ماذا بعد فضيحة “منظمة الصحة العالمية” في دمشق؟

ماذا بعد فضيحة “منظمة الصحة العالمية” في دمشق؟

ماذا بعد فضيحة “منظمة الصحة العالمية” في دمشق؟

ماذا بعد فضيحة “منظمة الصحة العالمية” في دمشق؟

ماذا بعد فضيحة “منظمة الصحة العالمية” في دمشق؟

ماذا بعد فضيحة “منظمة الصحة العالمية” في دمشق؟

ماذا بعد فضيحة “منظمة الصحة العالمية” في دمشق؟

شارك

ماذا بعد فضيحة “منظمة الصحة العالمية” في دمشق؟

ماذا بعد فضيحة “منظمة الصحة العالمية” في دمشق؟

إياد الجعفري

من المبكر التفاؤل بحصيلة واحدة من أكبر التحقيقات الداخلية التي تجريها منظمة الصحة العالمية بخصوص فساد مسؤولي مكتبها بدمشق. خاصةً بعد أن أبدت المنظمة تحفظات في الكشف عن الحصيلة الأولية لتلك التحقيقات، ووصفتها بأنها عملية “طويلة ومعقّدة”. لكن الكشف عن وجود تلك التحقيقات، والتسريب الذي مررته وكالة “أسوشييتد برس”، قبل أيام، والمُستند إلى أكثر من 100 وثيقة سرّية، حول فساد ورشى وعلاقات مشبوهة بين مسؤولي المنظمة الدولية بدمشق، وبين مسؤولي النظام السوري، وحليفه الروسي، قد يكون ركيزة قوية للمخاض الدبلوماسي الشاق المرتقب بخصوص تمديد آلية تمرير المساعدات الدولية عبر الحدود، والذي سينتهي تفويضه مطلع العام القادم. كما أنه قد يكون أساساً قوياً للبناء عليه، في حملة مضادة لمساعي النظام التي تراهن على استدراج المزيد من أموال المانحين الدوليين، عبر آلية “التعافي المبكّر”.

فالنظام الذي يعاني من شح موارده الاقتصادية، وجد ضالته خلال السنوات الأخيرة، في أموال المساعدات الدولية، التي من المُفترض أن تنقذ أكثر من 12 مليون سوريّ يعيشون أوضاعاً بالغة الصعوبة. ونحن هنا نتحدث عن مورد ضخم يغذّي اقتصاد النظام. فميزانية مكتب الصحة العالمية في سوريا، العام الماضي، بلغت نحو 115 مليون دولار. وتساهم الحكومات الغربية المانحة بنحو 2.5 مليار دولار سنوياً. فيما تعهدت النسخة الأخيرة من مؤتمر بروكسل للمانحين الدوليين، قبل أشهر، بأكثر من 6 مليارات دولار، لدعم “مستقبل سوريا”، خلال العام الجاري، وما بعده. فيما ميزانية “الدولة السورية” في آخر نسخة، كانت نحو 5 مليارات دولار.

وهو ما يجعلنا نفهم ذاك الإلحاح وتلك المنهجية التي عمل بموجبها النظام كي يسيطر على عمل المنظمات الدولية في سوريا. وقد كشفت مراكز بحثية دولية، إلى جانب تحقيقات لنشطاء سوريين، جوانب من آليات السيطرة التي يستخدمها النظام للتحكم بتلك المنظمات، والتي يشكل الفساد إحدى أبرز ركائزها.

ففي شباط/فبراير الفائت، صدر تقرير عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) –مقره واشنطن-، في نحو 70 صفحة، واستند إلى مقابلات مع أكثر من 130 مسؤولاً في الأمم المتحدة، وعمال إغاثة، ومفاوضين، ودبلوماسيين، ومحللين يعملون على استجابة المساعدات. وقبله، في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، نشرت الرابطة السورية لكرامة المواطن –منظمة مدنية معارضة-، تحقيقاً استند إلى شهادة خمسة وأربعين موظفاً من منظمات الإغاثة المحلية والدولية العاملة في مناطق سيطرة النظام.

يجيب المصدران أعلاه على سؤال: كيف يسيطر نظام الأسد على المساعدات الدولية إلى سوريا؟، وكيف يستفيد منها؟ وتتقاطع الإجابات مع تلك التي كشفتها فضيحة مكتب منظمة الصحة العالمية بدمشق، قبل أيام.

