“نبع السلام”: ترسيم مناطق النفوذ

“نبع السلام”: ترسيم مناطق النفوذ

“نبع السلام”: ترسيم مناطق النفوذ

“نبع السلام”: ترسيم مناطق النفوذ

“نبع السلام”: ترسيم مناطق النفوذ

“نبع السلام”: ترسيم مناطق النفوذ

“نبع السلام”: ترسيم مناطق النفوذ

شارك

“نبع السلام”: ترسيم مناطق النفوذ

“نبع السلام”: ترسيم مناطق النفوذ

جسر: رأي:

انترنت

على الرغم من بعض المناوشات هنا وهناك، والتفجيرات “الروتينية”، يمكن القول إن الأوضاع قد استتبت في منطقة عمليات “نبع السلام”، أي في الشريط الحدودي الممتد بين مدينتي تل أبيض ورأس العين، بشكل نهائي تحت السلطة التركية، سواء من حيث السيطرة العسكرية المباشرة، أو من حيث التوافقات الدولية، وغدا أمراً واقعاً شأنه في ذلك شأن مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون”.

حدود السيطرة التركية

لم تتجاوز قوات “الجيش الوطني” المدعومة من تركيا طريق M4 الدولي القامشلي-حلب، بل لم تصل إليه في الكثير من المناطق. والأكثر دلالة، أن قوات “الجيش الوطني” قد انسحبت من 11 قرية في منطقة تل ابيض، تقع على الطريق M4 مباشرة، بعد السيطرة عليها. ويشير ذلك إلى وجود اتفاق محدد وخريطة انتشار متفاهم عليها بين أطراف النزاع.

في منطقة تل ابيض يبدو أن القوات الأميركية، التي لا تزال في قاعدة الجلبية، هي من يرسم حدود التقدم التركي، فيما بدأت الشرطة العسكرية الروسية برسم الحدود شرقاً في منطقة رأس العين. وعلى الرغم من الضجيج الاعلامي المتبادل حول “اكتساح” فصائل “الوطني” لريفي المدينة الشرقي والجنوبي، إلا أن خط الجبهة لم يشهد تبدلات جذرية، وما زالت المعارك تدور بالقرب من الطريق الدولي جنوباً، وبعض البلدات “المتنازع” عليها شرقاً، والتهاون الروسي هنا وهناك، هو للضغط على “وحدات الحماية” الكردية واجبارها على الخضوع لإملاءت موسكو، لا أكثر.

ترسيم الحدود على هذه الصورة واستقراره عليها، تدعمه عودة قوات نظام الأسد إلى الانتشار في الخط الثاني لجبهات القتال خاصة في تل تمر، بعدما انسحبت منها، واسناد “الوحدات” التي تقاتل في الخطوط الامامية. قوات النظام بدأت إنشاء مقرات لها في المنطقة تمهيداً لإعلان سيطرتها عليها بشكل كامل، وهو ما يبدو مطلباً من انقرة، التي لا تمانع في فرض نظام الأسد سلطته في المنطقة ولا تعتبره عدواً هناك، بدلالة إعادة 18 من عناصره الذين وقعوا في قبضة “الجيش الوطني”، وعدم توجيه أي ضربات لقوات النظام المنتشرة في المنطقة ما لم تبادر هي إلى الهجوم كما حدث في منطقة تل تمر.

“نبع السلام”

لم تتأخر تركيا كثيراً في فرض سلطتها الإدارية ايضاً على الجيب المسيطر عليه، وبما أن منطقة تل ابيض تبدو الأكثر استقراراً فقد عمدت مباشرة إلى تعيين مجلس بلدي من أبناء المدينة الموالين لها، لإدارة شؤونها، فيما عهدت لولاية شانلي أورفا المجاورة تأسيس إدارات تابعة لها في المدينة وقراها، على النهج الذي سارت عليه ولاية غازي عينتاب في مناطق “غص الزيتون” و”درع الفرات”. وتم اطلاق “مركز تنسيق منطقة نبع السلام” الذي يضم 26 جهة من المؤسسات العامة والإدارات المحلية والمنظمات المدنية في تركيا، بهدف تنظيم الحياة الإدارية والاقتصادية والخدمية في المنطقة. فيما أعلنت وزارة الداخلية في “الحكومة السورية المؤقتة” عن فتح باب التطوع للعمل في الشرطة المحلية.

