“عندما يصيح الديك ليلاً يسمونه الديك السكران، أما عندما تتعالى أصوات الديكة بالصياح فيترقب الناس بزوغ الفجر” .
يتواصل الحراك السياسي في إيران، فمن الحركة الخضراء عام ٢٠٠٩ وماقبلها، إلى انتفاضة ٢٠١٧ وما تلاها من أضراب بازار طهران عام ٢٠١٨ وحراك تشرين الثاني نوفمبر ٢٠١٩… تتالى الوقائع من حدث سياسي أو اجتماعي إلى قرار اقتصادي يؤّجج غضب الشارع الإيراني إلى آخر ، حتى دخل دخل العامل الإنساني مؤخراً بالأحتجاجات الأخيرة فيكانون الثاني/ يناير ٢٠٢٠ نتيجة إسقاط الطائرة الأوكرانية، مع ماتضمنه الحدث بالتأكيد من ابعاد سياسية . فالعمل الإنتقامي الذي قامت به إيران رداً على اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني ،الجنرال قاسم سليماني ،لم يرق لمسرحية يؤديها هواة، ولم ينتج عنه سوى صواريخ خائفة من ردة فعل امريكية فما عادت قادرة على التمييز بين الطائرة المدنية والهدف العسكري ، الامر الذي يكشف مدى الرعب الذي يعانيه نظام الثورة في إيران، في ذروة تبجحه بشعارات الموت لأمريكا ومحو إسرائيل ،هذه النتيجة اختزلها وزير الدفاع الامريكي مايك بنس في تصريحه الذي قال فيه : “لقد وجدنا أن مواجهة إيران أقل كلفة من عدم مواجهتها”. وذلك عِقب استهداف الجنرال سليماني، وما يعطي هذا التصريح مزيداً من الأهمية أنه يصدر عن شخصية عسكرية .
بالعودة إلى الحراك الشعبي الذي تبنى لأول مرة مطالب سياسية من بدايته، بدعوته لإسقاط الحرس الثورس مُستهدفاً بذلك إيران الثورة أو بالأصح من سرق ثورة الأباء لعقود أربعة ، كما أنها المرة الأولى التي يبدو التدخل الغربي واضحاً فيها، فرواية السفير البريطاني في طهران عن دعوته لحضور حفل تأبيني لضحايا الطائرة المنكوبة في معرض تبريره لتواجده في ساحات الاحتجاج غير مقنعة ،وخاصة لجهة عدم إعلام الوزارة المسؤولة عنه في كِلا البلدين ،إضافة لما رافق هذا الحِراك من تصريحات صدرت عن وزارات خارجية عدة دول ،لعل أهمها الخارجية الألمانية التي دعت الحكومة الإيرانية إلى عدم التعرض للمتظاهرين السلميين، وهي خطوة مهمة من دولة تقود الاتحاد الأوربي فعلياً مع شريكتها فرنسا، البلدان اللذان لطالما بقيا متوجسين من السياسة الامريكية تجاه إيران، وسعيا بوضوح لتليين الموقف الامريكي تجاهها،أما اليوم فقد أصبح الاتحاد الأوربي يقترب أكثر للاستراتيجية الامريكية وتبلور ذلك في قرار الاتحاد القاضي بتفعيل آلية فض النزاع المنصوص عليه في الأتفاق النووي الموقع عام ٢٠١٥، كما أنها بداية تحطيم القداسة ، بتمزيق صور المرشد الأعلى ، والقداسة كحائط الزجاج متى تصّدع آن أوان سقوطه. إذا كانت إدارة الرئيس الامريكي الأسبق جورج بوش الأبن فشلت بتشكيل تحالف دولي ضد إيران عام ٢٠٠٨ نتيجة معارضة عدد من الدول، منها دول في المنطقة، بحجة أن المنطقة غير قادرة على احتمال فوضى أضافية لما خلفته الحرب على العراق ، فإن إسقاط الطائرة الأوكرانية ومضاعفات هذا الحدث، بالأضافة إلى الإستهداف الإيراني لمنشأت أرامكو السعودية بما يحمله من إضرار بالاقتصاد العالمي في مجال الطاقة، وما سبق ذلك من تفجيرات لسفن تجارية في مياه الخليج العربي تم توجيه أصابع الأتهام فيها لطهران ، وما قد يتبع ذلك من أحداث نتيجة التخبط الإيراني كلها تصب في إستمالة دول مؤثرة لتشكيل هذا التحالف ،تحت عنوان حماية التجارة في الخليج أو ماهو أوسع من ذلك ، وهذا ما يحتاجه الرئيس الامريكي دونالد ترامب ، وهذا ما تريده إسرائيل للتصدي لمشروع إيران الذي أصبح حاضراً بشدة على حدودها و ايضاًهذا ما تحتاجه المنطقة من العراق إلى لبنان مروراً بسوريا ولا يتوقف في اليمن ،وهذا ما تحتاجه على نحو ما شبكات مد انابيب الطاقة العالمية وهو الأهم. يستطيع الإيرانيون الصبر سنوات لإنتاج سجادة بالجودة العالمية ،وبإمكان السلطة الحاكمة في طهران انتظار الأنتخابات الإمريكية المصيرية بنتائجها لإحكام الطوق أو نزعه عن رقبتها، لكن الشارع الإيراني قد يُعاجلهم بنفاذ صبره لاستعادة دولته من براثن المرشد الأعلى وزبانيته، وهو السيناريو المفضل ، أو التوقيع مرغمة على اتفاق جديد بالشروط الامريكية الاربعة عشر ، وإما تغيير من الخارج بفعل تحالف تُنضجه نار الفعل ورد الفعل بين الطرفين ، ورغم أختلاف السيناريوهات الثلاث إلا أنها تؤدي للنتيجة ذاتها وصول السم إلى كل خلايا النظام الخميني.