جسر: رأيكم:

يقتحم خبر مقتل قاسم سليماني قائد ميليشيا “لواء القدس” التابعة لـ”الحرس الثوري” اﻹيراني، غرف الساسة والأخبار، ويحّول مجرى الاهتمام الدولي من حراك شعوب إيران والعراق ولبنان إلى التخوف من اندلاع حرب عالمية الثالثة.

لسنوات أتقنت إيران صناعة ردة فعل العدو التي سخّرها سليماني لخدمة المشروع الإيراني في المنطقة، بل كانت سلاحه الأول في كل محطاته الإجرامية ضد الشعوب الثائرة، كيف لا وقد تمتع سليماني بالسلطة المطلقة في دول المحور، وتمكن من تقديم الدعم والاستشارة للأنظمة المنهكة التي عجزت عن قمع مواطنيها الغاضبين.

نظرية المؤامرة لمواجهة الشعوب الثائرة

زار سليماني سوريا مبكرا عقب اندلاع إحتجاجات آذار عام 2011، وأجتمع مع رأس النظام وقادة الأفرع الأمنية، وقدّم الدعم العسكري لتنسيق عمل الشبيحة من أجل قمع الاحتجاجات، أثمرت خطة سليماني في ذكرى هزيمة حزيران 1967، حين كان مئات السوريين في صباح الخامس من حزيران 2011 يتظاهرون على حدود الجولان المحتل، وبحضور الإعلام المقاوم والأمن قتلت إسرائيل 23 متظاهرا عبروا الحدود بحسب ما ذكرته وكالة أنباء النظام (سانا).

 تزامن الحدث مع ترويج إعلام النظام لوقوف إسرائيل خلف الاحتجاجات الشعبية الداخلية في البلاد، ودعمها المتظاهرين من أجل ضرب “النظام المقاوم” من الداخل، عمل سليماني على إحداث شرخ بين فئات المجتمع السوري، وأحداث تغيير طارئ يهدف لـ”التفاف الشعب حول قيادته ضد العدو الصهيوني”، لتصدر في حينه، عقوبات من الاتحاد الأوروبي ضد سليماني الذي “وفّر الدعم اللازم لقمع الشعب السوري”، بحسب تقرير المجلة الرسمية للاتحاد الأوروبي. 

أثمرت صناعة ردة فعل العدو مع سليماني، وكررها في غزة عام 2019 لإنقاذ حركة حماس من خطر المظاهرات التي اندلعت في آذار 2019 للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية، حينها سقطت عدة صواريخ على إسرائيل لم تتبناها حماس كما العادة، وكانت ردة فعل العدو الإسرائيلي بتنفيذ عدة غارات على القطاع كانت كفيلة بتحويل مجرى أحداث الاحتجاجات، وإظهار الشارع على أنه عميل للخارج، ويضرب المقاومة من الخلف، ما أدى لإخماد الحراك وتنفيذ حملات إعتقال طالت أبرز ناشطيه.

انقلاب السحر على الساحر

شكل إستمرار الحراك الشعبي ضد السلطة في إيران والعراق ولبنان عبئا ثقيلا على سليماني، وأجبره على التحرك بين هذه الدول لمتابعة التطورات والتفاعل معها، وهو ما فعله في آخر 36 ساعة من حياته متنقلا بين لبنان وسوريا والعراق، بحسب معلومات حصل عليها موقع Middle East Eye، استعان سليماني بالقائد الفعلي لـ”الحشد الشعبي العراقي”، أبو مهدي المهندس، الذي يعتقد أنه قائد كتائب “حزب الله العراقي” والتي لم تعلن عن قيادتها حتى اﻵن، استعان به للقيام بعمل كبير يتناسب مع الحدث، ذلك ليحصل على ردة فعل أكبر تؤثر في الشعوب الغاضبة، بادئا التصعيد بقصف قاعدة أميركية في كركوك، فكان الرد الامريكي بقصف مواقع لميليشيا “كتائب حزب الله” أسفرت عن مقتل 25 من منتسبيها، ثم خطط سليماني للهجوم على السفارة الأميركية في بغداد، مدركا أن هذا الفعل تصعيد خطير سينتج عنه ردة فعل أكثر خطورة، وهو ما يحتاجه النظام الإيراني للتأثير على مشاعر شعوب إيران والعراق ولبنان؛ ثلاث ثورات لو انتصرت لهدمت مشروع إيران. 

بعد تنفيذ الهجوم على السفارة الاميركية في بغداد كانت ردة الفعل القاضية الملبية لحاجة النظام الإيراني، حقق سليماني نتيجة معادلته حتى بعد موته، وشهد العالم تغيّرا جذريا في المواقف والأحداث، فمن إدانة فرنسا وألمانيا للنظام الإيراني بسبب قمعه للمتظاهرين، إلى مطالبة وزير الخارجية الفرنسي لطهران بضرورة ضبط النفس والعدول عن فكرة الانتقام لسليماني، وغض طرف المجتمع الدولي عن قمع المتظاهرين في إيران والعراق ولبنان.

خسر سليماني حياته في سبيل خدمة المشروع الإيراني، وربما لم يدرك أن فعله الأخير سينتج عنه ردة فعل تودي بحياته وأن خطأ واحدا في المعادلة يعني النهاية، لكنها نهاية استثمرها النظام الإيراني بنجاح وتفاعل مع ردة فعل العدو داخليا وخارجيا، ولعل النظام الإيراني يرضى بخسارة مجرم الحرب سليماني  مقابل ما حققه من مكاسب وقوة، قوة لم يحققها من خسر خاشقجي الإنسان، ولسان حال النظام الذي وعد بالانتقام لسليماني يقول: إنها أميركا يا قاسم، إنها أميركا.

٭ناشط وإعلامي سوري