نفط دير الزور ,, غمامة سوداء على مشهد الحرب

نفط دير الزور ,, غمامة سوداء على مشهد الحرب

نفط دير الزور ,, غمامة سوداء على مشهد الحرب

نفط دير الزور ,, غمامة سوداء على مشهد الحرب

نفط دير الزور ,, غمامة سوداء على مشهد الحرب

نفط دير الزور ,, غمامة سوداء على مشهد الحرب

نفط دير الزور ,, غمامة سوداء على مشهد الحرب

شارك

نفط دير الزور ,, غمامة سوداء على مشهد الحرب

نفط دير الزور ,, غمامة سوداء على مشهد الحرب


دير الزور || ثائر العباس
سحابة سوداء تغطي سماء المحافظة، وسيارات بأنواع وأحجام مختلفة تنقل النفط الخام أو مشتقاته من وإلى مصادر الإنتاج والتوزيع.. مشهد يومي في محافظة دير الزور. حقول النفط التي خرجت من سيطرة النظام بعد عقود طويلة لتصبح تحت سيطرة أبناء المنطقة، من ثوار وغيرهم، خلقت هذا المشهد الذي بات المحرك الاقتصادي الأساسي لمحافظة زراعية منكوبة بعد سنة ونصف من الحرب والقتال مع النظام وآلته العسكرية الهمجية.
في دير الزور أربع آبار نفط رئيسية: ثلاثة منها تحت سيطرة الجيش الحر، أو بعض الأهالي من القرى القريبة؛ وهي حقل التيم والتنك والورد، فيما بقي حقل العمر تحت سيطرة النظام. وكذلك، توجد محطات ضخ للنفط القادم من العراق مع شبكة أنابيب لنقل النفط الخام من الحقول السورية.
يُعبَّأ النفط الخام من أنابيبه المتصلة بالحقول مباشرة ضمن صهاريج أو سيارات زُوّدت بخزانات خاصة أُعدت للنقل، ويذهب إلى ما يسمى بـ “الحرّاقات” أو “الفرّازات” المنتشرة في كل أرجاء المحافظة، وغيرها من المحافظات المجاورة، ليتم تكريره بهذه الطريقة البدائية الخطرة، ليباع في الكازيات أو من قبل باعة على قارعة الطرقات والشوارع في كل مكان من المحافظة.
يقول أبو محمد، وهو أحد مكرري النفط: “كل برميل نفط ينتج 70 ليتراً من المازوت و30 ليتراً من البنزين و40 ليتراً من الكاز. والباقي هو عبارة عن مادة لزجة ثقيلة تشبه الشحم تُستخدم لزيادة احتراق النار تحت ما يسمى بـ “الفرّازة”. وأنا أشتري برميل النفط الخام بمبلغ متفاوت يختلف حسب نوعية النفط، ودرجة جودته، وبُعد الحقل القادم منه؛ وعندي بسطة أبيع فيها المازوت والبنزين بجانب البيت وأحياناً أبيعها لشباب يريدون “يترزقون الله”.”
ويكمل أبو محمد: “اشتغلتُ بالتكرير لأني بحاجة أطعمي ولادي وأصرف عليهم، وكل شي صار غالي وما عندي كاع أفلحها. أدري انو هالشي مضر لصحتي وللجو، بس شَرِيد أساوي؟”
ويأخذ بيع منتجات النفط المكرر أشكالاً مختلفة: فقد تكون عبارة عن بسطات وُضعت أمام المنازل وعلى الطرقات في علب ذات سعة معروفة (25 أو 50 ليتراً)، أو خزانات كبيرة جُهِّزت بعدادات إلكترونية. كما انتشرت العديد من الكازيات الحديثة غير المرخصة، مع تزايد الحاجة للوقود بمختلف أنواعه، في كل ارجاء المحافظة، والتي قد تبيع المنتجات النفطية المكررة بشكل بدائي أو المُستجرَّة من “سادكوب” بطريقة غير شرعية، وذلك لحرمان النظام في بعض المناطق المحررة من هذه المواد، مما يضطرهم لرفع السعر.
يقول حسين، وهو بائع محروقات: “ما ضل عنا شغل وصار بيع النفط مثل تجارة الجوالات ومحلاتها أوّلي (في الماضي). شغلة اللي ما عندو شغلة.. صرت أطلّع مصروفي وأوفّر شوي، وأساعد أهلي. أنا ما أكذب ع الزباين. ما أقُلْهم (أقول لهم) هذا بنزين أو مازوت نظامي، أقلهم إنو مكرر، وما أعرف درجة جودته. أربح يومياً حوالي ألف ليرة والحمد لله. أحسن ما أروح أسرق أو أشلّح العالم.”
أما منتجات النفط المكرر بالطرق البدائية فهي أقل جودة من مثيلاتها المكررة في المصفاة الرئيسية، التي لا يوجد منها في المحافظة. فهو كثيراً ما يسبّب أعطالاً متكررة لمحركات سيارات مستخدميه وآلياتهم، وهم يلجؤون إليه لرخص ثمنه مقارنة مع الوقود الخارج من المصفاة الرئيسية، النادر وجوده بسبب ظروف الحرب في المحافظة.
يقول أبو إياد، وهو سائق سيارة شحن لنقل الخضار: “بفترة من الفترات، وقّف كل شغلنا لأنه ما ضل مازوت يجي من “سادكوب”، وإذا يجي يكون غالي بحيل (كثيراً) وكميات قليلة. وصار بي استغلال للعالم أما هسع (الآن) الوضع أفضل شوي. نخلط المازوت النظامي بالمكرر لأنو أرخص، مع إنو يخرّب المحرك لأنو وسخ ومو مصفّى زين، ونحط الأوكتان مشان يخفف الوسخ، بس ما قام نستفيد شي. اللي نوفره من حق المازوت يروح حق تصليح ومصافي. أنا مَعِد (لن) أتعامل بالمازوت المكرر هين (هنا)، لأنو يخرّب السيارة، وإذا ما إجا مازوت نظامي خلي السيارة واقفة، ويدبرها الله.”
لكن لرياض رأي مختلف، وهو الفلاح الذي بات يشغّل محرك جر المياه من الفرات بالنفط الخام دون أي تكرير، فيقول: “بعض محركات المي تشتغل ع النفط الخام، وهو رخيص، وقدرنا نسقي زرعنا. صحيح هو يطلّع دخان أسود ومؤذي، بس هي فترة وتعدّي. كل سنة ذبحنا مصروف المازوت.. المحصول يروح كلّه فواتير مازوت.”
في دير الزور، يصبح النفط نعمة ونقمة في آن واحد؛ فقد خلق دورة اقتصادية جديدة مدت نسغاً جديداً للحياة للكثير من الأهالي، وأوجدت فرص عمل، وضخّت الكثير من الأموال التي أنعشت بقية الفعاليات الاقتصادية، وخفّفت من ظواهر قطع الطرق والسرقات التي كادت أن تستفحل بسبب الظروف الاقتصادية السيئة والحرب المستمرة. ولكنه، من ناحية أخرى، نقمة بيئية بغمامه الأسود الذي بات يغطي سماء الفرات وأشجاره الخضراء، ونواتج تكريره التي يصب منها في مياه الفرات ليزيد من تلوثها. وهو هدرٌ لثروة اقتصادية قد تشكل ضماناً لإعادة إعمار ما دمّرته قوات النظام لهذه المحافظة الثائرة.
هذا هو النفط الذي استخدمه النظام يوماً لقهر الشعب وقتله بالأسلحة الفتاكة يعود اليهم بأشكال الحياة، وإن شابها بعض السواد .

شارك