هكذا نجونا من المونديال

هكذا نجونا من المونديال

هكذا نجونا من المونديال

هكذا نجونا من المونديال

هكذا نجونا من المونديال

هكذا نجونا من المونديال

هكذا نجونا من المونديال

شارك

هكذا نجونا من المونديال

هكذا نجونا من المونديال

عمر قدور

ليس “المنتخب الوطني السوري” من بين أربعة فرق عربية مشاركة في مونديال قطر؛ هذا خبر فيه رأفة بأحوال السوريين، فهم لن ينقسموا حول فريق تحت العنوان السابق من دون أن يكون له نصيب حقيقي من كلمات مثل منتخب ووطني…إلخ. هم أيضاً لم يشعروا بغصّة بسبب عدم تأهل “المنتخب” إلى النهائيات، فهو في الأصل ليس ضيفاً دائماً عليها، بل لم يسبق له إطلاقاً التأهل، في حين فعلت ذلك دول لها تاريخ أقصر مع كرة القدم.

للمونديال الثالث على التوالي، بعد انطلاق الثورة عام 2011، ينجو السوريون من محنة وجود فريق يحمل اسمهم في النهائيات، ويكون قد تأهل على الأرجح بضربة حظ. لا نستثني من الحظ وجود لاعبين جيدين من حين لآخر، لأن وجودهم غير مدين لخطط واستراتيجيات تتعلق بتطوير كرة القدم المحلية والمضي بها نحو المنافسة الدولية. أكثر من ذلك، من المرجح أن يكون أصحاب المواهب قد قاسوا من أجل اللعب في الفريق الأول، وإلى جوارهم أولئك الذين وصلوا إلى الفريق بالمحسوبيات والفساد، وفي العديد من الحالات التي يعرفها جمهور كرة القدم السوري كان البقاء للأقل موهبة وكفاءة على حساب أصحاب المواهب.

لكن المعرفة بأحوال وكواليس كرة القدم السورية تحت حكم آل الأسد لم تكن ستمنع محنة محبي الكرة لو تأهل الفريق إلى النهائيات، المحنة التي ستكون موجودة لدى البعض الذي سيشجّع فريقاً يمثّل ذاكرته وماضيه، لا حاضره المنقطع عن كل ما يتصل بالأسد. ولن تغيب المحنة عن البعض الآخر الذي سيتمنى الخسارة للفريق الذي يحمل علَماً لم يعد يمثّله، ومن المرجح أن يحمل صور صاحب المقتلة الأفظع في هذا القرن. ماهو مُدرَك عقلياً ونظرياً لم يكن سيعفي أيضاً أفراد الشريحة الثانية من الألم، ألم معاداة ما يُفترض أنهم أبناء البلد، والذين يحملون العلَم الذي لطالما انتظروا رفعه في مناسبات دولية ذات قيمة قبل أن يصبح عدواً.

مشجِّعو الأسد، قبل أي اعتبار آخر، لن يفوتهم تذكر التوق القديم “المشترك” إلى إنجاز كروي، ما سيجعلهم يبالغون في إظهار فرحتهم. في رأس التعبير عن الفرحة ستأتي الشماتة بالقول أن سوريا صارت أفضل بعد أن خلت ممن قُتلوا أو هُجِّروا، وكأن هؤلاء الضحايا كانوا فيما مضى السبب الذي أعاق مسيرة الفريق كما هو حالهم بتعكير التجانس الذي تباهى الأسد بتحقيقه من دونهم. ولكي تكون الشماتة عظمى لا بد من القول حينها أن وصول الفريق إلى النهائيات بمثابة انتصار على المؤامرة الكونية، وتصوير أفراده كمقاتلين من نوع آخر يستكملون اتتصارات جيش البراميل المتفجرة.

ما كان مشجعو الأسد، لو تأهل الفريق إلى النهائيات، ليسمحوا بأدنى فصل لكرة القدم عن السياسة، على النحو الذي كان سينادي به أولئك الذين يودون تشجيع الفريق خارج الاصطفافات الحادة المعروفة. وحتى إذا كان البعض من أنصار الفصل أقرب إلى مشجعي الأسد فلن تكون هناك مراعاة لهم من الأخيرين الذين يريدون موقفاً لا لبس فيه، ليقبلوه منهم على سبيل التوبة، فيكون الفضل لقبولهم التوبة لا لأولئك “التائبين”.

