جسر – تقرير
نفّذ سلاح الجو الأمريكي، اليوم الخميس 3 شباط/ فبراير، عملية عسكرية نوعية في شمال غربي سوريا، على مقربة من الحدود التركية، وبينما رفض المسؤولون الأمريكيون الإفصاح عن هوية الشخص المستعدف، والذي وصفته الصحافة الأمريكية بالصيد الثمين، ترددت أنباء إلى أنّه من الممكن أنْ يكون المستهدف هو “أيمن الظواهري” زعيم تنظيم “القاعدة”.
إلاّ أنّ معلومات أخرى رجّحتْ أنْ يكون المستهدف هو “أبو إبراهيم الهاشمي القرداشي” المعروف بـ”حجي عبد الله القرداشي، والذي بويع كحليفة لأبي بكر البغدادي زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، الذي قتل على يد القوات الأمريكية في محافظة إدلب شنالي غربي سوريا في العام 2019.
فمن هو حجي عبد الله قرداش؟
وفي تقرير لمحطة “BBC” نشرته في وقت سابق، قالت، إنّ قرداش نجا من ضربة كادت تودي بحياته وحياة زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية” (أبو بكري البغدادي) في العام 2017 في العراق.
وحسب التقرير، أنّ “قرداش” بقي قرداش في الظل وبعيداً عن الأنظار، رغم أنه من الشخصيات التي كانت تُعد مبكراً لتتبوأ مناصب قيادية كبرى ضمن أي تغييرات قد تطال بنية التنظيم، بحسب ما اطلعت بي بي سي في الكثير من الوثائق والشهادات.
ونقل التقرير عن “سالم الجبوري” أنّ قرداش أصيب في تلك العملية التي قتل فيها مرافقه ونقل على الفور لأحد المستشفيات في بلدة هجين على الجانب الآخر من الفرات، قبل ان يُنقل لاحقاً إلى محافظة إدلب.
ورغم إشارة بعض التقارير لاحتمال وجود البغدادي في البوكمال آنذاك، إلا أنه لم يُذكر مطلقاً وجود قرداش برفقته، ومن خلال مراجعة ما بثه إعلام التنظيم طيلة سنوات سيطرته المحكمة في سوريا والعراق، يبدو واضحاً الحرص على عدم تسليط الضوء على أي نشاط أو دور لعبد الله قرداش على الإطلاق، وهو الأمر المتبع مع كبار قادة التنظيم.
يقول سالم إنه حين التقى قرداش في البوكمال كان يستخدم قدماً اصطناعية بدلاً عن قدمه اليمنى التي فقدها في قصف جوي سابق استهدفه خلال حكم التنظيم لمدينة الموصل عام 2015.
وبعد مغادرة قرداش شرق الفرات إلى إدلب بقليل، رافق سالم زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي الذي اضطر لعبور النهر إلى مناطق شرقي الفرات، بعد تأكد خسارتهم لمعركة البوكمال، حيث بدأ من هناك استكمال المعارك بالتزامن مع العمل على إعادة هيكلة التنظيم وتحديد أولوياته مع عبد الله قرداش، تمهيداً للعودة إلى ما يعرف في أدبيات التنظيم بما قبل “التمكين”.
ووفقاً للتقرير، أكدت واشنطن والاستخبارات العراقية أن أبو إبراهيم الهاشمي القرشي هو عبد الله قرداش أو حجي عبد الله، رغم تحفظ التنظيم وعدم الكشف عن أي معلومات عن الرجل. ورفعت وزارة العدل الأميركية الجائزة لمن يدلي بمعلومات تقود لقتله أو اعتقاله لعشرة ملايين دولار أميركي.
وكشفت “بي بي سي” أنّ قرداش من الرعيل الجهادي الأول في العراق، وأنه تدرج في مناصب دينية وأمنية كبيرة داخل التنظيم طيلة العقدين الماضيين، وأنه يعمل حالياً متخفياً من مناطق نفوذ سيطرة قوات سوريا الديمقراطية لإعادة بناء التنظيم، بحسب ما أكد مصدران استخباراتيان عراقيان.
