نحو صيف حار في شرق المتوسط

نحو صيف حار في شرق المتوسط

نحو صيف حار في شرق المتوسط

نحو صيف حار في شرق المتوسط

نحو صيف حار في شرق المتوسط

نحو صيف حار في شرق المتوسط

نحو صيف حار في شرق المتوسط

شارك

نحو صيف حار في شرق المتوسط

نحو صيف حار في شرق المتوسط

جسر: رأي:

يسعى العالم كله إلى إعادة ترتيب أولوياته. الدول الكبرى والصغرى تحاول ذلك، مثلما تحاول قوى سياسية وتيارات شعبية وميليشيات وثورات.

فرض وباء كورونا سياسات وشجّع على تدابير. غيّر سلوكيات الإنسان وفرض عليه يومياتٍ مختلفة، إلّا أنّه لم يتمكّن من إحداث تغيير مناسب في عقل النخب السياسية، فعادت أولويات المصالح التقليدية إلى الواجهة.

ملامح جديدة

لم يمنع انتشار كورونا تعميق التوتّرات الأساسية في الشرق الأوسط. تفاقمت المواجهات الأميركية- الروسية من جهة، والمواجهة الأميركية – الإيرانية من جهة ثانية. وفي بلدين اثنين تبدو الملاكمة الأميركية الروسية في أوجها. في ليبيا، تتعاطف أميركا مع حكومة الوفاق في طرابلس وتدعمها بمواجهة الجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر. وتقف روسيا إلى جانب حفتر، وقد اتّهمتها واشنطن بتزويده بطائرات مقاتلة من طراز ميغ-29، ومع أن روسيا نفت ذلك، إلّا أنّ صحافتها تحدثت عن طائرات من هذا النوع، لا تحمل إشارات، شنّت غارات على قوات حكومة الوفاق وتساءلت ما إذا كانت آتية من سوريا.

وتحمل المواجهة في ليبيا بُعداً آخر، إذ تلتقي واشنطن مع أنقرة على دعم حكومة طرابلس، وفيما تنخرط تركيا بقوة في الصراع، تجد نفسها بمواجهة شريكها الروسي الذي تعمل معه في إطار مسارات أستانا لترتيب الأوضاع في سوريا.

سينعكس الصراع في ليبيا على روسيا وتركيا في إدلب والشمال السوري. والرئيس أردوغان الذي يشبَّه نفسه بمصطفى كمال أتاتورك عندما هبَّ للدفاع عن ليبيا في مواجهة الإيطاليين عام 1911، لن يقبل أن يكون أقلّ من أنور باشا في الشمال السوري. ومهما حاول الروس ضبط أنفسهم في محيط إدلب، فإنّ ضغط شريكهم الإيراني وتوجّهات الرئيس بشار الأسد، قد تقودهم إلى مواجهة مع الأتراك، ربما شهدنا تباشيرها في الغارات الروسية الأخيرة على مواقع الميليشيات التركستانية (الصينية) التي تتمتّع بدعم أنقرة.

غير أن فلاديمير بوتين لن يستسهل خسارة التقدّم الذي حقّقه في العلاقات السياسية والعسكرية مع تركيا، وهو الذي أكد في فالداي منذ عام 2008 أن أولويات روسيا في الشرق الأوسط تنحصر بعنوانين: العلاقات الاقتصادية مع تركيا، والعلاقات الأمنية والعسكرية مع إسرائيل.

من هذا الهامش، تنخرط إسرائيل في ملاحقة الوجود الإيراني في سوريا وسط اعتكاف موسكو عن التدخل، لتضع الروس والأميركيين على موجة تفهّم موحّدة للمعركة بين حربين التي تشنها تل أبيب في بلاد الشام.

الأولويات المضغوطة

يتصرّف الأطراف في المنطقة تحت ضغط الاشتباك، من ليبيا إلى سوريا والعراق… وتحت وطأة انتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية في 3 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. ولا يخفي خصوم السياسة الأميركية رهانهم على استمرار موجة الاحتجاجات والانقسام داخل الولايات المتحدة في أعقاب مقتل المواطن جورج فلويد، بحيث يصل الرئيس ترمب منهكاً إلى امتحان ولايته الثانية.

