن حل القضية الكردية لن يتم إلا بتوافق الكرد والعرب وسائر السوريين في ظل نظام ديمقراطي على أنقاض الاستبداد، وفي إطار المصالحة والعيش المشترك، والكرد السوريون يمرون بنفس تجربة السوريين عموما: سقوط الأحزاب والكيانات وإفلاسها والحاجة إلى مراجعات وإعادة البناء، والكرد والعرب والمكونات الأخرى بأمس الحاجة إلى الحوار لتجسير الهوة والاجتماع حول المشتركات، وهو السبيل لإعادة بناء وطننا المشترك الحر السيد.