ينحدر قرداش من بلدة المحلبية ذات الغالبية التركمانية، التي تبعد 35 كليو متر عن مدينة الموصل إلى الغرب، وبحسب سجلات خلية “الصقور” الاستخباراتية العراقية، فإن عبد الله قرداش، واسمه الكامل أمير محمد سعيد عبد الرحمن السلبي المولى،ولد في بلدة المحلبية التابعة لمحافظة نينوى عام 1976، لوالدٍ كان مؤذناً في أحد الجوامع، ومتزوج من امرأتين أنجبتا سبعة ذكور، أمير أصغرهم، إضافة إلى تسع إناث.
ويقول الرائد أحمد إن عبد الله قرداش كان يدير أغلب أمور “دولة الخلافة” حتى قبل مقتل أبو بكر البغدادي، وهو معروف في أوساط التنظيم على أنه صاحب فكر ودراية كاملة بعناصر التنظيم، على اعتبار أنه بدأ العمل معهم منذ العام 2003-2004.
ويقول المعتقل عمر إنه التقى عبد الله قرداش ثلاث مرات حين كان على رأس عمله في الجهاز الأمني للتنظيم في الموصل، وإنه كان يشغل منصب قاضي الدولة، بمثابة وزير العدل، وأنه بالإضافة لذلك كان يشرف على ديوان الجند والدواوين الأربعة عشر الأخرى.
وتعرف عمر على صورة قديمة لأمير عرضناها عليه، وأكد أنه هو عبد الله قرداش، لكنه اختلف كثيراً لاحقاً، إذ بات كث اللحية ويلبس عمامة ولباساً عسكرياً، كما يحمل سلاحه معه أينما حل.
يقول الرائد أحمد إن حجي عبد الله كلف بتأسيس معهد في “كلية الإمام الأعظم” في مدينة الموصل، لإعداد القضاة ورجال الدين، وهو منصب في غاية الأهمية بالنسبة للتنظيم للحفاظ على استمرارية فكره، على حد قوله.
وبحسب سجلات خلية الصقور، فإن أمير كان يواظب على الحضور في المعهد ويلقي عدة محاضرات في الأسبوع لرجال الدين الذين يسميهم التنظيم بالشرعيين وكذلك للقضاة، وإنه كان من بين المحاضرين في المعهد أيضاً عبد الرحمن القادولي، المعروف بأبي علي الأنباري، أحد أهم الشخصيات في قيادة التنظيم.
بعد بدء عمليات التحالف ضد التنظيم عام 2015، قُتلت مجموعة من أهم قيادات الصف الأول، ومن بينهم أبو معتز القرشي المعروف بأبي مسلم التركماني الذي كان يشغل منصب نائب البغدادي وقتل بقصف جوي استهدف سيارته في الموصل، وأبو علي الانباري الذي واكب انضمام عبد الله قرداش للتنظيمات الجهادية منذ اليوم الأول، وقُتل بتفجير نفسه خلال اشتباك مع قوة أمريكية اعترضت طريق عودته للعراق قادماً من سوريا.
ويقول المعتقل عمر إنه بمقتل هذين الرجلين على وجه التحديد، وغيرهم من قياديي الصف الأول والثاني، لم يتبق للبغدادي من خيار إلا الاعتماد على حجي عبد الله ذو المعرفة الدينية والأمنية والتنظيمية الكبيرة.
أثار اختيار عبد الله قرداش كخليفة للبغدادي نقاشاً كبيراً داخل أوساط التنظيم وصل حتى السجون بشأن خلفيتها لإثنية، وما إذا كان من أصول عربية او تركمانية، وهو ما سبب جدلاً كبيراً بشأن أحقية تسلمه لهذا المنصب.
وحصلت بي بي سي على وثيقة الجنسية العراقية التي أصدرت للطفل أمير عام 1988، والتي تشير إلى اسمي والديه، وكلاهما توفيا منذ سنوات، وتوضح الوثيقة أن مسقط رأسيهما هي بلدة “الشورة” ذات الغالبية العربية وليس التركمانية.
لكن البحث في أسباب ذلك لا يثبت أصل أمير العربي، إذ لا يعني ذكر “الشورة” كمسقط لرأس والديه أنهما يتحدران من هناك، وإنما يعود سبب ذلك لتبعية قرية “المحلبية” إدارياً لبلدة “الشورة” في ذلك الوقت، قبل أن يقوم نظام صدام حسين بإعادة هيكلة المحافظة، وتحويل “المحلبية” لناحية تتبع إدارياً محافظة نينوى.
