جسر: متابعات:
في تقرير نُشر يوم الخميس 31 تشرين اﻷول/أكتوبر، قالت منظمة العفو الدولية إن مئات الأشخاص احتُجزوا في تركيا بسبب تعليقهم على العملية العسكرية التي نفَّذتها بلادهم مؤخراً في شمال شرق سوريا أو بسبب تغطيتها إخبارية، وهم يواجهون تُهماً جنائية، وصفتها المنظمة بأنها “غير معقولة، في الوقت الذي تُشدد فيه الحكومة قمع الأصوات التي تنتقدها”.
ويُظهر التقرير، المعنون بـ”لا نستطيع الشكور”، كيف أن العملية العسكرية التي أُطلقت في الشهر الماضي باسم “عملية نبع السلام” كانت مصحوبة بموجة من القمع في تركيا طالت كل من يَحيد عن الخط الرسمي للحكومة. حيث اتُّهم الصحفيون ومستخدِمو وسائل التواصل الاجتماعي والمحتجون بـ “الإرهاب” وأُخضعوا للتحقيق الجنائي والاعتقال التعسفي وحظر السفر. مضيفة أنه، وفي حالة محاكمتهم وإدانتهم، فإنهم يمكن أن يواجهوا أحكاماً بالسجن لمدد طويلة.
وقالت مديرة برنامج أوروبا في المنظمة “ماري ستروثرز” إنه “مع عبور الدبابات للحدود السورية انتهزت الحكومة هذه الفرصة لشن حملة محلية لاستئصال الآراء المعارضة من وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والشارع. وأصبحت المناقشات النقدية بشأن القضايا المتعلقة بالحقوق والسياسة الكردية ممنوعة أكثر فأكثر”.
“وتم تشديد القبضة على الكلام المتعلق بالتوغل العسكري، كما تم اعتقال مئات الأشخاص ممن عبَّروا عن آراء معارضة للعملية العسكرية التركية، وهم يواجهون التحقيق معهم بموجب قوانين مكافحة الإرهاب”.
إسكات الصحفيين
في 10 أكتوبر/تشرين الأول، أي بعد مرور يوم واحد على بدء الهجوم، أصدر المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون(RTÜK) ، وهو الهيئة المسؤولة عن تنظيم البث الإذاعي والتلفزيوني، تحذيراً للنوافذ الإعلامية من أنه لن يُسمح أبداً “ببث أي شيء من شأنه أن يؤثر سلباً على معنويات ودوافع […] الجنود، أو يمكن أن يضلِّل المواطنين من خلال نشر معلومات غير مكتملة أو كاذبة أو جزئية تخدم أهداف الإرهاب.”
وفي اليوم نفسه اعتُقل صحفيان، حيث تم استجواب هاكان ديمير من جريدة “بيرغون” Birgün بشأن تغريدة نُشرت على حساب الجريدة الرسمي على تويتر، استناداً إل تقرير “إن بي سي”، وردَ فيه أن “الطائرات الحربية التركية بدأت بشن ضربات جوية على مناطق مدنية.”
وفي الوقت نفسه اعتُقل مدير تحرير موقع “ديكن” – Diken الإخباري فاتح غوخان ديلر إثر نشره مقالاً بعنوان “قوات سوريا الديمقراطية تزعم: مقتل مدنييْن”. واتُّهم كلا الصحفيين “بإثارة الروح العدائية والكراهية” قبل إطلاق سراحهما، مع منعهما من السفر إلى خارج البلاد ريثما تظهر نتائج التحقيقات الجنائية.
كذلك، في 19 أكتوبر/تشرين الأول عند الساعة الخامسة صباحاً اقتحمت الشرطة منزل الصحفية والمدافعة عن حقوق الإنسان نوركان بيسال، التي قالت لمنظمة العفو الدولية: “إن اقتحام منزلي وترويع أطفالي من قبل 30 من أفراد الشرطة المقنَّعين والمدججين بالسلاح بسبب نشر بعض التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي التي تدعو إلى السلام، إنما تبين المستوى الذي وصل إليه قمع حرية التعبير في تركيا.
وفي اليوم نفسه احتُجزت الصحفية أوزليم أورال وتم استجوابها بشأن تغريدات انتقدت فيها “عملية نبع السلام” ونُشرت على حساب آخر على تويتر وليس على حسابها الشخصي. وقد أُطلق سراحها في اليوم التالي، مع منعها من السفر إلى خارج البلاد وفرض مراجعة أحد مراكز الشرطة المحلية في اسطنبول عليها بانتظام، وعدم مغادرة هذه المدينة التي تعيش فيها.
وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول 2019 احتُجزت الصحفية وكاتبة امقالات الرأي نوركان كايا في مطار اسطنبول بسبب انتقادها العملية العسكرية في تغريدة قالت فيها: “إننا نعرف من تجربتنا كيف أن كل ما تسمُّونه عملية سلام هو مجزرة.” وقد أُطلق سراحها في اليوم نفسه بعد استجوابها، ولكنها مُنعت من السفر إلى خارج البلاد.
