جسر: متابعات:
زاد بروز مظلوم عبدي إعلامياً وسياسياً عقب إطلاق العملية العسكرية التركية «نبع السلام» في 9 تشرين الأول/أكتوبر من العام الجاري، في ظل اهتمام سياسي وإعلامي دولي وإقليمي في البقعة الجغرافية الممتدة من شرق نهر الفرات حتى الحدود السورية العراقية التركية.
قائد قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، فرهاد عبدي شاهين المولود في قرية حلنج الكردية التابعة لمدينة عين العرب كوباني شمال شرق حلب عام 1967، لديه عدد من الأسماء المستعارة، مثل مظلوم عبدي ومظلوم كوباني وشاهين جيلو، كما يملك رصيداً قوياً لدى التنظيمات الكردية، حيث تدرب منذ أعوام طويلة في معسكرات حزب العمال الكردستاني متنقلاً في مواقع متعددة من جبال قنديل شمال العراق، أبرز معاقل الحزب في الشرق الأوسط وأكثرها تحصيناً، لتعتقله أجهزة الأمن التابعة للنظام السوري مرات عدة بمحافظة الحسكة، ويتم الإفراج عنه بعد ذلك. لعل بداية شهرته إعلامياً هو قيادته «قسد»، الجناح العسكري للإدارة الذاتية الكردية، لكن ذلك لم يكن كافياً بالنسبة لوسائل الإعلام العالمية ليتصدر الرجل عناوينها.
تحدث عبدي خلال العملية التركية شمالي سوريا، مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر الهاتف، ليقوم ترامب بعدها بالإشادة بذلك الاتصال، واصفاً فحوى المكالمة بأنها «ممتعة»، الأمر الذي أثار غضب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ودفعه لمطالبة الولايات المتحدة بضرورة التعاون لتسليم عبدي إلى أنقرة، كما قام اردوغان باتصال هاتفي مع نظيره الأمريكي، معرباً عن استنكاره لحديث ترامب مع «إرهابي متعامل مع حزب العمال الكردستاني» المصنف إرهابياً لدى الولايات المتحدة.
ومما اغضب أنقرة ايضاً، مطالبة أكثر من سيناتور أمريكي بضرورة منح تأشيرة دخول لعبدي إلى بلادهم «لمناقشة تطورات الوضع في المنطقة».
ويقول الصحافي المطلع على الشأن التركي سعيد الحاج لـ «القدس العربي»: «نلحظ مؤخراً من الجانب الأمريكي محاولة تلميع إن كان لشخص عبدي أو لقواته، علاقة خاصة في مسألة قتل زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي». وأضاف أن «الموضوع ليس متعلقاً بشخص عبدي بل بمشروع قوات سوريا الديمقراطية باعتباره مشروعاً أمريكياً لإعادة تأهيل حزب العمال الكردستاني والتعويل عليه داخل سوريا وخارجها».
وأوضح الحاج، أن الولايات المتحدة نفسها تصنف حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، معتبراً أن «قسد» فكرة أمريكية للتخفيف من الضغط التركي حيال العلاقة مع حزب العمال الكردستاني.
في المقابل، رأى الصحافي السوري الكردي شيروان ملا إبراهيم أن منظومة الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، تدار بشكل جماعي من قيادات الصف الأول ولا تنحصر «بسلطة الشخص الواحد، بعكس التنظيمات الأخرى الكردية أو الشرق أوسطية» على حد وصفه.
وأضاف إبراهيم أن «وجود مظلوم عبدي أو ظهوره مؤخراً كشخص أول في قوات سوريا الديمقراطية لا يعني أن له الكلمة الفصل في القرارات المصيرية وحده، بل أنها تدار من قبل مجموعة من قيادات الصف الأول، وغير مستبعد أن نسمع عاجلاً أم آجلاً خبر تحويله إلى منصب آخر أو حتى ترفيعه».