ويقول خبير الأنساب في ولاية نينوى نزار السعدون لبي بي سي إن أصول غالبية عائلة المولى في محافظة نينوى عربية، وتعود لفرع عشيرة البوريشة العباسيين، بمن فيهم موالي المحلبية، وكلهم يرجعون لبني هاشم، لكنه رفض أن يدخل في تفاصيل نسب عائلات بعينها لما قد يتسبب به ذلك من حساسيات وأزمات بين العشائر المعنية.تي سكنها أمير في تلك المرحلة، وقال إن تنظيم القاعدة استطاع السيطرة على المدينة لبعض الوقت بين 2004 و2005 قبل أن يتم طرده، وإن قيادات التنظيم وعناصره هربوا إلى مناطق أخرى، وأن أمير بالتحديد انتقل إلى مدينة الموصل.
فور انتقاله للموصل عام 2004، أكمل أمير الماجستير في الدراسات الإسلامية، وسرعان ما تدرج في تنظيم القاعدة، خاصة بعد مقتل الزرقاوي وإعلان خليفته ابو عمر البغدادي إقامة ما سمي بـ”دولة العراق الإسلامية”.
وتسلم أمير الذي عُرف في ذاك الوقت باسم أستاذ أحمد أيضاً، منصب “الشرعي العام” في الموصل عام 2007، وهو منصب كبير تمتد مهامه للكثير من تفاصيل الحياة الدينية والقضائية. كما تسلم أيضاً لفترة وجيزة نائب أمير الموصل قبل أن يتفرغ مجدداً لمنصبه كـ”شرعي عام”.
وحصلت بي بي سي على صورة هويته الشخصية التي صدرت عام 2007، والتي توضح كيف كان يبدو شكله في تلك الفترة.
يقول الرائد أحمد إن أمير سكن جامع الفرقان في حي البعث في الجانب الأيسر من الموصل لبعض الوقت، وهو الجامع الذي كان يسكن فيه والده قبل أن يتوفى عام 2001، وأن أمير كان يلقي محاضرات في هذا الجامع بالتحديد.
في مطلع عام 2008 داهمت قوة أميركية موقع أمير في الموصل واعتقلته، وأودع سجن بوكا، ومنح الرقم 326175 بحسب ما تظهر سجلات خلية الصقور. وخلافاً لما يُعتقد، لم يلتق أمير بأبو بكر البغدادي في هذا السجن، إذ كان البغدادي قد أُطلق سراحه بعد فترة اعتقال قصيرة انتهت عام 2004.
خضع أمير لتحقيقات أميركية مكثفة طيلة أشهر، واطلعت بي بي سي على بعضها لدى الاستخبارات العراقية.لكن اللافت فيها أن أمير أصر خلالها على أنه انضم للتنظيم في آذار مارس عام 2007 وليس قبل ذلك، وأنه كُلف بمنصب “الشرعي العام” فور التحاقه، بالإضافة لتعيينه نائباً لأمير الموصل في ذات العام.
بعد الاتفاق الأميركي العراقي عام 2009، وتسليم المعتقلين من السجون التي كانت تديرها قوات التحالف إلى الحكومة العراقية، تم إطلاق سراح أمير ضمن ترتيبات غير واضحة.
وتكشف بعض نصوص التحقيق التي سربتها واشنطن مع أمير إلى أنه تعاون بشكل كبير مع المحققين في الإدلاء بالكثير من المعلومات عن قيادة وعناصر التنظيم، بحسب ما توضح دراسة أعدها مركز محاربة الإرهاب الذي حصل على بعض هذه التحقيقات، والتي لا تشكل سوى ثلاثة محاضر من أصل 66 جلسة.
بعد خروجه، إستصدر امير بطاقة هوية ثانية عام 2012 حصلت بي بي سي على نسخة منها، توضح بعض التغير الذي طرأ على شكله آنذاك.
يقول الرائد أحمد إنه وفور خروجه من السجن التحق بأبي بكر البغدادي الذي كان قد تسلم زعامة التنظيم بعد مقتل أبو عمر البغدادي، ليعمل مجدداً كـ “شرعي” في محافظة نينوى.