ومقابل التحفّظ الروسي الرسمي في التعامل مع الحدث الأميركي، والإعلان عن تواصل هاتفي بين الرئيسين بوتين وترمب، شنّ المرشد الإيراني حملة على الإدارة الأميركية، وظهرت آمال في طهران بأن تقود الاحتجاجات وموجة كورونا إلى تغيير في رأس هرم السلطة في واشنطن. وعلى النحو ذاته، صدرت تعليقات رسمية وشبه رسمية في تركيا، من دون أن تلامس حدّ تمني تغيير الإدارة.

ويبدو الموقف الإيراني مفهوماً، إذ إنّ كل ما يُسهِم في إضعاف ترمب سيكون مكسباً. فترمب هو المسؤول عن الانسحاب من الاتفاق النووي، وهو الذي يقود حملة شرسة لمعاقبة طهران وأذرعها في المنطقة، وفي رعايته، صدر قانون “قيصر” الذي سيزيد الضغوط على القيادة الإيرانية وعلى نظام الأسد و”حزب الله”.

وإذا كانت أولوية إيران الحفاظ على أوراق قوتها في الداخل والمحيط، بانتظار تحديد مصير ترمب في الانتخابات، فإنّ إسرائيل، خصمها الإقليمي الأبرز، يبحث إعادة النظر في أولوياته على وقع التطورات الأميركية، وفي تناغم سلس مع روسيا وتركيا. وقد زادت تل أبيب خلال الأسابيع والأشهر الأخيرة ضرباتها للمواقع الإيرانية في طول سوريا وعرضها من دون أن تُواجَه بأي اعتراضات، ووسط صمت شريكَيْ طهران في الترتيبات السورية، روسيا وتركيا، هو صمت أقرب إلى الضجيج. على أن الموقف الإسرائيلي لا يُختصر بالضغط العسكري، ففي الدولة العبرية يسعون إلى جعل الفترة المتبقية من ولاية ترمب فرصة لتركيز الضغط على إيران إلى الحدّ الأقصى، بما في ذلك احتمال توجيه ضربات حاسمة لها ولأنصارها في لبنان وسوريا.

وضمن إعادة ترتيب الأولويات، عَلَتْ في إسرائيل الأصوات المطالبة بوقف الاستعدادات لتنفيذ مشروع ضمّ أجزاء من الضفة وغور الأردن. وتحرّك الشارع في هذا الاتجاه، حيث شهدت تل أبيب تظاهرة ضمّت الآلاف ترفض الضمّ وتنادي بحلّ الدولتين. وفي بادرة لافتة، استمع المحتشدون إلى بيرني ساندرز، المرشح الديمقراطي السابق للرئاسة الأميركية وهو يدعم مطالبهم.

وفي مجال الدعوة إلى التركيز على إيران، قال عاموس يدلين، رئيس معهد الأبحاث القومي في جامعة تل أبيب، والرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية، إن رئيس الوزراء نتنياهو يخطىء مرتين بتسرّعه لتنفيذ ضم 30 في المئة من مساحة الضفة. أولاً لأنه يمسّ بالكفاح العام من أجل وقف التقدم النووي الإيراني. وثانياً، لأنه يضع إسرائيل أمام مخاطر استراتيجية اقتصادية وأخلاقية.

وفي الخلاصة الإسرائيلية أن إدارة ترمب المنشغلة في المواجهة مع الصين وموجة الاحتجاجات الداخلية… يبقى لها قدْر قليل من الاهتمام بالشرق الأوسط، وهذا القدْرُ القليل ينبغي توجيهه نحو إيران.

نحن، في ختام القراءة، أمام صيف مليء باحتمالات التصفيات النهائية لسلسلة من القضايا، وليس بعيداً من الصحة أن يلجأ ترمب إلى الإمساك بزمام المبادرة في الشرق الأوسط، مدخله الأقرب والأسرع لاستعادة التوازن عشية موعد تشرين الثاني/نوفمبر.

_____________________________________________________________________________________

*نشر في اندبندنت عربية اﻻثنين 8 حزيران/يونيو 2020، للقراءة في المصدر اضغط هنا

شارك