اعتاد الضابط الطيار في قوات النظام والملقب بـ”مجد بركات”، نشر صوره من دون اظهار وجهه وهو يقود طائرة مقاتلة فيما يعرض ورقة مكتوب عليها رسائل تهديد قصيرة لمناطق المعارضة أو عبارات الولاء لبشار الأسد.
“مجد”، هو من خريجي “الدورة 43” في الكلية الجوية السورية، وقد نشر صورة جوية لمحافظة ادلب، قبل يومين، مع عبارة: “وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى”، في ما أسماه “معركة الحسم إدلب”.
وينحدر “مجد” من محيط القرداحة، لكنه من مواليد دمشق. وإذ كان والده عنصراً في “سرايا الدفاع”، وأحد أعضاء الحماية الشخصية لرفعت الأسد. ورغم أن الوالد لم يغادر مع رفعت عندما أُخرجَ من سوريا، إلا أنه ظل يتلقى راتباً شهرياً من “القائد” مثل عدد كبير من منتسبي “سرايا الدفاع”.
الطيار المقاتل
الناطق الرسمي باسم “الجيش الوطني” الرائد المنشق يوسف حمود، من خريجي “الدورة 43” أيضاً، كان زميلاً لـ”مجد”، منذ أيام الكلية الجوية إلى لحظة انشقاقه. يقول حمود، لـ”المدن”، إن مجد، هو “شخص مضطرب عاطفياً ونفسياً، لا يستقر على رأي، ولديه رغبة كبيرة بالظهور والبروز”.
وهو ما أكده الرائد المنشق أحمد بحري، المقيم حالياً في أوروبا وزميل “مجد” في “الدورة 43″، الذي أشار إلى أن مصدر تلك الرغبة بالظهور تعود لقصر قامته الواضح، الذي يحاول تعويضه بشكل دائم بارتداء ثياب تجلب المهابة، والعناية المفرطة بمظهره، ونزعته للعلاقات الغرامية، للايقاع بأكبر عدد من النساء، والتباهي بذلك أمام زملائه.
وقال حمود: “منذ اللحظة الاولى لظهور تلك الصور للطيار مجد، عرفت صاحبها. فمجد بركات، هو الاسم الذي كان يستخدمه صاحبه للتعريف بنفسه للنساء اللاتي يريد الايقاع بهن، ويسبقه بلقب الطيار المقاتل!”.
رغم قصر قامته، حصل “مجد” على استثناء للانتساب إلى الكلية الجوية في “الدورة 43” العام 1995، وتخرج نهاية 1997 برتبة ملازم، وترفع بشكل اتوماتيكي حتى صار عقيداً صيف 2018.
طائفة السيد الرئيس
يقول حمود: “معلوماتي تشير إلى قيام مجد بأكثر من ألفي غارة جوية في السنوات الست الماضية، معظمها على تجمعات المدنيين، وحصيلة هذه الغارات لا تقل عن خمسة آلاف ضحية من الأطفال والشيوخ والنساء، هي الرصيد الذي يتباهى به وهو الذي لا يوجد في سجله غارة واحدة على عدو خارجي، من أي نوع كان”.
أحمد بحري، الذي عمل على طائرة مماثلة للتي يقودها مجد، الـ”سوخوي 24″، قال لـ”المدن”: “الطائرة المقاتلة في الظروف المثالية تحتاج إلى مهارة وشجاعة، لكنها في حالة مجد ليست سوى آلة في يد شخص جبان وغبي، يقودها على ارتفاع عال، لا تطالها فيه أي من أسلحة الثوار الخفيفة، ليلقي من علو شاهق حمولتها المدمرة على أناس عزل، ثم يهبط بسلام، ليبدأ بنشر صوره على الفيسبوك متباهياً، لا أعتقد أن الخسة قد تصل بطيار في العالم إلى قصف شعبه كما يزعم، الذي صار مقاتلاً ليحميه، ولا ادري كيف يستطيع أن يجد ذلك مبعثاً للفخر”.
يضيف البحري: “لم يكن مجد طياراً ماهراً، لكن الدعم الذي رافقه منذ أن كان طالباً، جعله بعد سنوات طويلة قادراً على ارتكاب هذه الجرائم وأداء دوره كما يجب، ذلك الدور الذي أُعدّ له منذ دخل إلى الكلية الجوية، هو والكثير من أبناء دورتنا، الذين يشكلون اليوم عماد القوى الجوية الميداني”.
ويؤكد بحري أن “مجد”، يعتبر من الضباط الشباب الموثوقين المقربين من رئيس “المخابرات الجوية” صاحب الكلمة العليا في القوى الجوية السورية. فهو “لا يتردد في تنفيذ أي مهمة تطلب منه، ما دامت تضمن له موقع الصدارة بين زملائه، وما دام يأمن عواقبها، وأنها لن ترتد عليه بأي شكل من الأشكال”.
