جسر: تقارير:
استقبل سكان الشمال السوري شهر رمضان العاشر في الثورة السورية مع غياب شبه تام لمراسم استقبال الشهر كما جرت العادة قبل عام 2011.
أهالي الشمال السوري وصفوا رمضان الجاري بـ “الأقسى”، من حيث الظروف التي يعيشونها، ولم يمنعهم ذلك من تذكر أيام مضت، كان لرمضان بطقوسه المختلفة شهراً يهل بالخير على الجميع، غير ناسين اجتماع الأسرة على شاشة التلفاز لمتابعة الأعمال التلفزيونية المحببة، معبرين عن آمالهم أن تعود تلك الأيام، ولكن في بلد حر كريم كما يستحق.
لا كهرباء
يرى معظم من حاورتهم “جسر” أن انقطاع التيار الكهربائي بشكل كامل عن الشمال السوري منذ سنوات، جعل من التلفاز أدنى اهتمامات الأسرة بشكل تدريجي، حتى تلاشت مشاهدته في معظم المنازل.
يقول “خالد الحسن”، المقيم في مدينة إدلب إن “ساعتين ونصف هي المدة التي أحصل فيها على تيار كهربائي، عن طريق مولدة كهربائية، وخلال هذه الفترة لا يسعني إلا أن يشحن المدخرات لاستخدامها في الإنارة المنزلية بقية الليلة”، وتبلغ تكلفة الحصول على الكهرباء في إدلب لمدة ساعتين فقط نحو 2000 ليرة سورية.
ويرى “الحسن” أن “لا وقتاً كاف لمتابعة التلفاز في هذه المدة القصيرة بالنسبة له”، مشيراً إلى أن هذا حال معظم الأشخاص الذين يستطيعون الحصول على ساعات معدودة من الكهرباء على مدى الأسبوع، في وقت تتزايد التلكفة المادية الناتجة عن تشغيل المولدات الكهربائية التي تعمل على الوقود، ما دفع قسم كبير من العزوف عن استخدامها مستعينين بشحن المدخرات عبر ألواح الطاقة الشمسية مع غياب التيار الكهربائي، عن عموم الشمال السوري للعام التاسع.
٢٠١١ عام انتهاء التلفاز
يقول “عبد الكريم” وهو شاب نازح من ريف حلب الجنوبي إلى شمال إدلب إنه “قبل عام 2011 كان يدائب كغالبية أفراد المجتمع السوري على مشاهدة المسلسلات السورية في ليالي شهر رمضان، أبرزها الأعمال الفنية ذات البيئة الشامية والتي تصدرها مسلسل “باب الحارة”، لسنوات.
ووفي الوقت الحالي يستعين الشاب بهاتفه المحمول لمشاهدة بعض المسلسلات التركية من خلال الانترنت، حيث باتت حالات مشاهدة التلفاز شبه معدومة في كثير من المناطق، ورداً على سؤال كيف يقضي الأطفال وقتهم في أجواء شهر رمضان أجاب “بطبيعة الحال يقضون معظم الوقت بمشاهدة برامج الكرتون بواسطة الهاتف الذكي”.
أما الشاب “أحمد” يرى بأن شهر رمضان الحالي يختلف تماماً عن رمضان قبل عام2011، حيث أنه محروم من الأجواء العائلية حالياً، بسبب ظروف النزوح بعد أن اعتاد على سفرة العائلة في رمضان، قد يجبر بالإفطار على “سندويشة”، في الشارعـ لذلك يصف حجم الاختلاف قائلاً باللهجة العامية: ”الفرق متل بين السما والأرض”.
النزوح يمنع الترفيه
ويقول “أبو أيهم الثلجي”، وهو مدرس في مخيمات النزوح في منطقة شمال إدلب في حديثه لـ “جسر” إن “الناس كانوا يستقبلون شهر رمضان بكثير من الفرح والسعادة وتجهيز المنازل والأدوات الترفيهية مثل المكيفات والمراوح ناهيك عن مستلزمات الشهر من المواد الغذائية والمأكولات بكثرة، وباتت الأجواء حالياً وقت طويل يصعب سد فراغه مع غياب وسائط الترفيه والتسلية التي اعتاد عليها المجمتع السوري سابقاً”.
وعن نشاطات شهر رمضان الحالي يقول “الثلجي”، إنها “استثنائية من حيث قلتها على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، وبالنسبة إلى أدوات الترفيه والتسلية الحالية فقد نابت الهواتف المحمولة عن شاشات التلفزة أما نشاطات التنزه فهي معدومة بشكل تام لدى معظم النازحين، بسبب الأحوال المادية الناتجة عن ظروف الحرب”.
غياب رائحة “الكعك”
يرى الناشط الإعلامي “عمر حاج أحمد”، أن أسواق رمضان سابقاً كانت تضجّ قبل بدء الشهر بأيام، وتعمل كل عائلة على استحضار بعض المأكولات والزينة الخاصة برمضان، ولكن اليوم هذه المأكولات شبه منقطعة عن موائد الصائمين لغلائها أو انقطاعها من الأسواق، في حين رائحة الكعك كانت تملؤ أزقة الشوارع بهذا الشهر، أما الآن فلا يملؤها إلا القهر والحسرة فحتى الكعك باتت تكلفته تفوق دخل العائلة لأسابيع.
تفكك العلاقات الاجتاعية
وتغيرت العادات الاجتماعية في الشمال السوري عن السابق خلال شهر رمضان، إذ كانت تجتمع عدة عائلات مع بعضها أو يجتمع أفراد الأسرة الواحدة على مائدة واحدة، أما الآن فكل فرد من أفراد هذه العائلة ببلد أو مخيم مختلف عن الآخر، بسبب النزوح والتهجير وحتى في الأعياد يصعب اجتماعهم أحياناً.
وحتى طقوس الصلاة اختلفت، فقلّما نجد العبادات الجماعية مثل إحياء ليلة القدر أو سهرات الأناشيد الدينية، وذلك لعدة أسباب أبرزها عدم توفر الأمان وكثرة الأيديولوجيات الدينية التي حرّمت بعضها وأبيحت بعضها، وبالمجمل أيام وليالي رمضان سابقاً اختلفت بشكل كبير عما هي عليه اليوم، بسبب فقدان هذه العوائل لأحد أفرادها أقل ما يمكن بسبب الحرب، أو بسبب تباعدها عن بعضها بسبب النزوح، أو بسبب الفقر المدقع الذي حلّ بغالبية السوريين في الشمال السوري.