بيد أن الصحفيين الأتراك لم يكونوا وحدهم مستهدفين. ففي 25 أكتوبر/تشرين الأول أعلن محامو الرئيس أردوغان أنهم قدموا شكوى جنائية ضد مدير ومحرر المجلة الفرنسية “لو بوان” Le Point إثر إصدار عدد 24 أكتوبر/تشرين الأول، الذي حملَ العنوان الرئيسي على الغلاف “تطهير عرقي: أسلوب إردوغان” في تغطيته للعملية العسكرية. وادعى المحامون أن هذا العنوان يمثل إهانة للرئيس، الأمر لذي يُعتبر جريمة بموجب القانون التركي.
استهداف مستخدِمي وسائل التواصل الاجتماعي
في الأسبوع الأول للهجوم وحده، أُخضع 839 حساباً على وسائل التواصل الاجتماعي للتحقيق بسبب “مشاركة محتوى اجرامي”، وذُكر أن 186 شخصاً وُضعوا في حجز الشرطة، وأُعيد 24 شخصاً منهم إلى الحجز بانتظار المحاكمة بحسب ما ذكر بعض الأرقام الرسمية.
وقد احتُجز أحد مستخدِمي وسائل التواصل الاجتماعي واتُّهم بنشر “دعاية لصالح منظمة إرهابية”. وكان قد أعاد نشر ثلاث تغريدات قيل في إحداها: “روجافا ستنتصر”، و “لا للحرب”. وشأنها شأن التغريدات الأخرى، كانت تلك التغريدات أبعد ما تكون عن أن تشكِّل دليلاً على وقوع جريمة معترف بها دولياً.
وقد مُنع هذا الشخص من السفر إلى خارج البلاد، وفُرض عليه مراجعة مركز شرطة محلي مرتين شهرياً. وقال أحد المحامين لمنظمة العفو الدولية: “لقد أصبح استخدام كلمات من قبيل “حرب”، و”احتلال”، و”روجافا” يعتبر جريمة. ويقول القضاء إنه (لا يُسمح بأن تقول لا للحرب)”.
استهداف السياسيين والنشطاء
لقد استخدمت الحكومة “عملية نبع السلام” كذريعة لتصعيد حملتها القمعية ضد السياسيين والنشطاء في المعارضة. ويخضع العديد من أعضاء البرلمان حالياً لتحقيقات جنائية، ومن بينهم سيزغين تانريكولو، الذي يخضع لتحقيق جنائي بسبب تعليقات نشرها في وسائل الإعلام وتغريدة قال فيها إن “الحكومة يجب أن تعرف ذلك، إن هذه الحرب غير مبرَّرة، وهي حرب ضد الأكراد”.
وذكر أعضاء في نقابة المحامين بولاية شانلي أورفة أن ما لا يقل عن 54 شخصاً اقتيدوا إلى حجز الشرطة في الولاية من قبل أفراد شرطة مكافحة الإرهاب في 9 و10 أكتوبر/تشرين الأول. وكان من بينهم أعضاء في حزب الشعوب الديمقراطي اليساري المعارض الكردي الأصل، بالإضافة إلى أعضاء في نقابات العمال اليسارية المعارضة كذلك.
وخلال الأسبوع الأول للعملية العسكرية احتُجز ما لا يقل عن 27 شخصاً، بينهم العديد من الأشخاص المنتمين إلى حزب الشعوب الديمقراطي في ولاية ماردين بتهم تتعلق بالإرهاب. وكانت من بين المعتقلين عمدة بلدية نصيبين المنتخبة. وقامت الحكومة في وقت لاحق باستبدالها، ليحلَّ محلها الحاكم الإداري غير المنتخب.
في 12 أكتوبر/تشرين الأول حذَّرت الشرطة “أمهات السبت”، وهنَّ من ذوي ضحايا عمليات الاختفاء القسري، اللائي كن ينظِّمن اعتصامات سلمية كل يوم سبت منذ عام 2009 لإحياء ذكرى أحبائهن، بأنها ستفضُّ الاعتصام إذا تلفَّظن بكلمة “حرب”. وتم فضُّ التجمع السلمي باستخدام العنف فور قراءة البيان الذي انتقد العملية العسكرية.
وقالت ماري ستروثرز: “إن مناخ الرقابة والخوف المستحكم أصلاً ازداد تعمُّقاً منذ بدء العملية العسكرية، حيث جرى استخدام الاعتقالات والتهم الملفقة لإسكات الأشخاص القليلين الذين يتجرأون على التلفظ بكلمة رفض أو انتقاد “عملية نبع السلام”.
“ويتعين على السلطات التركية التوقف عن كبت الآراء التي لا تعجبها، ووضع حد للقمع المستمر. كما ينبغي وقف الملاحقات القضائية وإسقاط جميع التهم الموجَّهة للأشخاص المستهدفين بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم بشأن معارضتهم للعمليات العسكرية التركية فوراً”.
(amnesty)