ما بين الدولة والجمهورية الإسلاميتَين من اتصال

ما بين الدولة والجمهورية الإسلاميتَين من اتصال

ما بين الدولة والجمهورية الإسلاميتَين من اتصال

ما بين الدولة والجمهورية الإسلاميتَين من اتصال

ما بين الدولة والجمهورية الإسلاميتَين من اتصال

ما بين الدولة والجمهورية الإسلاميتَين من اتصال

ما بين الدولة والجمهورية الإسلاميتَين من اتصال

شارك

ما بين الدولة والجمهورية الإسلاميتَين من اتصال

ما بين الدولة والجمهورية الإسلاميتَين من اتصال

عبد الناصر العايد

تشبه الحركات ذات المنشأ الديني المتطرف، الانفجار، وقدرها المحتوم هو التوسع حتى التلاشي والزوال. رأينا ذلك في الأمس القريب بوضوح، من خلال مثال الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، ونستطيع أن نحكم على المغامرة المُناظرة لها وهي “الجمهورية الإسلامية” التي انطلقت من إيران وتشمل اليوم العراق وأجزاء واسعة من بلاد الشام ودول أخرى، بأنها تسير إلى النهاية ذاتها.

لم تكن مغامرة داعش “دولة إسلامية” هكذا بالإطلاق، كانت دولة خاصة بالمسلمين السنّة العرب، الذين يشعرون بالقهر لتدني قيمتهم في المشهد العالمي بخلاف صورتهم الإمبراطورية التي يحملونها عن أنفسهم ويعثرون عليها في صفحات تاريخ يشكل مرتكز إيديولوجيتهم الرئيسي. كذلك فإن الجمهورية الإسلامية، ليست سوى دولة الفُرس الشيعة الذين يقارنون بألم ذكريات امبراطورياتهم الضخمة المتعاقبة مع حاضرهم المتواضع.

إن اختلاط القومي مع الديني ليس سوى جزء من المُركّب المتناقض والمتفجر، وهو مفيد من نواحٍ معينة، إذ يعدد مستويات الصراع، ويسمح بتدفق مزيد من العدوانية في مساحات لا تني تتسع. فمن التناقض التاريخي بين الفرس والعرب، على المستوى الجوهري وفي عمق التيارين، إلى العداء الإسلامي المسيحي الذي يضمن تغذية مناكفة الغرب، وهو القوة التي يرى الطرفان أنها سبب تأخرهما وتخلفهما وتدني مكانتهما. وصولاً إلى التناقض بين المؤمنين من جهة، وهم حصراً إما أتباع جنود الخليفة في حالة “الدولة الإسلامية”، أو أتباع الولي الفقيه في حالة الجمهورية الإسلامية، والكفار والمرتدون من جهة أخرى، وهم عموم سكان الكوكب.

وبينما يضمن الغطاء السنّي استقطاب الناقمين من الجماعة السنيّة في كل مكان في العالم إلى جانب الدولة الاسلامية، تسمح الصبغة الشيعية للجمهورية الإسلامية بربط الجيوب الشيعية المتناثرة في أنحاء العالم بطهران. وتمنح الخلفيات الاثنية والقومية المتعددة، لقادة التيارَين، سواء العرب السنّة أو الفرس الشيعة، وَهمَ استعادة الصيغة الإمبراطورية ذات العناصر المختلفة التي تدين بالولاء لهما.

