منهل باريش
كشفت مصادر إسرائيلية عن منشأة إيرانية جديدة في سوريا متخصصة بتصنيع صواريخ أرض – أرض متوسطة المدى وبعيدة المدى.
وقالت القناة 12 الإسرائيلية أن المصنع الجديد “يتم بناؤه من قبل إيران بالتعاون مع النظام السوري ومنظمة حزب الله اللبنانية”، وأضافت أن المصنع المكتشف هو محاولة ثانية لبناء المصنع الحربي الإيراني الذي قصفته إسرائيل شرق مدينة اللاذقية غرب البلاد في أيلول (سبتمبر) الماضي.
وأشار تقرير بثته القناة مساء الخميس الماضي إلى أن مصنعا بدأت طهران ببنائه بالقرب من مدينة صافيتا، التابعة لمحافظة طرطوس شمال غرب سوريا، يُراد منه إبعاد أنظار إسرائيل عن مواقع إيرانية سابقة كشفتها تل أبيب وقصفتها من الجو، مثل القصير ومعامل “مركز الدراسات البحوث العلمية” ومستودعاتها، ومطار T4والبيت الزجاجي في مطار دمشق الدولي المدني.
وهدف المصنع الإيراني (حسب تقرير القناة الذي ترجمته “تايمز أوف إسرائيل” إلى العربية) هو “التركيز على إنتاج صواريخ دقيقة، وتطوير التهديد على إسرائيل بشكل كبير من ترسانة الصواريخ والقذائف الكبيرة التي نشرتها منظمة حزب الله المدعومة من إيران في جنوب لبنان”. وأفاد التقرير أن إيران تتجاوز العقوبات الدولية المفروضة على برنامجها الصاروخي من خلال عدد مما أسمته “شركات الواجهة” المرتبطة بـ”البحوث العلمية”، والذي استهدفت إسرائيل مواقعه عشرات المرات، ودُمر مركزه الرئيسي في منطقة مساكن برزة بشكل نهائي في قصف التحالف الدولي الثلاثي الأمريكي الفرنسي البريطاني في 14 نيسان (أبريل) 2018. وفي حينها قالت أمريكا أنها قصفت المواقع المسؤولة عن تطوير وتصنيع السلاح الكيميائي.
قصف المصنع السابق الذي كانت تعتزم طهران تشغيله في سوريا أدى إلى توتر كبير في العلاقات الروسية الإسرائيلية، بسبب استهداف مضادات الدفاع الجوي السوري لطائرة روسية نوع يوشن في 18/09/2018 أدى إلى مقتل 15 ضابطاً وجنديا روسيا كانوا في مهمة استطلاع أقصى شرق محافظة اللاذقية، فوق خطوط التماس بين قوات النظام وفصائل المعارضة بالقرب من منطقة جسر الشغور.
وأعلنت موسكو اثر تحطم طائرتها عن ارسال منظومة صواريخ “إس-300” إلى سوريا، وهو ما أوقف القصف الإسرائيلي قرابة 70 يوما قبل أن تتوصل موسكو وتل أبيب إلى تجديد تفاهمهما وإعادة تشغيل الخط الساخن المباشر وإعطاء زمن كاف لموسكو لتلافي أي مشاكل أو حوادث بعد الإخطار الإسرائيلي، لتستعيد إسرائيل نشاطها في استهداف المواقع الإيرانية وخطوط الإمداد إلى حزب الله اللبناني.
في سياق التوتر الإيراني الإسرائيلي، نشرت وسائل إعلام إسرائيلية صورة جديدة لأربع عربات تحمل صواريخ “إس-300” في منطقة مصياف غرب حماة. ورصدت الأقمار الصناعية الإسرائيلية صواريخ مماثلة منصوبة على ثلاث عربات، بينما كانت الصواريخ على العربة الرابعة مغطاة بشباك تمويه وغير مجهزة للعمل. وهذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها صور لمنظومة الصواريخ الروسية الشهيرة في حيز التنفيذ. لكن من غير المعلوم ما إذا كانت وزارة الدفاع الروسية قد سلمتها لإدارة الدفاع الجوي في جيش النظام، أم أنها فقط رفعت الصواريخ دون تشغيل المنظومة، أم أنها في عملية تدريب وصيانة. وتأتي عملية نصب الصواريخ هذه بعد نحو أسبوعين على انتقاد طهران، على لسان رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه، تعطل منظومة “إس – 300” الروسية لحظة تعرض مناطق في سوريا لغارات جوية إسرائيلية.
