من الجهاد العالمي إلى النظام المحلي.. “هيئة تحرير الشام” تبني أشكالاً مختلفة من الشرعية

من الجهاد العالمي إلى النظام المحلي.. “هيئة تحرير الشام” تبني أشكالاً مختلفة من الشرعية

من الجهاد العالمي إلى النظام المحلي.. “هيئة تحرير الشام” تبني أشكالاً مختلفة من الشرعية

من الجهاد العالمي إلى النظام المحلي.. “هيئة تحرير الشام” تبني أشكالاً مختلفة من الشرعية

من الجهاد العالمي إلى النظام المحلي.. “هيئة تحرير الشام” تبني أشكالاً مختلفة من الشرعية

من الجهاد العالمي إلى النظام المحلي.. “هيئة تحرير الشام” تبني أشكالاً مختلفة من الشرعية

من الجهاد العالمي إلى النظام المحلي.. “هيئة تحرير الشام” تبني أشكالاً مختلفة من الشرعية

شارك

من الجهاد العالمي إلى النظام المحلي.. “هيئة تحرير الشام” تبني أشكالاً مختلفة من الشرعية

من الجهاد العالمي إلى النظام المحلي.. “هيئة تحرير الشام” تبني أشكالاً مختلفة من الشرعية

هارون زيلين

تتصرف «هيئة تحرير الشام» حالياً على خطى الأنظمة العربية التي تدّعي أنها تعارضها في جميع أنحاء الشرق الأوسط – من الطريقة التي تحشد بها الدعم المحلي، إلى الانتهاكات التي ترتكبها ضد النشطاء المعارضين لحكمها. وتواصل الجماعة قمع النشطاء المؤيدين للديمقراطية ولم تُظهر بعد أي ندم على جرائم الحرب الماضية التي ارتكبتها أو انتهاكاتها الحالية لحقوق الإنسان.

في الأسبوع الأخير، اجتازت الجماعة الجهادية السورية «هيئة تحرير الشام» («الهيئة») مرحلة مهمة، حيث تخطّت حالياً فترة نشاط سلفها فرع تنظيم «القاعدة» المعروف بـ «جبهة النصرة». ورغم أن «الهيئة» لا تزال منظمة متطرفة، إلا أنها تحاول أن تستمد شرعيتها من فئات مختلفة هذه الأيام. وكما فعلت «جبهة النصرة»، استندت الجماعة في شرعيتها إلى مكانتها ضمن الحركة الجهادية العالمية، ولكن تحت [إسم] «هيئة تحرير الشام»، فهي تسعى إلى بناء سمعتها في الأوساط المحلية لمحافظة إدلب السورية. إلّا أن هذا الشكل الأخير من أشكال الشرعية هو أكثر صعوبة للصقل والتلميع، لأنه يعتمد على كيفية سعي الجماعة إلى حكم ملايين السكان ذوي التطلعات ووجهات النظر المختلفة. ومن المفارقات أن «هيئة تحرير الشام» تتصرف حالياً على خطى الأنظمة العربية التي تدّعي أنها تعارضها في جميع أنحاء الشرق الأوسط – من الطريقة التي تحشد بها الدعم المحلي، إلى الانتهاكات التي ترتكبها ضد النشطاء المعارضين لحكمها.

أشكال شرعية «جبهة النصرة»

في أول فيديو معروف لـ «جبهة النصرة»، تمّ نشره في كانون الثاني/يناير 2012، عرض أمير الجماعة أبو محمد الجولاني مجموعة من نقاط الحوار الجهادية النموذجية. أولاً، تمّ تأسيس «جبهة النصرة» بهدف “إعادة بسط سلطة الله على الأرض”. ثم سَخِر من الدعوات إلى “الحصول على مساعدة العدو الغربي للتخلّص من العدو البعثي”. وحيث وصف هذه الفكرة كـ “مضللة” و”جريمة عظمى… لا يغفر الله عليها”، تساءل “هل من المنطقي التفكير بأنّ المجرمين الذي قتلوا المسلمين وساعدوا على قتلهم في شرق الأرض وغربها سيصبحون الفارس النبيل الذي سيخلّص الأمة من قمع نظام [الأسد] وحاشيته؟” ومن وجهة نظر الجولاني إن “أبناء الأمة، وأنا أحدّد بشكل خاص المجاهدين، هم الوحيدون القادرون على إحداث تغيير حقيقي… من القمع إلى العدالة، ومن الباطل إلى الحقيقة”.

