عبد الناصر العايد
تعمدت إيران استفزاز القوات الأميركية في سوريا، وأرسلت يوم الخميس 23 آذار/مارس، طائرة مسيّرة قتلت متعاقداً مدنياً أميركياً وجرحت عدداً من الجنود في قاعدة بالقرب من رميلان شرقي محافظة الحسكة، فردّت القوات الأميركية بقصف عدد من مقرات تلك المليشيات في دير الزور وقتلت نحو عشرين عنصراً، معظمهم من المنسوبين السوريين.
الضربة الإيرانية للقواعد الأميركية ليست الأولى. ففي كانون الثاني الماضي، قصفت ثلاث طائرات مسيّرة، إيرانية الصنع أيضاً، القاعدة الأميركية في منطقة التنف عند المثلث الحدودي السوري مع العراق والأردن، وأعلن تشكيل يدعى “الوارثون” مسؤوليته عن الهجوم في شريط فيديو يوثق إطلاق الطائرات، وهو الفصيل نفسه الذي تبنى هجوم الحسكة الأخير.
ويأتي التصعيد الإيراني الأخير في ظل متغيرات ثلاثة تشهدها المنطقة، وعلى علاقة معها، هي: المصالحة الإيرانية مع الدول العربية، ومحاولات التطبيع بين هذه الدول ونظام الأسد برعاية روسيّة، وتنامي النفوذ العسكري الإيراني في محافظة الحسكة التي تمثل عمق منطقة السيطرة الأميركية في شرق الفرات، وثمّة علاقة بين هذه التطورات والتصعيد الأخير.
لقد لوحظ أن طهران أعلنت بشكل شبه رسمي، وربما للمرة الأولى، وجود قوات لها في سوريا، لا مستشارين فقط. فقد حذر ما يُسمى بالمركز الاستشاري الإيراني، القوات الأميركية من معاودة الهجوم على تلك القوات، مؤكداً أنها تمتلك “اليد الطولى” في المنطقة. وبالنظر إلى ما تم إعلانه من شروط المصالحة الخليجية مع إيران برعاية صينية، والذي يطالب بسحب تلك المليشيات من البلدان العربية، فإن التصعيد الإيراني ردّ غير مباشر على تلك المطالبات، ويعلن استحالة تنفيذها من جانب الأطراف الضعيفة التي تطالب بذلك، ما دامت تلك المليشيات تقارع الولايات المتحدة ذاتها وترد لها الصاع بالصاع.
إغلاق النقاش يشمل أيضاً ما يُعتقد أنه خطة استراتيجية روسيّة مع بعض دول الخليج لتعويم نظام الأسد، مضمونه أن تنشر موسكو مزيداً من قواتها على الأرض السورية لتحلّ تدريجياً محل الإيرانيين، على نفقة دول الخليج تلك، وهو ما ينبئ به تصريح رأس النظام، بشار الأسد، الذي أعلن من موسكو أنه يرحب بافتتاح مزيد من القواعد الروسيّة في البلاد. ويصب تصعيد إيران، ومعركتها المفتوحة مع واشنطن، في خانة لجم هذه الطموحات ايضاً ومنع النقاش في تلك الخطة المحتملة.
ولا تبني طهران استراتيجيتها للتمسك بسوريا، على الاعتبارات السابقة فقط، أي من خلال القول بأنها قاتلت وتقاتل كل يوم على الأرض السورية منذ عشر سنوات، الأمر الذي يمنحها الحق في البقاء هناك والهيمنة على القرار الاستراتيجي في هذا البلد المركزي في خططها الإمبراطورية. فالمعلومات تفيد بأنها تذهب عميقاً في ترسيخ قدمَيها حتى في المناطق الواقعة تحت السيطرة الأميركية ذاتها. والمعلومات الآتية من شرق الفرات تفيد باختراق تشكيل “الوارثون” الذي تبنى العملية، للبيئة العشائرية في محافظة الحسكة، وتأسيس خلايا ومفارز تابعة له بين السكان المحليين. والتشكيل الذي ما زال غامضاً يبدو أنه يتطور ليصبح رأس حربة الحرس الثوري وفيلق القدس في العمل ضد القوات الأميركية في عموم المنطقة. إذ أعلن، في آب الماضي، استهداف قاعدة عسكرية أميركية في الكويت، إضافة إلى عملياته في سوريا. وأفادت مصادر محلية متابعة من كثب، بأن القيادة الإيرانية أوعزت لخلاياها النائمة في الحسكة بالاستعداد للهجوم على القواعد الأميركية هناك، بعدما تلقى عناصرها المحليون تدريباً متقدماً في قيادة الطائرات المسيّرة وزرع العبوات، وذلك في مواقع تابعة للحرس الثوري، بعضها في الديماس قرب دمشق، وبعضها في إيران. وبعد تأمين وصول عدد من تلك الطائرات، بدأ تجريبها بهجوم فاشل على قاعدة الشدادي الأميركية جنوبي الحسكة يوم 19 كانون الثاني الماضي، حين اصطدمت الطائرة بالأرض قبل بلوغ هدفها فيما تمكنت الطائرة التالية من الوصول إلى بغيتها.
إن حاجة طهران للتصعيد مع واشنطن في سوريا، بدأت تقابَل باهتمام أميركي بالتسخين أيضاً. فكما أن إيران تريد القول، من خلال أزيز صواريخها وطائراتها المسيّرة “نحن هنا”، رداً على خطط تحجيمها في سوريا كشرط لتعويم نظام الأسد… فإن واشنطن، التي لم تعد القنوات الدبلوماسية تمر بها بالضرورة، تريد أن تذكّر الآخرين أيضاً بأنها موجودة، وبأنها ما زالت القوة العظمى التي لا يمكن تجاهلها، وفي هذا الإطار أرسلت طائرة من طراز F-22 المتقدم لتحلق في سماء محافظة الحسكة، مطلع هذا الأسبوع، ونفذت إلى جانب استعراض جوي مبهر، عملية استطلاع واسعة، يقوم بها الطيارون عادة عندما توكل إليهم مهام للعمل في بيئة وظروف جديدة.
المصدر: المدن