إذ يعمل النظام على تعيين أقارب كبار مسؤوليه داخل هيئات الأمم المتحدة ومكاتبها في سوريا. ويمارس هؤلاء دوراً في مراقبة زملائهم وتهديد أمنهم في حال لم يخضعوا لسيطرة النظام. وهو ما أكدته المصادر الحقوقية، إذ استخدم النظام بالفعل، التهديدات والاعتقال التعسفي -في بعض الحالات- لموظفي الإغاثة السوريين.

ويحوّل النظام نحو ربع المساعدات الدولية إلى قوات الجيش وميليشياته الموالية. ناهيك عن تحديد الفئات المستفيدة من باقي المساعدات على أسس سياسية – مناطقية (مؤيدين)، وطائفية.

ويستفيد متنفذون في النظام من مشاريع وتعاقدات مع الجهات الدولية. من ذلك مثلاً، استفادة ماهر الأسد، شقيق رأس النظام، من عقود مشتريات أممية لنزع المعادن في المناطق التي استولى عليها النظام من المعارضة، وإعادة تدويرها للبيع في شركة حديد للصناعات المعدنية المملوكة لرجل الأعمال المقرّب منه، محمد حمشو. إلى جانب المشاريع الوهمية التي تحصل على تمويل دولي.

وتتعرض المساعدات الدولية التي تمر إلى مناطق المعارضة، انطلاقاً من مناطق النظام، إلى سرقات كبيرة. ووفق أرقام تعود إلى تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، فقد وصلت 43500 حصة غذائية فقط إلى شمال غرب سوريا في قوافل عبر الخطوط، مقارنة بـ 1.3 مليون تم تسليمها من تركيا.

وللحصول على المزيد من التمويل الدولي، أسست شخصيات قريبة من النظام، عدداً كبيراً من المنظمات الإغاثية المحلية، يستخدمها النظام كواجهة لبناء شراكات مع المنظمات الدولية. أما المنظمات المحلية التي لا تتبع للنظام مباشرة، فهي تخضع لضغوط، كي تقبل بتدخل النظام الكبير في عملها.

وللاستدلال على مدى رهان النظام على أموال المانحين الدوليين لدعم اقتصاده، يمكن الإشارة إلى الحملة الدبلوماسية التي شنها في أيلول/سبتمبر الفائت. إذ وخلال 10 أيام من ذلك الشهر، عقد مسؤولو النظام، بدءاً من بشار الأسد شخصياً، مروراً بوزير خارجيته ونائبه، لقاءات تستهدف حثّ القوى المعنية على إطلاق مسار “التعافي المبكر”، الذي نصّ عليه القرار الدولي “2642” الصادر في تموز/يوليو الفائت.

وأمام المعطيات السابقة، يُطرح التساؤل التالي: كيف يمكن للمنظمات الدولية أن توازن بين إغاثة ملايين السوريين، وبين واقع أن النظام يتخذ هؤلاء أشبه برهينة، بحيث لا يمكن الوصول إليهم، إلا بإذنه، ووفق المعادلات التي تُرضيه؟ هو من أكثر الأسئلة العصيبة، إذ قد يجيبك مسؤولون في المنظمات الدولية إنهم يقبلون بمستويات ما من الفساد والمحسوبية لصالح النظام، بغية ضمان استمرار عملهم، الذي يشكّل شريان حياة لشريحة كبيرة من السوريين. لذلك يبدو موقف النظام أقوى. لكن تبقى المعطيات المكشوفة أعلاه، وسيلة يمكن البناء عليها للضغط نحو المزيد من التنازلات من موسكو ودمشق، في الأسابيع القليلة المقبلة، خاصة في ملف استمرار تمرير المساعدات عبر الحدود، وفي اشتراط أن تكون مشاريع “التعافي المبكّر”، مرتبطة بنفاذ أكبر، وبحرية، لموظفي المنظمات الدولية الأجانب إلى المناطق التي يستهدفونها في الداخل السوري. بالتوازي مع العمل على تقليص مستوى الفساد بين مسؤولي وموظفي تلك المنظمات.

المصدر: المدن

شارك