جسر: ثقافة:
عين ماء، ومنارة أثرية على تلة عُرفت باسمها على بعد 60 كم إلى الجنوب الشرقي من ديرالزور، ومسجد إلى جوارها أُزيل في عام 1956، وبعض البيوت التي هجرها سكانها، كيف تحولت إلى مزار ومشهد وحسينية؟
ذُكرت عين الماء في المصادر التاريخية باسم عين أباغ، حيث يذكرها الرياشي “عين أباغ بين بغداد والرقة”، وتعتبر عين علي (عين أباغ) آخر بلاد العراق وأول بلاد الشام، حيث جرت في هذا السفح معركة بين الغساسنة وملوك لخم “ملوك الحيرة”، وكان عندها في الجاهلية يوم لهم حيث قتل فيه المنذر بن المنذر بن امرئ القيس اللخمي فقال الشاعر:
بعين أباغ قاسمنا المنايا فكان قسيمها خير القسيم
لا يُعرف تاريخ الموقع على وجه التحديد إلا أن المئذنة على الأغلب تعود إلى الفترة العباسية المتأخرة، وهي منارة لها شكل مثمن الأضلاع وشرفات مزخرفة وبعض المحاريب، ويُصعد إلى أعلاها بدرج حجري حلزوني مبني في وسطها، وتبدو كمنارة تهدي القوافل القادمة من العراق إلى الشام وبالعكس.
يسمي البعض هذا المكان بالمشهد، وبعض الناس يغتسل في العين ولهم في ذلك اعتقادات. وحيث أنه لم تُجر في الموقع تنقيبات أثرية للتعرف على أصل المكان ووظيفته، فإن ما تبقى من تاريخ المكان هو أنه موقع كان معروفا ومسكونا في القرن السادس الميلادي، ثم أُطلق عليها محلياً “عين علي”، بعد أن أُقيم المسجد إلى جوارها يرافقه في ذلك المئذنة السابق ذكرها.
ومما يذكره الموروث الشعبي، فإن نبع المياه الكبريتية القريب من المئذنة (عين علي)، سُميت بهذا الاسم لأن نبع الماء تفجّر تحت حافر خيل علي بن أبي طالب، حين كان في طريقه إلى معركة (صفين) قرب الرقة، عندما عطش جيشه، وأنه أقام في هذا المكان ثلاثة أيام، كما تنادي النسوة عند زيارتهن للموقع (جينا نزورك، علي يا أبو حسين دستورك).
وخلال فترة وجود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في المنطقة، قام بإزالة المزار وهدمه، علماً أنه لا ينتمي إلى علي بن أبي طالب رغم تضارب الروايات حول مروره بهذا المكان، وتمت تسوية الموقع بالجرافات، بحجة أنه موقع يدعو للإشراك.
في 2007 حاولت شركة بناء بحرينية الحصول على تراخيص سياحية لإنشاء مركز استشفاء ومكان للتبرك بمياه النبع في المنطقة، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل. ثم قامت الميليشيات اﻹيرانية في عام 2019 بتحويل النبع إلى مزار ديني مقدس، وإقامة الأسوار حوله، وتشييد قبة فوق النبع محاطة بالقناطر والأقواس، وزراعة النخيل، مع إضافات أخرى بعيدة عن أصل الموقع الأثري، مما أضر بآثاره وأفقده هويته الأساسية، فأصبح مقصدا للحجيج من الشيعة يتبركون بماء النبع، ويطلون رؤوسهم بالطين؛ وكل ذلك بحجة إعادة بناء ما دمره تنظيم “الدولة الإسلامية”.