لقد جعل الانفجار “الداعشي”، خطاب الدولة الإسلامية، في متناول الجميع، ودُرس وحُلل جيداً. لكن، في الجانب الآخر، لم يُكشف بعد عن خطاب الجمهورية الإسلامية ناهيك عن جوهره الفعلي. فقد صان وجود دولة في ايران، معترف بها دولياً، النظامَ من المخاطر التي يمكن أن تحيق بتنظيم مثل داعش نسب لنفسه صفة الدولة ولم ينجح في حيازة الاعتراف بها من أي كيان عالمي. ولأن هذا النوع من المنهجيات لا يسعه أن يكون دولة مستقرة، بل حركة دائمة نحو الخارج، فقد أنشأت الجمهورية الإسلامية دولتها الحقيقية خارج إيران، التي لم تعد تمثل سوى قاعدة الانطلاق والمقر الخلفي للحرس الثوري الإيراني الذي غزا محيطه ونجح في الاستيلاء على دول عديدة حتى الآن. جرى ذلك بالتدريج وعلى مدى نحو أربعة عقود، وأتيح الوقت الكافي لقادة الجمهورية لجعل خطواتهم أكثر رسوخاً من قادة الدولة الإسلامية الذين حققوا شيئاً شبيهاً بما أنجزه الحرس الثوري، خصوصاً في العراق وسوريا، في غضون أربعة أعوام فقط.

إن الفارق الجوهري بين الدولة الإسلامية والجمهورية الإسلامية، هو الواقعية التكتيكية. فالولي الفقيه ومُخطّطوه ينظرون تحت أقدامهم مباشرة، ويدرسون خطواتهم بأناة وتردد وتحير أحياناً، لكن عيونهم لا تغفل عن الأهداف الاستراتيجية، وهي التوسع ثم التوسع، والتمسك بحلم السلاح النووي الذي لا يمكن الاستمرار في التوسع من دونه. بينما أولى قادة الدولة الإسلامية نظرهم إلى الآفاق البعيدة بسبب التاريخ بالدرجة الأولى، وكانوا أكثر اقداماً بفضل الثقة التي تمنحها لهم الجغرافيا والديموغرافيا في عالم إسلامي سنّي مترامي الأطراف. وقد صنع هذان المنهجان المتباينان التاريخ المقارن لكلا الحركتين آنياً، لكن في المدى البعيد فإن النهايات ستكون واحدة.

لقد اندفع تيار “الدولة الإسلامية” بأشكاله المتعددة، إلى الغرب البعيد، وتعرض له في عقر داره، واستفزه حتى أجبره على جعل محاربته أولوية، ولم يكف الغرب حتى الآن عن ملاحقة فلول هذا التيار وظهوراته الهزيلة هنا وهناك، مع إدراك لاستحالة قيام هذه “الدولة” مرة أخرى في المدى المنظور.

في الجهة المقابلة، فإن الجمهورية الإسلامية التي تركز عملها في جوارها العربي القريب والضعيف وتحقق الانتصارات فيه بالتدريج، تكشف عن عدائها للغرب في خطابها المعلن، لكنها لا تحرك ساكناً في هذا الاتجاه. غير أن الفكرة المتعارف عليها بأن هذا الخطاب للتسويق الإعلامي فقط، غير صحيحة إطلاقاً، والصحيح فقط أن الواقعية تقضي الأخذ بالأولويات التي ستتغير بالتدريج حتماً إذا ما اكتمل التوسع في الإقليم وبعد حيازة السلاح النووي الرادع. والمرحلة الأولى من مواجهة الغرب لن تكون في الولايات المتحدة أو قلب أوروبا كما فعل داعش، بل مع إسرائيل، التي تُعدّ طليعة العالم الغربي في الشرق الأوسط.

إن استمرار الجمهورية الإسلامية، مرتبط بشدة بوجود الدولة الإسلامية. فالتفاضل بينهما، والاعتماد المتبادل لكل منهما على الآخر، شرط رئيسي للاثنتين. وفي ظروف اضمحلال داعش، لن يكون مستغرباً أن يختل أداء الجمهورية الإسلامية، فتتخلى عن قاعدة عدم استهداف العالم الغربي، سواء بشكل مباشر أو من خلال استهداف إسرائيل، بأسرع مما هو مخطط أو مُفكّر فيه. وفي الأحوال جميعها، فإن الصدام حاصل في النهاية، والانفجار لا بد أن يقع في لحظة من لحظات التوسع الذي لا يُحتمل، والذي لا حياة للجمهورية الإسلامية من دونه.

المصدر: المدن

شارك