الرائد حمود، نقل عن “مجد” قوله له في لقاءاتهما الأخيرة في مطار السين، “أن النظام سينتصر”، وأن “سبب الأزمة الحالية هي عدم تقيد بشار الأسد بوصية والده الذي طلب منه عدم اغضاب السعودية لأي سبب كان، وان تبقى صلته بإيران لمجرد التلويح بها وليس للاستخدام الفعلي. لكن بشار اسقط نفسه في الحضن الايراني بالكامل، وهذا ما ستدفع ثمنه الطائفة العلوية، لكن إلى حين فقط، وإن ذلك الخطأ سيتم إصلاحه في النهاية، وسيعود النظام إلى سابق قوته”.
ويقول بحري، إن “مجد” في لقائه الأخير به، قال له: “مصيرنا هو الافتراق، سوف تنشق أنت وبقية زملائنا السنة، لتذهبوا إلى جماعتكم، وسوف نقاتل نحن إلى النهاية”. ويذكر حمود أيضاً أن “مجد” اقتحم احدى جلساتهم في مطار السين فجأة ليقول: “اليوم لم يبقَ في سوريا سني وشيعي ومسيحي ودرزي.. اليوم كلنا علويون.. من طائفة السيد الرئيس.. أليس كذلك يا رفاق؟”.
نمط مكرر للأبطال!
عبدالناصر العايد، المسرح برتبة نقيب سنة 2009 بأمر من “القائد العام” بشار الأسد، وخريج “الدورة 43″، يقول لـ”المدن”: “زاملت مجد في مرحلة الكلية وهي 3 سنوات فقط. سيرته نمطية تكاد تكون مكررة لمئات المرات، فهو ضابط بإمكانيات مهنية دون المتوسطة، يتقدم المشهد عبر اظهار الولاء المطلق للسلطة ورمزها الأعلى، والقيام بكل ما يطلب منه، وارتكاب أكبر قدر ممكن من الجرائم التي تثبت ذلك الولاء”. وبنتيجة ذلك، يتكرس صاحب هذا النمط “كرمز يقتدى من ناحية، ويمنح مقعداً ثابتاً في النظام الذي لا بد من الدفاع عنه إلى النهاية، لحماية نفسه مما ارتكبه من جرائم”.
في الجيش السوري، كانت هناك نماذج من أولئك الأبطال، الذين تتكرر سيرتهم على كل لسان: علي دوبا، محمد الخولي، محمد ناصيف، علي حيدر، إبراهيم الصافي، عدنان بدر حسن، شفيق فياض، جميل حسن. لكن اليوم، “ثمة جيل جديد صعد على رأسهم سهيل الحسن، والعقيد غياث دلة من الحرس الجمهوري، والعقيد المقتول علي خزام وآخرون منهم سومر بركات”، بحسب العايد، الذي يضيف: “لم أكن أعرف الكثير عن المؤسسة العسكرية وقادتها حين دخلت إلى الكلية الجوية، وكلما ورد اسم ضابط في مكان قيادي بارز كنت اسأل رفاقي الذين كانت غالبيتهم العظمى من العلويين: ما هي إنجازات هذا الضابط؟ ويكون الرد غالباً: كان له دور مهم في القضاء على عصابة الأخوان المسلمين”.
العايد يقول: “مجد في الواقع كان من أكثر زملائنا العلويين صراحة ووضوحاً في طرحهم للمسألة الطائفية، طبعاً على انفراد. وكان في تلك السن اليافعة قلقاً بخصوص مستقبل تلك العلاقة، ودائم التساؤل عن مآلها، وعن المآلات الكارثية لها، لكنه كان ينتهي دائماً إلى العجز عن إيجاد حل لها”. “مجد”، وعلى عكس آخرين ناقشهم العايد، كان “لا يحيل تبعات المأزق إلى الطائفة السنية، وكان كثيراً ما يقر بأن الطائفة العلوية تتحمل جزءاً من الكارثة، وأن لا سبيل إلى حل تلك المعضلة”.
العايد، قال إن المرحلة الحالية تشهد تكريس عدد من الضباط كرموز، لما “يجب” أن يكون عليه الضابط “الممتاز” بالنسبة للنظام. وهذه النماذج، مثل من سبقها، ليست إلا بيادق تجرّ عربة الصراع الطائفي نحو جدار أصم، ولن تتراجع مهما بلغت الخسائر والتضحيات. بقاء هذه الفئة، التي تكوّن جوهر النظام العسكري والطائفي، بحسب العايد، “مرتبط وجودياً ببقاء النظام بشكله العدواني القتالي الحالي، وهذا ما دفع النظام إلى تحويل الاحتجاجات الشعبية السلمية إلى حرب ضروس، وجرها إلى ميدان العنف الطائفي، منذ أن انطلقت شرارتها”.
نقلا عن صحيفة المدن ٧ أيار ٢٠١٩