عمران سلمان
يرى عدد من المحللين والإعلاميين الأميركيين أن امتناع الإدارات الأميركية عن معاقبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مغامراته العسكرية في الشيشان وجورجيا وشبه جزيرة القرم وغيرها، ربما يكون قد شجعه على غزو أوكرانيا.
ومن بين هؤلاء مذيع سي إن إن ” Jake Tapper” الذي أجرى لقاءات مع عدد من المسؤولين السابقين (جمهوريين وديمقراطيين)، أبدوا خلالها ندمهم على أن الولايات المتحدة لم تفعل الكثير ولم تكن حازمة بما يكفي في الرد على التصرفات الروسية.
بل أكثر من ذلك، فإن قمع نظام بوتين لنشطاء وقادة المعارضة الروسية سواء عبر التسميم أو الاغتيال أو السجن، لم يواجه بما يستحقه، الأمر الذي ترك هذه المعارضة لوحدها في مواجهة أجهزة الأمن الروسية.
ولهذا، كما يرى هؤلاء، فإن الرئيس بوتين كان في كل مرة يفتعل أزمة هو واثق بأن الدول الغربية لن تفعل الكثير لمعاقبته وسوف تكتفي ببعض التصريحات الغاضبة وربما بعض العقوبات الهامشية وطرد عدد من الدبلوماسيين وينتهي الأمر عند هذا الحد.
وقد بلغت ثقته حد أنه تصور أن اجتياحه لأوكرانيا لن يكون مصيره بأفضل من الاجتياحات السابقة. فالدول الغربية سوف ترعد وتزبد لكنها لن تجرؤ على مواجهته عسكريا أو تحديه بصورة جدية، بل لعله راهن أيضا على أن الاختلافات والخلافات بين الدول الأوروبية أو بين بعضها وبين الولايات المتحدة سوف تشل قدرتها على التحرك الفعال والموحد ضده.
لكن من الواضح أن الرئيس الروسي قد أخطأ في حساباته هذه المرة وعلى جميع المستويات وأن تلك الدول قد أدركت حجم التقصير الذي ارتكبته في التعامل معه حتى الآن.
فالغزو الروسي لأوكرانيا قد أيقظ الولايات المتحدة، وأوروبا كلها، حكومات وشعوبا، على واقع جديد ومختلف كليا. الجميع شعر بأن هناك تهديدا وجوديا قادما من الشرق، وأن التعامل مع بوتين في هذه الأزمة ينبغي أن يكون مختلفا، فالتكتيكات والأساليب القديمة لا تتناسب مع ما جرى ويجري من أحداث.
صحيح أن دول حلف الناتو لا تريد الدخول في حرب مباشرة مع روسيا، ولذلك فإنها لن تفرض مناطق حظر طيران فوق أوكرانيا أو ترسل مقاتلات لكييف، لكن الإجراءات الأخرى التي اتخذتها وسوف تتخذها ترقى إلى هذا النوع من الرد في مفعوله ونتائجه.
وهذا الرد يتلخص في مسألتين أساسيتين.
الأولى هي القطيعة مع روسيا، وعلى جميع المستويات. وقد رأينا كيف أن المسألة لم تتوقف عند العقوبات الاقتصادية، وهي عقوبات غير مسبوقة في شدتها، وإنما تعدتها إلى الفعاليات الفنية والرياضية والثقافية. كما أنها لم تقتصر على الحكومات الغربية فقط، وإنما امتدت إلى الشركات والمنظمات والأفراد. بعبارة أخرى ثمة شعور عارم في الغرب بأن ما قامت به روسيا في أوكرانيا قد أخرجها تماما من دائرة المجتمعات المتحضرة وأنه لم يعد لها مكان في عالم اليوم.
الثانية، هي المقاطعة التامة للرئيس الروسي بوتين وعزله ورفض التعامل معه وفرض العقوبات عليه، وهذا يعني نهاية مستقبله السياسي، كما يقول وزير الدفاع البريطاني بن والاس، الذي أكد أن “أياً كان ما نفكر فيه بشأن الرئيس بوتين، فإنه قد انتهى، فهو قوة مستهلكة في العالم. لن يتلقى أحد مكالماته الهاتفية على المدى الطويل. لقد أنهك جيشه وهو مسؤول عن مقتل آلاف الجنود الروس ومقتل الأبرياء والمدنيين في أوكرانيا”.
هذه الإجراءات والمواقف ضد روسيا لها طابع طويل الأمد، بمعنى أنها صممت فيما يبدو لكي تساعد على تغيير النظام الروسي في نهاية المطاف وليس مجرد معاقبته. والعنوان الأبرز الذي يصدر من العواصم الأوروبية والأميركية اليوم هو أنه لن يتم التعامل مع روسيا بصورة طبيعية في ظل النظام الحالي.
وهذا يعني أن بوتين وقيادته لم تعد تملك في الواقع الكثير من الخيارات، فسيطرتها على أوكرانيا، إن حصلت، ربما تفقدها السيطرة على روسيا نفسها.
هل يدفع ذلك الرئيس الروسي إلى التراجع والانسحاب من أوكرانيا وإيجاد ما يحفظ ماء الوجه؟ ربما، رغم أن العديد من الخبراء في الشأن الروسي يعتقدون بأن بوتين ليس من النوع الذي يقبل بالهزائم حتى وإن كانت صغيرة.
فهو ليس من طراز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي غير سياسته الإقليمية بمجرد أن أدرك حجم الخسائر الاقتصادية والعزلة التي عانت منها تركيا بسبب نهجه التوسعي، إنه من طراز الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي ظل يعتاش على الأوهام والانتصارات الكاذبة حتى النهاية.
ولذلك لا يستبعد الكثيرون أن تطول المعاناة الأوكرانية والروسية للأسف الشديد قبل أن ترسو سفينة الحل على بر الأمان.
المصدر: الحرة