وألمح الفيديو أيضاً إلى عِلم الإيمان بالآخرة في الإسلام ومواقع تراثية مثل “الجامع الأموي” في دمشق. وفي سياق متصل، أعلن أن المنبر الإعلامي الرئيسي لـ «جبهة النصرة» سيحمل اسم “المنارة البيضاء”، وهو اسم المكان الذي سينزل فيه المسيح لمحاربة الدجال كما جاء في الحديث النبوي الشريف. كما يُظهر الفيديو مقاتلين من إدلب ودرعا والغوطة ودير الزور وأبو كمال والميادين وحماة يبايعون الجولاني.

وتَمَثَّل مصدر آخر للشرعية بالنسبة لـ «جبهة النصرة» في تجنيد مقاتلين أجانب. فبفضل الخبرة القتالية الواسعة التي تمتّع بها العديد من كوادرها – بمن فيهم الجهاديون من سوريا ودول أخرى الذين سافروا سابقاً إلى مناطق الحرب في العراق وأفغانستان – تفوّقت الجماعة على العناصر الثورية الأقل خبرة التي انتفضت ضد نظام الأسد. كما تمتعت «جبهة النصرة» والعديد من مقاتليها بإمكانية النفاذ إلى موارد أكبر نظراً إلى علاقاتها المتباينة مع التنظيمين الجهاديين العالميين «القاعدة» و «الدولة الإسلامية». وقد مكّنت هذه الميزات للجماعة من ترسيخ نفسها ضمن ساحة التمرّد المحلي، وتقديم الخدمات الاجتماعية للمجتمعات المحلية، لتصبح في النهاية إحدى أقوى الفصائل المناهضة للنظام.

كيف تسعى «هيئة تحرير الشام» إلى تحقيق الشرعية

عندما انفصلت «جبهة النصرة» عن تنظيمي «الدولة الإسلامية» (في نيسان/أبريل 2013) و «القاعدة» (في تموز/يوليو 2016)، انسحبت بشكل أساسي من الحركة الجهادية العالمية. ومنذ اتخاذها تلك الخطوة، وإعادة هيكلة نفسها كـ «هيئة تحرير الشام»، كان عليها أن تجد مجالات أخرى لبناء شرعيتها وترسيخ سلطتها على جميع الكيانات الأخرى في شمال إدلب وغرب حلب. ويقيناً، لم تتخلَّ الجماعة عن نظرتها العالمية المتطرفة – فهي لم تعد تعتمد بقدر كبير على الروايات والشبكات الجهادية العالمية.

وكما ذكرنا أعلاه، دفع هذا المأزق تدريجياً بـ «هيئة تحرير الشام» إلى محاولة بناء شرعيتها من خلال أساليب مماثلة لتلك التي تستخدمها الحكومات في دول عربية أخرى. وقد ثبت أن القيام بذلك أمر صعب بالنظر إلى أنّ بعض السكان المحليين لا يزالون يشككون بالحملة الصارمة لـ «هيئة تحرير الشام» لإخضاع الكيانات الإسلامية والثورية التي كانت مستقلة سابقاً في المنطقة أو تفكيكها (ناهيك عن شكوكهم القائمة مسبقاً حول أصول الجماعة الجهادية العالمية). ولتبديد مثل هذه الشكوك، غالباً ما تتهم «هيئة تحرير الشام» هذه الكيانات المفككة بإقامة علاقات مع الغرب – على الرغم من أن الجولاني نفسه يسعى حالياً إلى [الحصول على] الشرعية من خلال إقامة علاقات مماثلة هذه الأيام، إذا كانت المقابلات العديدة التي أجراها مع الباحثين الغربيين والصحفيين تمثل أي مؤشر.

وبعد أن انشقت «جبهة النصرة» عن تنظيم «القاعدة» في عام 2016، ولكي تُظهر للسكان المحليين أنها تعيد تأهيل نفسها بعيداً عن الجهاد العالمي، كان أحد تكتيكاتها الأولى هو اعتماد لغة الثورة. يُذكر أنه لم يكن لأفراد «جبهة النصرة»/«هيئة تحرير الشام» أي صلة بالانتفاضة السورية الأساسية – في الواقع، كانت لديهم خلافات أيديولوجية شديدة مع أولئك الذين انتفضوا ضد نظام الأسد، واعتبروا خطاب الثورة وأهدافها بديلاً قومياً غير شرعي عن جهادهم العادل. ومع ذلك، فعلى مدار السنوات الخمس الأخيرة، أصبحت الرسائل المرتبطة بالثورة جزءاً أساسياً من معجم «هيئة تحرير الشام».