ويبدو أن الاستعجال التركي مدفوع برغبة الانتقال إلى المرحلة التالية والأهم؛ دفع اللاجئين السوريين إلى تلك المنطقة، وتوطينهم هناك. وبدأ ذلك بالطلب إلى مقاتلي عملية “نبع السلام” السوريين، ارسال قوائم بأسماء عائلاتهم، ليتم نقلهم إلى المنطقة أولاً. ويبدو ذلك اجراءً تمييزيّاً لهم، لكون عملية التوطين ستتضمن نوعاً من “الاغداق” التركي، بغرض اجتذاب اللاجئين السوريين العرب إليها. وباستثناء مدينة رأس العين، فالشريط الحدودي رأس العين-تل أبيض، هو بالأصل منطقة ذات أغلبية عربية.

وقيل إن الحكومة التركية تخطط لإنشاء تجمعات سكنية عديدة وواسعة في السهل الممتد من تل ابيض ورأس العين، يتم بناؤها من قبل شركات تركية، وتوزع على الراغبين مجاناً، بالإضافة إلى تقديم الخدمات وتمكينهم من سبل العيش والاستقرار النهائي، خاصة للمهجرين الذين فقدوا الأمل بالعودة إلى مناطقهم، وللنازحين العرب المتواجدين في ولاية شانلي أورفا، والذين سيكون بإمكانهم الاستقرار في مناطق قريبة من بلدات الرقة والحسكة وديرالزور التي هُجّروا منها قسراً.

الطرف الكردي: تقليدي

أمام هذه الحقائق الميدانية الصلبة التي يتم ترسيخها بالقوة العسكرية والتفاهمات الدولية، لا يزال الطرف الكردي متخبطاً، وتكشف ردود فعله عن ضعف بنيوي في المؤسسات التي بناها خلال السنوات الماضية في ظل الوجود الأميركي، وأظهرت قدراً غير متوقع من الهشاشة واللاواقعية. ويبدو أن الهزائم المتوالية بدأت تنعكس على الحالة الداخلية الكردية، بانقسام وتبادل اتهامات وتحميل للمسؤولية، مع ازدياد أعداد اللاجئين والنازحين والمُهجرين الأكراد الذين أصبحوا عبئاً ثقيلاً تزداد وطأته منذ معركة عفرين.

“الوحدات” الكردية بدأت بإحراق الورقة الأخيرة المتبقية لديها، وهي التعاطف الدولي، على أثر بعض الانتهاكات التي اقترفتها القوات الموالية لتركيا أثناء عملية “نبع السلام”، وذلك من خلال موجة تفجيرات طالت المدنيين في تل أبيض وعفرين وجرابلس، واتهمت بها “الوحدات” الكردية، التي لم تنفِ التهمة. في الوقت الذي تلقفت فيه وسائل الاعلام التركية، والأخرى الداعمة لها، هذه الحوادث لشن حملة مضادة، منظمة ومؤسساتية، على “الوحدات” الكردية، يبدو أنها لن تتوقف قبل أن تجبر كافة الأطراف التي تعاطفت من “الوحدات” على سحب تعاطفها على الأقل، هذا إذا لم يتم اقناعها بأن تلك القوات “إرهابية” بالفعل.

والآن.. ما الخطوة المقبلة؟

متلطياً خلف الشرطة العسكرية الروسية، كسب نظام الأسد السيطرة بلا جهد يذكر على مناطق شاسعة ما كان يحلم بالوصول إليها لولا عملية “نبع السلام”. ومكاسبه السهلة تبشر بالمزيد فيما لو نفذ اشتراطات انقرة بتفكيك الكيان الكردي في شمال منطقة القامشلي وما حولها، بعد ان يحكم قبضته على “قواعده الاجتماعية” المتمثلة بالبلدات والمدن ذات الأغلبية الكردية المنتشرة على الحدود. ولن يبذل النظام الكثير من الجهد للاستحواذ عليها، فالأتراك سيواصلون التهديد باقتحامها، حتى تسلم “الوحدات” الكردية مفاتيح آخر قرية لبشار الأسد. وبعدها سيبدأ التفاوض على الحل النهائي في سوريا، والذي سيتضمن انسحاب تركيا من الجيوب التي تم إسكان اللاجئين فيها، ورعايتهم، وهي الورقة التالية التي ستلعبها أنقرة وتتذرع بها للإبقاء تلك المناطق تحت سيطرتها في المدى المنظور، لتضمن دوراً فاعلاً للمعارضة السورية المرتبطة بها في مستقبل سوريا.

وفيما يعرف الجميع تقريباً ما يتوجب عليهم فعله، سيبقى مظلوم عبدي ورفاقه في حيرة من أمرهم، فإما الالتحاق بالقوات الأميركية التي ترابط عند حقول النفط في المنطقة العربية جنوباً، وإما العودة إلى قنديل، وبث الأغاني الحماسية التي تبشر باستعادة عفرين وكريسبى وكوباني وعامودا وغيرها.

 

(المدن)

شارك