هل تصلُح الأحداث السياسية المعاصرة لعمل درامي؟

هل تصلُح الأحداث السياسية المعاصرة لعمل درامي؟

هل تصلُح الأحداث السياسية المعاصرة لعمل درامي؟

هل تصلُح الأحداث السياسية المعاصرة لعمل درامي؟

هل تصلُح الأحداث السياسية المعاصرة لعمل درامي؟

هل تصلُح الأحداث السياسية المعاصرة لعمل درامي؟

هل تصلُح الأحداث السياسية المعاصرة لعمل درامي؟

شارك

هل تصلُح الأحداث السياسية المعاصرة لعمل درامي؟

هل تصلُح الأحداث السياسية المعاصرة لعمل درامي؟

رشا عمران

عرضت القنوات المصرية في مواسم رمضانية سابقة مسلسل “الاختيار” الذي كان له حضور كبير بين الجمهور المصري بكل فئاته، وهو يرصد الواقع بالأحداث والتفاصيل الحقيقية في مصر بعد ثورة يناير، أو لنقل راصدا الرواية التي تقدّمها المؤسّسة السياسية؛ ويتحدّث عن ضحايا الجيش المصري (المؤسّسة التي بقيت محافظة على تأييد قطاع واسع جدا من المصريين)، ما جعل من انتقاد المسلسل بمثابة الخيانة لدى كثيرين ممن يتابعونه ويتفاعلون مع أحداثه وشخوصه. وهو ما وضع المسلسل وصنّاعه في مكانٍ بعيد عن التنافس الدرامي الرمضاني، خصوصا في الجوائز والتكريمات الفنية التي تحصل سنويا بعد الموسم، إذ كان يتم تكريم صنّاعه بشكل منفرد بعيدا عن باقي الإنتاج الدرامي المصري والعربي، فلو تم وضعه ضمن المنافسة لما تمكّنت لجان التحكيم من تجاوزه لأسباب سياسية، ما سيحرم إنتاجاتٍ أخرى كثيرة من تكريمات مستحقة. لهذا تم تجاوز هذه العقدة عبر الحل التالي: التعامل معه بوصفه توثيقا للمرحلة التاريخية المعاصرة بأحداثها السياسية والأمنية، لا بوصفه مسلسلا دراميا رمضانيا كباقي الإنتاج الدرامي، ما خفّف من انتقاد الأخطاء الإخراجية والفنية في المسلسل من الجمهور وأبقى العلاقة معه محصورة بالمواقف والانحيازات السياسية المصرية.

ربما يمكننا، نحن السوريين، التعامل مع مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” من هذا المنطق أيضا. حاول صنّاعه إبعاده عن أن يكون توثيقا دقيقا لمرحلة سوريةٍ سياسيةٍ معاصرة، عبر إطلاق أسماء خيالية للشخصيات والدول، وعبر دمج أحداث مرحلتين تاريخيتين معا بكل ما حصل فيهما وترك أثره على سورية (مرحلة حافظ الأسد وشقيقه رفعت ومرحلة بشار الأسد وشقيقه ماهر)، لكنه لم يستطع النجاة من فخّ التوثيق للتاريخ السوري. أو لنقل إن الجمهور السوري لم يستطع التعامل معه بوصفه مسلسلا دراميا يقدّم في الأمسيات الرمضانية اليومية، ولم يتمكّن من التفاعل مع أحداثه بوصفها أحداثا تشويقية من محض الخيال. ولم يتمكّن أيضا من التعامل مع أبطاله بوصفهم ممثلين يمتلكون مقدراتٍ فنيةٍ عالية أو ضعيفة (خصوصا أن غالبية أبطال المسلسل هم من ناشطي الثورة السورية، ومن الحاضرين بقوة على وسائل التواصل الاجتماعي بما يجعل منهم مقرّبين وأصدقاء لغالبية السوريين). ولا مع الحوار بوصفه قابلا لأن يكون حوارا متينا مثلما يمكنه أن يكون ركيكا، ولا مع الحبكات الدرامية بوصفها حبكاتٍ يمكنها أن تكون منضبطةً ومحكمةً أو متراخية ومفكّكة.

باختصار شديد، تعامل السوريون مع “ابتسم أيها الجنرال” كما تعامل المصريون مع “الاختيار”، مع فارق مهم ورئيس، أن السوري يصنّف أول مسلسل يعارض صراحة وعلانية النظام السوري، ويتحدث عن فضائحه وجرائمه، وتم إنتاجه وتصويره بعيدا تماما عن كل ما يمتّ للنظام بصلة، بينما جرى تصوير “الاختيار” في قلب مصر وبتسهيلات ودعم من المؤسّسات الرسمية للدولة المصرية، ما جعل كلفته الإنتاجية أعلى بكثير من كلفة المسلسل السوري المعارض. لكن ما يجمع العملين أن العلاقة معهما تابعة للموقف السياسي وانحيازاته لا لوجهة النظر الفنية، والتي ستكون في هذه الحالة لصالح المسلسل المصري من حيث الإخراج والتمثيل.

ولعلّ ما سبق يفسّر قليلا حالة الاستقطاب تجاه العمل، فالمسلسل السوري الذي يحظى بنسبة مشاهدة سورية وعربية مرتفعة جدا، لا يحظى بآراء موضوعية في النقد أو في الإعجاب، ثمّة مبالغاتٌ مهولةٌ في الحالتين. يشتُمه المؤيدون للنظام بكل ما فيه، ويصفون صنّاعه بالخيانة، ويلصقون بهم اتهاماتٍ تذكّر بالتي أُطلقت في بداية الثورة السورية ضد كل من تجرّأ وقال “لا للنظام”. بينما يتعامل قسم كبير من معارضي النظام مع المسلسل كما لو أنه حدثٌ بالغ الأهمية من أحداث الثورة السورية، ويعوّل عليه الكثير. وبالتالي، فإن انتقاده بمثابة الخيانة للثورة والعمالة للنظام، مكيلين مدائح لا تقبل النقاش لصنّاعه. وقد حرَم هذا كله العمل فرصة النقد الموضوعي اللازم للتطوّر، خصوصا أن المسلسل غير مقنع فنيا في الإخراج والتمثيل والحوار، مع أن ممثلينا لا تنقصهم الموهبة إطلاقا، ومعظمهم نجومٌ مشهودٌ لهم منذ زمن، وكذلك كاتب السيناريو.

المشكلة في الرؤية الإخراجية الضعيفة التي لم تتمكّن من إدارة العمل بشكل فني مقنع، فأسقطت معها الأداء والحوار، وهو أمر مؤسفٌ، حيث كان يمكن لأول عمل عربي سوري من نوعه أن يحقق المعادلتين معا: الحقيقة والمتعة، لو أتيح له مخرج متمرّس. وهنا أيضا نتساءل: أين المخرجون المحترفون المعارضون، لماذا لم يُكلّف أحد منهم به؟

المصدر: العربي الجديد

شارك