ولن يكون حال جماعة فصل الرياضة عن السياسة بأفضل في مقلب المعارضة، فهنا حرب أخرى تتحين الفرص ليُظهِر المعارضون التمايز فيما بينهم، والذي سرعان ما ينقلب سجالاً شرساً بين من هم “أكثر جذرية” وخصومهم الذين يسوِّقون أنفسهم بوصفهم “الأكثر وطنية”. لكننا نعلم أن هذا السجال متجدد كلما سنحت له الفرصة، والخلاف فيه لا يتعلق بالرياضة تحديداً، فالأهم لطرفيه أن يعلنا اختلافهما الذي لا رجعة فيه، وأنهما لن يتخليا يوماً عن الأسباب الأصلية “المعلنة وغير المعلنة” للشقاق.

من بين الشقاق والسجالات، كانت ستتفرع مفارقات من قبيل أن الجمهور المفترض للفريق لا يجد الكهرباء الضرورية لمتابعة مبارياته، وأن خصومه من سوريي الخارج هم الذين سيتابعون المباريات، وستكون حالةً غريبةً لجمهور يتابع فريقاً ليتمنى خسارته. ثم قد تكون الخسارات أراف بأولئك المحرومين من الكهرباء ومن باقي أساسيات العيش، لئلا يثقل عليهم الإعلام بأهازيج النصر، ولو حدث لمباراة واحدة، لأنه سيسوَّق كالمعتاد نصراً لحكمة أسدية تستكمل حكمة إيصالهم إلى ما هم عليه.

لو تأهل الفريق إلى النهائيات، من نافل القول أننا ما كنا سنشهد تصريحات لقائده فيها إدانة للسلطة، ولا رفضاً من بعض اللاعبين لأداء “النشيد الوطني” على غرار ما فعله كابتن وبعض لاعبي منتخب إيران في مباراتهم أمام إنكلترا في المونديال الحالي. سلوك لاعبي إيران، حتى إذا لم يكن متفقاً عليه بين الجميع، هو الترجمة الأخلاقية لتسمية “منتخب وطني”، وقد استحقوا بموقفهم الاحتجاجي تمثيل بلدهم الذي يشهد ثورة شعبية. هنا أيضاً وجه للمحنة السورية، أو للاستثناء الأسدي الذي لا يرقى حتى إلى سوية حكم ديني متشدد.

لقد صنع هذا الاستثناء الكارثةَ الكبرى في العقد الأخير، وسيناريو النجاة من محنة تأهل فريق يمثله إلى كأس العالم يحجب وراءه المحنة السورية المستدامة، والتي يمكن أيضاً اختزال جانب منها مجازياً بأن سوريا لم تعد بلداً له فريق وطني، بصرف النظر مؤقتاً عن سوية الفريق وتأهله أو عدمه إلى المونديال. نحن، ضمن المجاز نفسه، نعلم أن عدم وجود منتخب وطني كان طوال الوقت منسجماً مع سلطة خارج مبدأ الانتخاب على أساس مبدأ الكفاءة، ومضادة بطبيعتها الاحتكارية لما هو وطني.

جدير بالذكر أن ليبيا، التي كانت منكوبة بالقذافي، وحدها من بين دول الشمال الأفريقي لم تتأهل إطلاقاً إلى كأس العالم، وحتى التوأم البعثي العراقي كان أعلى كعباً بالتأهل لمونديال المكسيك، ولو على حساب نظيره السوري في مباراة فاصلة بينهما. القائمة تطول إذا شئنا استعراض بلدان المنطقة التي شاركت في نهائيات كأس العالم، والبعض منها صار له تاريخ من المشاركات رغم حداثة تجربته في اللعبة.

هكذا تكون النجاة من محنة وجود فريق سوري في مونديال قطر استكمالاً لمجمل المآسي التي منعت وجود هذا الفريق في ما مضى. أمام هذا الواقع يستحسن أن يتحلى السوريون بقليل من التواضع، خاصة في النظر إلى المنتخبات الصغيرة المجتهدة، وأن يكونوا أبعد ما يمكن عن السخرية مما لا تسمح لهم ظروفهم حتى بأن يحلموا بمثله.

المصدر: المدن

شارك