وحول سبب بروز شخصية عبدي حالياً، أردف إبراهيم قائلاً إن ذلك بدأ بعد «نجاح قسد في إنهاء سيطرة تنظيم داعش نهائياً في بلدة الباغوز»، موضحاً أن سبب هذا الأمر هو «تواصل رئيس الولايات المتحدة معه شخصياً بالإضافة إلى وزير الدفاع الروسي وقائد الجيش الروسي ناهيك عن تصريحات المسؤولين الاتراك ضده». وأشار إلى أن «شخصيته التي باتت تكنى بالجنرال، محبوبة جداً من قبل جماهير المؤسسات التي ينتمي اليها، فهم ينظرون إليه نظرة المناضل الفذ الذي ترك الحياة العائلية والاجتماعية متفرغاً في ممارسة قناعاته الآيديولوجية، كما انه ليس شخصية عسكرية بحتة مثل بعض القيادات الآخرين الذين عاشوا حياة مسلحة بحتة في الجبال والجبهات، على اعتبار انه كان يرافق زعيم العمال الكردستاني عبدالله اوجلان في التسعينيات في أغلب نشاطاته السياسية».
وتابع: «هناك احتمال كبير أن يتحول مظلوم عبدي إلى شخصية كاريزمية لكرد سوريا على شاكلة الزعيمين الكرديين في العراق مسعود بارزاني وجلال طالباني، أو عبدالله اوجلان في تركيا، في حال استمر على هذا الحال».
وختم بالقول: «لا يمكن الاستهانة بدور مظلوم، فهو موجود ببداية مشروع تأسيس وحدات الشعب أواخر 2011 ، إلا أننا وبحكم اطلاعنا الصحافي، سمعنا أن شخصاً يدعى (شاهين جيلو) له الدور الأساسي في تشكيل الحكم العسكري لهذه المنظومة، وكان نادر الظهور ولم تكن له صور ولا تصريحات في الإعلام وحاولت اللقاء به اثناء زياراتي لكن كان صعباً للغاية حتى سمعت ذات مرة أنه لا يبقى في أي مكان لأكثر من ساعة بسبب خطورة وضعه واحتمالية تعرضه لأي عملية اغتيال».
وبينما تداول ناشطون أتراك وسوريون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لعبدي وهو يرتدي الزي العسكري التقليدي للمسلحين الأكراد، قيل إن تلك الصور التقطت خلال تلقيه تدريبات ومشاركته بعمليات بجبال قنديل، يصر القادة الأكراد على الحديث عن المعطيات الميدانية والسياسية المتعلقة بشرق الفرات فقط، من دون التطرق لارتباطهم بحزب العمال أو توضيح ذلك لوسائل الإعلام.
وذكر مراقبون أن عبدي يلعب دوراً قيادياً بارزاً بحكم قيادته العملياتية لمعارك قسد ضد الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية خلال عملية نبع السلام، بالإضافة لعلاقاته الواسعة داخلياً مع محيطه الفصائلي الكردي والنظام السوري، وخارجياً مع ساسة في الغرب، بحكم إقامته هناك لفترة من الزمن. وتشير تقارير إلى أن عبدي كان مقرباً من زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون في تركيا «عبد الله أوجلان» في تسعينيات القرن الماضي، وهذا ما أكده تقرير لوزارة الداخلية التركية نقل عن أوجلان قوله خلال إحدى جلسات محاكمته إن شخصيْن كان لهما دور فعال في عملية السلام بين تركيا والعمال الكردستاني عام 1998، هما فرهاد عبدي وكاني يلماز.
تحدث عبدي في أكثر من مناسبة عن قيادته لـ 60 ألف مقاتل من قوات قسد، مشيراً إلى أنهم ينتمون لجميع مكونات الشعب السوري، كما تحدث عن استعداده للجلوس على طاولة الحوار مع حكومة النظام السوري خلال الأعوام القليلة الماضية، مجدداً تلك الرغبة بعد إطلاق تركيا عملية «نبع السلام» ضد مواقع سيطرة قسد شرق الفرات.
ورغم أن المشهد الكردي في سوريا أنتج العديد من الشخصيات الكردية كعبدي وألدار خليل وإلهام أحمد ومصطفى بالي، بعد أن كان مقتصراً على الشخص القيادي الأوحد، إلا أن عبدي استطاع تصدر المشهد إعلامياً من جديد، خاصة بعد مكالمته الأخيرة مع ترامب، واعتبار تركيا له أخطر شخصية في شرق الفرات لدرجة مطالبتها الولايات المتحدة بتسليمه، مع وضعه على القائمة الحمراء التركية لأبرز المطلوبين لدى أنقرة. ويملك عبدي حساباً موثقاً على موقع تويتر، حيث أطلق أولى تغريداته في 23 تشرين الأول من العام الجاري.
(القدس العربي)