تهرع “أم محمد” لوسائل التواصل الاجتماعي، باحثة عن التفاصيل، علها تجد مؤشراً أن ابنها المعتقل “عامر” سيعود إلى أحضانها بعد غياب استمر أكثر من ثمان سنوات، على وقع أي خبر يخص المعتقلين أو مرسوم “عفو” يصدر.
اعتقل “عامر” في منتصف عام 2012 على خلفية مشاركته في المظاهرات بريف حماه، أثناء عودته إلى مدينته، وهو طالب كان أبواب التخرج من جامعة حلب، وذلك على طريق حلب دمشق الدولي، حاولت عائلته مراراً وتكراراً البحث عنه ، ودفعوا أموالاً طائلة لمحامين ومتنفذين في صفوف النظام ، حتى علموا أنه معتقل في الفرع 215 ، سيء الصيت.
شهيد دون جثمان
عائلة “عامر” لم يعد يصلها أية أخبار عنه منذ منتصف عام 2013، لتتلقى خبر استشهاده تحت التعذيب في منتصف عام 2014، حيث أقاموا له عزاءاً في أحد المدن التركية، ورغم كل ذلك، بقيت “أم محمد” حتى اللحظة، ترفض تصديق الخبر، معللة ذلك أنها لم تشاهد جثمانه بعد، معلقة الآمال على أخبار تتوارد عن معتقلين، على قلتهم، قيل إنهم استشهدوا ليخرجوا بعد ذلك أحياء يرزقون.
ولا يمنع ذلك أيضاً “أم محمد” من المشاركة في الحملات الإلكترونية للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين جميعهم، الذي ذاقوا ما ذاقه ابنها من ظلم وقهر، مطالبة بمحاسبة القتلة، وعلى رأسهم بشار الأسد.
فرصة للحياة
رغم آلام “أم محمد” وأمهات كثر، كُتبت الحياة من جديد، لمعتقلين استطاعوا رؤية النور بعد سنوات عديدة قضوها في السجن، عكست آلامها على ملامح وجوههم ولعل صورة المعتقل “عبد الحميد الحاج علي” ابن خربة خزالة بدرعا، الذي خرج مؤخراً من معتقلات الأسد، والتي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي خير مثال على ما فعله السجن بوجهه وجسده.
واستطاعت “جسر” التواصل مع أحد المفرج عنهم، عقب مرسوم “العفو” الأخير، والمقيم حالياً في مناطق سيطرة النظام، فقال رافضاً الكشف عن اسمه “اعتقلت في منتصف عام 2016 ، بعد ستة أشهر من خروجي من مناطق سيطرة تنظيم داعش في دير الزور، وذهبت إلى دمشق، وعلى إثر تقرير كيدي كتب بي، يتهمني بالتعامل مع داعش، اعتقلني أحد أفرع النظام الأمنية”.
وأضاف “ونتيجة للتعذيب المستمر والممنهج، اعترفت بأشيا لم أرتكبها، ليحكم علي من قبل المحكمة العسكرية بالسجن لمدة ثلاث سنوات قضيتها في سجن عدرا، قبل خروجي الأخير”. وافاد بأن نحو ٢٠٠ شخص اطلق سراحهم في دفعته، منهم سجناء لآخرين تم تحويلهم من سجن صيدنايا. وتحدث عن زميل له، خرج من السجن أيضاً، كان قد جاء من سجن صيدنايا بعد أن قضى ما يقارب ست سنوات، وخرج على إثرها غير قادر على المشي، ومختل التوازن. وأكد المفرج عنه أنه قد تم اطلاق سراحه لأن حكمه انتهى منذ مدة، و”‘نه لم يتم اطلاق سراح أي شخص لم ينه مدة محكوميته”.
ولفت المفرج عنه، إلا أن مسؤولي الجهة الامنية التي كانت محتجزاً لديها، سارعوا إلى التواصل مع ذويه، قبيل الافراج عنه، وطلبوا مبلغ ٤ مليون ليرة لاخراجه من السجن، إلا أن محاميه أخبر ذويه بأنه مشمول بقرار العفو، وسيخرج في كل الحالات، ومنعهم من دفع الرشوة”.
كما زف إلى محافظة دير الزور الشاب “غنام حسين السلطان”، الذي خرج حديثاً من سجن السويداء، بعد اعتقال دام ستة أعوام ، قضى عامين منها في سجن صيدنايا الشهير، وأربعة أعوام في سجن السويداء حتى تم الإفراج عنه، فعاد إلى حضن ذويه في بلدة أبو حمام بريع دير الزور.
واعتقل الشاب عام 2014 من قبل قوات النظام، بعد سيطرة تنظيم داعش على دير الزور، حيث تم استدراجه مع مئات من أبناء عشيرة الشعيطات، داعيةً إياهم لقتال التنظيم، إلا أنها غدرت بهم و اقتادتهم إلى سجونها.
وغنام هو الأبن الأكبر لـ “حسين السلطان”، قائد كتيبة الحمزة، في لواء جعفر الطيار، وكان من أبرز قادة اللواء ومن أوائل من حمل السلاح بوجه النظام، في ريف دير الزور، والذي استشهد في وقت لاحق.
مرسوم العفو وتداعياته:
بعد أن أصدر رأس النظام، بشار الأسد، في 22 آذار / مارس الماضي، عفوأُ عاماً عن المعتقلين في سجونه، و تقليل مدة السجن المحكومين، خرج عدد من المعتقلين الذي اعتقلوا على إثر مشاركتهم بالثورة السورية، حيث قضى معظم هؤلاء المعتقلين أعواماً في السجون منذ انطلاقتها.
وللتعليق على المرسوم تواصلت “جسر” مع المحامي فهد الموسى، رئيس الهيئة السورية لفك الأسرى والمعتقلين، الذي قال إن “مراسيم العفو التي أصدرها بشار الأسد خلال السنوات السابقة استهدفت في أغلبها الجرائم الجنائية من أجل رفد مجموعات الشبيحة و لجان الدفاع الوطني بالمقاتلين لتعويض أعداد القتلى والمنشقين، و من جهة أخرى ليعطي إنطباع للرأي العام أن مراسيم العفو تتماشى مع القرارات الدولية لتفعيل الحل السياسي في سوريا”.
و أضاف الموسى، أن “هذه المراسيم لم تشمل إلا فئة بسيطة من المعتقلين، لأن أغلب المعتقلين في سورية هم في عداد المختفين قسرياً، في السجون السرية و أفرع المخابرات، وبتحليل الأرقام، نجد أن نظام الأسد، قام بإطلاق سراح حوالي ٥٠ معتقلاً من أصل ٢٥٠ ألف معتقل، أغلبهم غيبوا منذ تسع سنوات، في حين تم اعتقال أكثر من 25 معتقلاً منذ إصدار المرسوم، والرقم الحقيقي للمعتقلين في الحقيقة يكون أضعاف ما يصلنا”.
من خلال هذه الأرقام، نجد أن نظام الأسد، لا ينظر لأي اعتبارات حقوقية أو مراعاة لحقوق الإنسان، أو حتى لأي مخاطر صحية تحذر من انتشار فايروس كورونا في السجون المكتظة بالمعتقلين.
وختم الموسى حديثه قائلاً إن “أغلب الذين تم إطلاق سراحهم هم من المعتقلين الموجودين في السجون العلنية، الذين يدفعون رشاوى طائلة لضباط المخابرات ولقضاة محكمة الإرهاب”.