منهل باريش
أخفقت ميليشيا “قوات النمر” من خرق جبهة تل ملح-الجبين في ريف حماة الشمالي التي سيطرت عليها فصائل المعارضة في السادس من حزيران/يونيو الجاري.
ودفعت الانكسارات المتوالية لميليشيات النظام والفيلق الخامس لمحاولة رفع الروح القتالية من خلال ضخ إعلامي متنوع لزيارات فنانين ورياضيين إلى جبهات القتال. لكن هؤلاء لم يتمكنوا من رفع الروح القتالية المنهارة وهم يشاهدون جثث رفاقهم تملأ ريف حماة الشمالي في جبهة تل ملح أو الكركات.
ذاك الفشل دفع قوات النظام إلى تغيير محاور الهجوم وطرق التسلل في القصابية والقاروطية ويقعان في أماكن التداخل الإداري لمحافظتي إدلب وحماة تحت تغطية نارية كثيفة للقاذفات الجوية الاستراتيجية الروسية. ورغم نجاح العميد سهيل حسن بإحراز خرق في تلك الجبهة إلا أنه فشل في منع فصائل المعارضة من وقف هجماتهم المتكررة واتباع تكتيك “الإغارة ” أو الهجوم الخاطف على دشم عناصر النظام وقتل من فيها والانسحاب وهو الذي أصبح عنوان القتال في محور الكبانة شرق جبل الأكراد التابع لمحافظة اللاذقية. وهو المحور الرئيسي لمقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني، إضافة إلى هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير.
وغيرت “قوات النمر” من محور هجومها الأساسيين، محور ميدان غزال-الكركات، وكفرنبودة الهبيط بعد فشلها من التقدم على المحورين اللذين خسرت فيهما الميليشيات المذكورة جل قوات نخبتها إضافة إلى ميليشيا “لواء القدس” الذي ينحدر مقاتليه من الفلسطينيين السوريين من أبناء حلب والذي تمكنت روسيا من انتزاع ولائه من إيران لصالحها.
الاستعصاء العسكري في ريف حماة الشرقي بعد شهرين من المعارك وثلاثة شهور من القصف الجوي لطيران الفضاء الروسي والمدفعي جعل القيادة العسكرية والأمنية تبحث عن حلول لكسر خطوط الدفاع للفصائل السورية، واستقدمت عددا من القطع العسكرية في جيش النظام أهمها تعزيزات من الفرقة الحادية عشر دبابات.
وأظهرت صور بثتها مواقع تابعة للنظام السوري رئيس إدارة المخابرات الجوية اللواء جميل حسن إلى جانب عدد من قادة الميليشيات العسكرية، أبرزهم العميد صالح العبد الله الملقب “سبع” القيادي في “قوات النمر” ونابل العبد الله قائد الدفاع المدني في السقيلبية. ونقلت صفحة شبكة “أخبار حماة” المؤيدة أن اللواء حسن خاطب العميد صالح العبد الله قائلاً: “جئت لأكون بينكم حيث تصنع البطولات وتسطر ملاحم العز والكرامة. هنا يصنع النصر وهنا يكتب التاريخ”.
وركزت ميليشيات النظام على نشر عدد كبير من صور القادة العسكريين في “قوات النمر” وهم من القلة التي تنشر صورهم عادة، مثل يوسف كنعان قائد فوج الهواشم وهو صاحب الشبه الكبير بماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة وشقيق رئيس النظام السوري.
وصدت فصائل المعارضة عدة هجمات لميليشيات النظام السوري على محور تل ملح-الجبين يومي الخميس والجمعة وأوقعت عشرات القتلى من المهاجمين حسب ما ذكر قادة عسكريون في جيش العزة والجبهة الوطنية للتحرير أو الناطق العسكري باسم “تحرير الشام”. في حين استمر القصف المدفعي بدون توقف ليلا نهارا في تغطية لهجوم “قوات النمر” حسب فيديوهات متقاطعة من جانبي فصائل المعارضة وقوات النظام.
ويلاحظ أن الهجوم والهجوم المعاكس أصبح عنوان المعارك في ريف حماة الشمالي خلال الأسبوع الأخير، وهو ما يتكرر يوميا عدة مرات. إذ تقوم قوات النظام بشن هجوم نهاري فتصده قوات المعارضة، ومن ثم تعاود فصائل المعارضة محاولات إحراز تقدم وخرق ثغرة خلال الليل مستغلة غياب الطيران ليلا ووقت الفجر.
تكتيكات الهجوم الصغير تلك ومنع الأطراف من تثبيت نقاط تمترس وتحصين أوقعت مجموعة كاملة من فصائل المعارضة في كمين محكم نصبته قوات النظام لهم على طريق محردة-السقيلبية. وينحدر أغلب هؤلاء المقاتلين من بلدة سراقب ويتبعون “جبهة ثوار سراقب” إحدى ألوية جيش إدلب الحر أبرز مكونات الجبهة الوطنية للتحرير. حيث نعى نشطاء محليون 13 مقاتلا من رفاقهم قبل أن يعود أحدهم من الموت، في حين تمكنت قوات النظام من سحب 12 جثة لزملائهم حسب الصور التي نشرتها وكالة “سانا” التابعة للنظام.
ووسع الطيران الحربي الروسي قصف المدن المكتظة شمال مدينة إدلب، حيث قصف مناطق ريف المهندسين وطريق إدلب-باب الهوى لأول مرة منذ عدة شهور، في حين استمر قصف قرى وبلدات العمق بالنسبة لخط الجبهة وتحديدا خط معرة حرمة كفرنبل وكامل الطريق الواصل بين جبل الزاوية وأريحا، ولم تسلم قرى الطريق بين أريحا وإدلب من قصف جوي متكرر.
إلى ذلك لم يتوصل الجانبان التركي والروسي إلى تثبيت هدنة أو اتفاق حول منطقة “خفض التصعيد” الرابعة في شمال غرب سوريا بعد رفض أنقرة للهدنة المقدمة الأسبوع الماضي والتي اشترطت فيها تركيا انسحاب قوات النظام إلى ما قبل خط 2 أيار (مايو) الذي تقدمت فيه قوات النظام وسيطرت على 100 كم2 في كفرنبودة وقلعة المضيق وسهل الغاب.
استمرار الكر والفر بين فصائل المعارضة وقوات النظام يعني أن لا مقدرة فعلية لدى الجانبين على إحراز فارق كبير على الأرض، فلا النظام قادر على قضم مناطق جديدة ولا المعارضة قادرة على استعادة ما خسرته خلال الشهرين الماضيين. لكن في الوقت عينه من غير المستبعد أن الهجمات الصغيرة تلك قد تكون محاولة إلهاء وإشغال من كلا الجانبين، وأن يكون كل منهما يحضر لعمل كبير قد يغير معادلات السيطرة ويحدث فارق كبيرا في الأوضاع الحالية، على الأقل هذا ما ينتظره قسم كبير من حاضنة الثورة وجمهورها وخصوصا أولئك النازحون من بيوتهم والذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء تحت أشجار الزيتون في إدلب، والذين يتمنون أن تتمكن الفصائل من استعادة أراضيهم وبيوتهم على أمل أن يفرض ذلك تغييرا سياسيا يعيدهم إلى أرضهم بعد تثبيت هدنة جديدة.
القدس العربي ٢٣ حزيران/ يونيو ٢٠١٩