وأصدر “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب تقريرا يتحدث فيه عن عشرة تحديات إسرائيلية، وهي بمثابة تقدير موقف يتزامن مع بدء رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد أفيف كوخافي عمله. ووصف التقرير الفترة الحالية بأنها “عاصفة وغير مستقرة” من الناحية الأمنية، وألمح إلى احتمال نشوب حرب قريبة خلال رئاسة الأركان الجديدة.
وقالت ورقة الموقف إن هناك عشرة “تحديات” ماثلة أمام رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد، أهمها: بناء القوة العسكرية للاجتياح البري، واستمرار الغارات الإسرائيلية في سوريا، والاستعداد لحرب الشمال متعددة الجبهات، ويشكل التهديد الإيراني النووي واحدا من أبرز المخاطر العشرة.
وطرحت الورقة خيار عودة إسرائيل إلى دراسة هدف الخيار العسكري والطرق الصحيحة لتطبيقه وذلك بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران، والذي من المحتمل أن يؤدي إلى تغيير السياسة الإيرانية في كل ما يتعلق بالبرنامج النووي. وأوصى تقرير المعهد بالإصرار على الخطوط الحمراء في وجه إيران دون الوصول إلى مواجهة في الجبهة الشمالية.
وحذرت الدراسة من قدرة إيران الصاروخية الكبيرة التي تسمح لها بضرب إسرائيل، من محيطها القريب في سوريا وجنوب لبنان ومن الأراضي الإيرانية أيضا. بينما وصف “عملية هجومية إسرائيلية في إيران” بأنها “معقدة ومليئة بالمخاطر”.
وعن الغارات الإسرائيلية في سوريا قالت الدراسة إنها “الحرب التي بين الحروب”، وأشارت إلى أن استمرار القصف سيؤدي في النهاية إلى مواجهة لا محالة. مع تثمينها لعمليات القصف وعرقلتها للتموضع الإيراني وانتشار حزب الله.
وأكدت الدراسة على أن مواجهة قادمة ستكون مفتوحة على كل الجبهات في لبنان وسوريا وأنها لن تكون تقليدية كما حصلت في حربي لبنان، الأولى والثانية، ولم تستبعد اشتعال الجبهة الفلسطينية مع الشمال تحديدا في قطاع غزة.
وفي حال حصول هذا السيناريو فان وضعا كهذا لن يوزع موارد إسرائيل في عدة جبهات فقط، وإنما “سيؤدي إلى تقويض أساسي في مفهوم ممارسة القوة الإسرائيلي على الجبهة الشمالية. ويعني هذا، أن الأشكال المألوفة لإنهاء حرب يمكن ألا تكون مشابهة للماضي، الأمر الذي يستوجب وضع مفهوم جديد لممارسة القوة العسكرية”.
وشدد خبراء “معهد أبحاث الأمن القومي” على بناء القوة العسكرية تحضيراً للاجتياح البري خلافا لمفهوم الجيش الإسرائيلي الحال الذي يعتمد على القوة الجوية وتعزيز المدفعية. وأوصى الخبراء رئيس الأركان الجديد بالعمل على بناء “قوة برية قادرة على اجتياح بري سريع وفتاك في أراضي العدو” والاستعداد لحرب طويلة قد تستغرق سنين.
في تطور الأوضاع، ذكرت مصادر عدة قيام الإيرانيين في سوريا بنقل غرفة عملياتهم الرئيسية من “القصر الزجاجي” في مطار دمشق الدولي إلى مطار T4بعد الاستهداف الأخير ومنع وصول شحنات السلاح الإيرانية إلى حزب الله.
هذا القرار (في حال تأكده) يعني تغييرا كبيرا في الاستراتيجية الإيرانية في سوريا كما رسمها قاسم سليماني، والقائمة على إمساك طرق الإمداد إلى لبنان، الممتدة من مقام السيدة زينب وصولا إلى كامل أحياء دمشق الجنوبية، والسيطرة على الطريق الواصل إلى مستودعات حزب الله في البقاع.
حصول تغير في الاستراتيجية الإيرانية في جنوب دمشق غير وارد حالياً، وفي حال اتخاذه يعني أن تفاهما روسيا إيرانيا حصل لتخفيف الأضرار المستمرة ضد القوات الإيرانية واستباق الشروط الإسرائيلية التي سينقلها نتنياهو في زيارته إلى موسكو بعد أقل من أسبوعين.
المصدر:القدس العربي ١٠/٢/٢٠١٩