وفي آب/أغسطس 2017، كتب المسؤول عن الشريعة في «هيئة تحرير الشام» أنس الخطاب مقالة تُضفي الشرعية على استخدام مصطلح “ثورة”، بما يتعارض مع [الرأي الذي اعتمده] الإيديولوجي الجهادي العالمي أبو محمد المقدسي، الذي انتقد أفراد الجماعة لقيامهم بهذا التحوّل. ومنذ ذلك الحين، ذهبت الجماعة إلى أبعد من ذلك، في محاولة لتصوير نفسها كجزء أساسي من الثورة (على الرغم من عدم [اعتمادها] لغة قومية أكثر صراحة، على سبيل المثال، تستخدم “الأمة” بدلاً من “الوطن”). وبالمثل، على الرغم من استمرار «هيئة تحرير الشام» في امتناعها عن اعتماد علم الاستقلال السوري الأخضر، إلا أنها تتساهل على نحو متزايد مع المحليين الذين يستخدمون هذا الرمز في المظاهرات والمناسبات الأخرى.

كذلك، تستخدم الجماعة ممارسات شائعة للتعبئة والحشد من أجل بناء شرعيتها محلياً. وعلى وجه الخصوص، شهد هذا العام المزيد من حالات المشاركة القبلية من قِبل «هيئة تحرير الشام» أكثر من أي وقت مضى. فقد زاد الجولاني وغيره من المسؤولين من وتيرة اجتماعاتهم مع الجهات المعنية المحلية، وعادة خلال شهر رمضان وعيد الأضحى، ولكن في ظروف أخرى أيضاً. وفي آخر عطلة عيد قبل أسبوعين تقريباً، التقى وفد بقيادة الجولاني مع جنود وأعيان من مناطق مختلفة من إدلب (بمن فيهم البعض من “جبل الزاوية”، الذين تعرضوا مؤخراً لقصف جوي روسي)، ومع أفراد مشرّدين من منطقة حلب. وقد تكتسي هذه المجموعة الأخيرة أهمية خاصة بسبب الشائعات التي تفيد بأن «هيئة تحرير الشام» كانت تسعى إلى توسعة رقعة انتشارها السري والدبلوماسي لتطال أراضٍ مجاورة يسيطر عليها «الجيش الوطني السوري»، وهو جماعة من الثوار مدعومة من تركيا.

ويتمثل تشابه آخر بين «هيئة تحرير الشام» والأنظمة الاستبدادية العربية (بما فيها نظام الأسد في الماضي) في استغلال الجماعة لقضايا مثل الدفاع عن النبي محمد وفلسطين. ولا يتمثل الهدف من إثارة هذه القضايا في حشد الدعم المحلي فحسب، بل في صرف النظر أيضاً عن سجل الجماعة السيئ في الحكم. على سبيل المثال، أقامت «هيئة تحرير الشام» معارض مجتمعية لتثقيف الناس حول هذه القضايا والحشد للمظاهرات. ويقيناً، ليس هناك شك في أن «الهيئة» وأنصارها يهتمون فعلاً بهذه القضايا. ومع ذلك، فهم يحوّلونها إلى أداة بطريقة استعراضية وسياسية بدلاً من أن يُعتبر دعمها ذو منحى إيديولوجي.

التداعيات السياسية

من منظور السياسة الأمريكية، من المهم أن يفهم المرء أن «هيئة تحرير الشام» اليوم لا تشبه «جبهة النصرة» التي كانت قائمة في الأمس. وفي الوقت نفسه، سيكون من الخطأ أن تحتضن واشنطن «هيئة تحرير الشام» وتنخرط معها بشغف. فالجماعة تطرح مشاكل مماثلة لتلك التي تثيرها «حماس» و«حزب الله»، وإن كان ذلك دون رعاية الدولة الإيرانية. إن السيطرة التي تفرضها «هيئة تحرير الشام» هي حقيقة على أرض الواقع، ولكنها أيضاً نموذج يتعارض مع القيم والمصالح الأمريكية. وتواصل الجماعة قمع النشطاء المؤيدين للديمقراطية ولم تُظهر بعد أي ندم على جرائم الحرب الماضية أو الانتهاكات الحالية لحقوق الإنسان. إن عدم محاسبة «الهيئة» عن هذه التجاوزات من شأنه أن يقوّض تعهّد إدارة بايدن بالترويج لحكم منفتح وديمقراطي، والعودة بشكل أساسي إلى السياسة الفاشلة المتمثلة في دعم الحكم الاستبدادي المحلي الذي يعود بالفائدة فقط على من هُم في السلطة.

المصدر: معهد واشنطن للدراسات

شارك