جسر: جديع دواره
عندما مات باسل الأسد مرشح أبيه للرئاسة والملقب بـ (الفارس الذهبي) في حادث سير على طريق المطار كما أشيع، كنت معتقلاً في سجن صيدنايا (السجن العسكري الأول) وفق التسمية الرسمية، وكان يوجد بذات السجن سجين آخر اسمه عدنان قصار، الفارس المعروف (كابتن منتخب سوريا للفروسية) والمنافس الفعلي لباسل الأسد في رياضة الفروسية.
ملخص قصة اعتقاله، انه ذات يوم وفي سهرة له مع الأصدقاء، تجرأ القصار على الطعن في قدرات باسل بالفروسية، فوشى به “الخفافيش”، ووصل الخبر للفارس الشهم باسل ابن أبيه، فبادر على الفور لوضعه في السجن.
الحظ العاثر لقصار، أن تصادف موت الباسل وهو لا يزال في صيدنايا، بجناح اسمه الباب الأسود، كان يومها مدير السجن عميد اسمه (محي الدين محمد)، فأمر الحراس بأن يخرجوا القصار من جناحه كل صباح وكل مساء ليجلدوه (في الدولاب) حتى يسمع كل السجناء صراخه، انتقاماً لموت الباسل.
لم اعلم ماذا حل بالقصار تالياً وقد خرج من السجن بعد 21 عاماً، لكن كل سجناء صيدنايا في ذلك الزمن يعرفون ما قاله له مدير السجن بأن من أمر بسجنك هو وحدة من يستطيع أن يأمر بإطلاق سراحك أن هو خرج من قبره.
ليست خسارة (فريق البراميل ) بحسب توصيف المعارضين لنظام الأسد، هي القضية، ولا النحيب والعويل وحالات الإغماء وتمزيق الثياب، بل الحملة الإعلامية الساخنة من التحشيد والتحشيد المضاد، حتى يخال المرء أننا ذاهبون إلى ساحات الوغى، وان مستقبل البلاد، وإعادة الإعمار، وربما الحل السياسي، مرهونة بـ”تمريره” من قدم لاعب تهز شباك حارس المنتخب الأسترالي.
في اللاوعي الجمعي للبشر، بحث دائم عن انتصارات زائفة، عن قائد يتمُّ تنصيبه رمزاً للجموع، حتى لو كان أمعه أو دراكولا، حتى لو كان في رقبته الطويلة مقتله يندى لها جبين الإنسانية، فكيف إن كان ذلك الوعي قادم من قعر هزائم إنسانية وفظائع لم يعرف التاريخ الحديث مثيلاً لها.
المعلق الرياضي الإعلامي مصطفى الآغا شخّص العلة في “همسة من القلب” كما اسماها معلقاً على خسارة المنتخب السوري في مباراته أمام منتخب استراليا بالقول “أنا اعرف الرياضة السورية منذ خمسة وأربعين سنة وكنت أحد مكوناتها…هذه الرياضة لم تتغير غيروا الفكر، كيف تعالج ذات الموضوع بذات الدواء لمدة خمسين عاما وتريده أن يعطي نتائج مختلفه..! غيروا الفكر، اطلقوا سراح كرة القدم، اعطوا الخبز لخبازه، اتركوا الناس تشعر أن هذا المنتخب قادر، وهو قادر والأدوات موجودة..” وطبعا لا تعليق على المطلب المحق للإعلامي الآغا، وإمكانيات أبناء سوريا، لكن الاعتراض على وصف العلاج، ووهم حرية المنتخب، من نظام بنى عروشه على بحر من الدماء، واستباح البلاد وعصرها وهصرها في جوفه، فكيف لشعب عاشا كسيحاً أن يبدع ويحقق الانتصارات وهو مستعبد، أليست الحرية الشرط الإنساني الأول للإبداع والجدارة والتمييز، فكيف والحديث عن حرفة وفن رياضي “كرة القدم”، ولست بمعرض سرد أسماء العشرات من اللاعبين والرياضين وأبطال الرياضة السورية الذين غيبهم النظام خلال السنوات القليلة الماضية.
يقول المعارض السوري فاضل نوفل وهو معروف بشغفه بكرة القدم وقد دافع عن موقفه المشجع للمنتخب السوري خلافاً للقسم الأعظم من المعارضين، يقول معلقاً على مشاكل الرياضة السورية “بمناسبة الحديث عن كرة القدم ومشاكلها، كان لدينا في الضيعة لاعب اسمه منصور الأعور (صديقي) لعب كرة القدم بالفترة الممتدة ما بين عام 1976 عندما كان عمره 12 سنة وحتى عام 1992 _1993، وأنا وبحكم خبرتي وتجربتي ومعلوماتي بكرة القدم، أقول و بثقة تامة بأن سوريا في تلك الفترة لم تكن تملك لاعب بمهارات ومقدرة مثل هذا اللاعب، “يا حرام شو ضاعت مواهب ببلدنا… يا حرام”، انتهى الاقتباس، حقا كم من المواهب حرقها نظام المحسوبيات والفساد.
نعم لقد خسر المنتخب السوري أمام نظيره الأسترالي بنتيجة 2-3، في المباراة التي جمعتهما اليوم الثلاثاء، ضمن الجولة الثالثة والأخيرة للمجموعة الثانية في كأس آسيا 2019، التي تستضيفها الإمارات، وبهذه الخسارة ودع البطولة بعد أن تجمد رصيده عند نقطة واحدة في المركز الرابع والأخير بين فرق المجموعة الثانية.
“ليس شماتة”، اقتبس من احد الناشطين على الفيسبوك قوله ” ليست مشكلة أن نودع الدور الأول في بطولة لم يسبق أن حققنا فيها إنجاز أفضل، حتى مع أجيال تتميز عن هذا الجيل كرويا وفنيا ومعنويا .. لكن المؤلم هو حالة التعاطي مع الحدث والتجييش والضخ الإعلامي، وحجم الحملة الإعلامية وكمية الأغاني والشعارات المزلزلة من قبيل( منتخبنا أملنا وعزنا ومنتخبنا بوحدنا).. المؤلم حقيقة هو أن تتحول أحلام شعب مقهور يرزخ تحت وطأة الجوع والبرد والفقر وغياب الخدمات والفساد الى توهم انتصار ليس له أي أساس حتى على المستوى الرياضي، فحتى الكهرباء لم تسمح للكثير من المواطنين بممارسة واجبهم الوطني في تشجيع المنتخب والتمتع بهذا النصر لو حدث.
ويضيف الناشط ” حملة جوفاء كاذبة ما لبث أن تحول المطبلون لها أنفسهم بعد الهزيمة إلى سب وشتم هذا اللاعب أو ذاك أو حتى الحكام أو المدرب أو الاتحاد الرياضي، ولكن من يحاسب الاتحاد الرياضي على منتخب لا يستطيع لعب خمس تمريرات متتالية رغم جودة العناصر الفردية، منتخب ليس له هوية لعب واضحة لمن يعرف قليلا في كرة القدم، من يحاسبه على دفع 35 ألف دولار للمدرب و6 آلاف لمساعده ( راتب 500 موظف سوري ) أخذت من جيوب الناس لتقديم هذا المستوى الهزيل ..
ويخلص للقول “هذه الحملة الإعلامية تعبر عن عقلية كارثية موجودة تتجاوز الرياضة وكرة القدم – بوصفها لعبة شعبية تدغدغ مشاعر الجماهير وتقبل الربح والخسارة – إلى منهج يقوم على التجييش وصناعة الأوهام وتغييب المنطق والشفافية والمحاسبة”.