وائل سعد الدين في غياهب المعتقلات

وائل سعد الدين في غياهب المعتقلات

وائل سعد الدين في غياهب المعتقلات

وائل سعد الدين في غياهب المعتقلات

وائل سعد الدين في غياهب المعتقلات

وائل سعد الدين في غياهب المعتقلات

وائل سعد الدين في غياهب المعتقلات

شارك

وائل سعد الدين في غياهب المعتقلات

وائل سعد الدين في غياهب المعتقلات

الشاعر الذي لم يكن أسيراً سوى لحريته
وائل سعد الدين في غياهب المعتقلات

حسام موصللي
“عندما يحلو لهم أن يهاجموا حلمك الأول، سوف يحتلون أملك الأخير”، كان ذلكَ ما كتبَه “المخامرُ الأخير” وائل سعد الدين، بعد أن عنوَنه بـ “مقدّمة غير موسيقية”، في نبوءةٍ صادقة لشاعر حقيقي لم يكُ يُشبه شيئاً آخر إلا الحريّة.
مُنذ قرابة الشهر، وبينما كنتُ في مصر بصحبة الصديق والشاعر تمّام هنيدي، فاجأني الأخيرُ بأن أول ما أراد أن يعرفه، هوَ كيف حال صديقنا القمحي ذو العينين الخضراوين، حتى قبل أن يسألني عن دمشق، ربما لأن وائل مذ عرفناه من أيام الجامعة، رسم لنا بشِعره وضحكته المعهودة، التي تفيض حباً ونقاء، تلك الصورة الحُلم عن دمشق الأطهر بكلّ ما في أزقتها الضيقة وحاناتها الدافئة من حقول وشموس وأصدقاء، حدّثتُ تمّام عن وائل وولعه بالثورة، وعن مدى المخاطر التي كان يتعرض لها في كل لحظة في سبيل أن ينقل صورة الحقيقة، ذات الطريق المحفوف بالمهالك، وبما تحمله من أمل وألم، جمال وقبح، بعد ساعات ضاقت بي الحروف، ولم تعد تستطيع أن تحمل عمراً من الذكريات والآمال، فتوقفتُ برهة لأتذكر أن ديوان وائل في حقيبتي ولم يغادرها، مذ أن أهداه للضوء، ذلك الكتاب الوحيد الذي لم أستطع أن أتركني دونه قبل أن أغادر دمشق، “المخامر الأخير”، أخرجت الديوان من حقيبتي، قرأناه كاملاً، قمراً ودمعاً ودمشقَ ووائل، وحنيناً إلى أيام كان كلّ شاغلنا فيها بضع أنفاس نقية، فيها من الحرية أكثر مما في الهواء من أوكسجين.
للحظة الأولى التي أصابني فيها نبأ اعتقاله من منزله يوم الثلاثاء 23/4/2013 لم يتبادر إلى ذهني سوى أول مظاهرة في حي الميدان الدمشقي في 25/3/2011، تذكرت عينيه اللتين كانتا تشتعلان حماساً وأملاً، وكأنما كان قد تجلّى أمامه ذاك الغد الوردي المنشود، الذي كنا نعتقد وقتها، بأنه أصبح في متناول اليد، يومها كان وائل، وفي كل خمس دقائق يرفع رأسه لثوان عن حاسبه ليقول “والله ظريف يا شباب .. بكرا رح نحكي .. وأخيراً رح نحكي”.
أجل، لا أحد يستطيع أن ينكر بأن وائل سعد الدين كان مدججاً بالأسلحة أينما ذهب، ولكن أسلحته تلك لم تكُ يوماً باروداً أو حديداً، بل قلب وروح وشعر وعود وغناء، وجميعها تتكئ على روح حرّة وثائرة تشبه في خفتها ودماثتها ريشة تتراقص في الهواء، وفي ذات الوقت جبلاً شامخاً أبياً لا سبيل لإسقاطه، بل كان كفيلاً بما يحمل من عنفوان أن يكسر أعتى القيود التي يتفنن الأسد في ابتكارها. تلك الأسلحة كانت وما زالت أكثر ما يخشاه الأخير، الذي لا يجيد التعامل إلا بأسلحة الموت، ولأن وائل سعد الدين كان أكثر من أعرف إدراكاً بأن الشعر عندما يكون في جانبك، فإن الحياة ستكون كذلك أيضاً، وأن معركة العز مع الذل كانت محسومة الانتصار، منذ أن بدء التكوين، لطالما وقف الموت أمام استمرار الحياة عاجزاً لا يدري سبيلاً لرد أو مواجهة، لذا فقد حاول الجلاد منذ البداية أن يرتب أولويات البطش، فكانت الكرامة في رأس القائمة، وخُيّل له أنه عندما يعتقل الكرام، فسيكون قد قطع شوطاً كبيراً من حملته التي أطلقها منذ سنتين في وجه المستقبل “الأحمر يغطي سورية”.
ولكنه، أي الجلاد، لم ولن يعرف أبداً أن الحياة لا تُعتقل، وأن السحر لا بد سينقلب يوماً على صاحبه مهما أجاده، ولأن الحروف لطالما كانت خيوطاً مطواعة ينسج بها وائل حلمه عن الثورة وسورية الحرية، فلم أكن أود أن أخطّ كلمة عنه إلا بعد عودته إلينا سالماً بكامل الأمل والإصرار الذين عهدناهما فيه، ولكن ما يلوكه البعض في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، من روايات مشوهة بحكم القيل والقال، وتوارد الإشاعات من أناس لم يكن لديهم من بداية الثورة ليومنا هذا من عمل سوى احتراف الأحاديث الفارغة والمتاجرة بسمعة الثوار الحقيقيين، دون أدنى اعتبار لأي ظرف قد يتعرض له أحرار سورية بشكل عام، فوجدتني أكتب عن وائل الذي لم يرض يوماً أن يحل محل المتفرّج على ما يجري في وطنه في واحدة من أهم المراحل التاريخية لسورية، هذا إن لم تكن أهمها على الإطلاق.
أكتب اليوم عن وائل وأنا أدرك تماماً أنني لن أستطيع للرتابة في المهنية طريقاً، فهو لطالما مقت النمطية ومللها، وأختار الطريق الأسهل، من القلب إلى القلب، دونما حواجز في الحروف، والتي باتت الآن تافهة أمام تلك التي تغتصب دمشقَه.

شارك