واشنطن تؤكد وجهة الصراع المقبل: الصين ثم الصين!

واشنطن تؤكد وجهة الصراع المقبل: الصين ثم الصين!

واشنطن تؤكد وجهة الصراع المقبل: الصين ثم الصين!

واشنطن تؤكد وجهة الصراع المقبل: الصين ثم الصين!

واشنطن تؤكد وجهة الصراع المقبل: الصين ثم الصين!

واشنطن تؤكد وجهة الصراع المقبل: الصين ثم الصين!

واشنطن تؤكد وجهة الصراع المقبل: الصين ثم الصين!

شارك

واشنطن تؤكد وجهة الصراع المقبل: الصين ثم الصين!

واشنطن تؤكد وجهة الصراع المقبل: الصين ثم الصين!

جسر – صحافة

عبد الناصر العايد

طرح البنتاغون استراتيجية الدفاع الوطني الأميركية (NDS) المرتقبة، يوم الاثنين الماضي، بعدما تأجلت لنحو شهر انتظاراً لتطورات الأزمة الأوكرانية الروسية وتداعياتها، وهي بعبارة مختصرة استراتيجية واشنطن للأمن والدفاع في السنوات الأربع المقبلة. وكما كان متوقعاً منذ أشهر، تشكل الخطة انعطافاً واضحاً في ما يخص الهدف الاستراتيجي للقوة العظمى والدول الدائرة في فلكها، إذ تقول بشكل واضح إن العدو الآن هو الصين.

وصف الرئيس الأميركي جو بايدن، الميزانية، بأنها واحدة من أكبر الميزانيات في التاريخ، وتبلغ 773 مليار دولار، وهو رقم لم يكن يتوقعه الديموقراطيون وأنصارهم، ممن كانوا يأملون أن تشهد ميزانية الدفاع انخفاضاً في عهد بايدن، إلا أن تداعيات الأزمة الأوكرانية ستلجم كافة الانتقادات التي كان يتوقع أن توجه لمخصصات الدفاع.

وعلى الرغم من الضجيج الكبير الذي تثيره الحرب في أوكرانيا، إلا أن المخططين لم يولوا اهتماماً كبيراً بأمن أوروبا ومواجهة روسيا، وقد انتهى العمل على الموازنة قبيل الغزو الروسي، واضطر القائمون عليها للتريث شهراً، وإدخال تعديلات طفيفة عليها، لكن الوثيقة خلصت إلى وصف روسيا بأنها “تهديد خطير” في الأجل المنظور وحسب، أما في المدى البعيد فهي ليست كذلك، وستخرج من هذه الحرب أضعف. وفق خبراء مطلعين على الوثيقة، وعلى جانبها السري، فإنها لم تلحظ سوى إرسال نحو ستة آلاف جندي لتعزيز الجناح الشرقي لحلف الناتو، وعدد من طائرات F-35 المقاتلة.

تأسست الاستراتيجية الحالية العام 2018، في عهد الرئيس دونالد ترامب الذي قرر مستشاروه عدم المضي في مفهوم “المنافسة الاستراتيجية”، الذي يعني نشر قوات أميركية في مناطق النزاع، والتدخل وفق ما تقتضيه المصالح الأميركية. واقترحوا بدلاً من ذلك، مفهوم “الردع المتكامل”، والذي وصف بمفتاح الاستراتيجية الجديدة، ويعني، وفق المسؤولين الأميركيين، التكامل عبر المجالات التقليدية والنووية والسيبرانية والفضائية والمعلوماتية، ودمجها عبر مسارح المنافسة والصراع المحتملة. وتستجيب المقاربة الجديدة لتحدي صعود القوة العسكرية الصينية، وزيادة قدراتها التقليدية والنووية على نحو يهدد التفوق الأميركي بشكل حاسم.

ويركز المفهوم الجديد على الاستثمار في إنتاج تقنيات فائقة، قادرة على إلغاء قدرات الخصوم و”قطع رأس” التهديد قبل وصوله إلى الأراضي الأميركية، خصوصاً في ظل تطوير الصين لتقنيات النصر السريع. وقد اتخذ المخططون الأميركيون، من واقعة إنتاج بكين للصواريخ الانزلاقية، الفرط صوتية، ومن قدرتها المفترضة على إلغاء الدرع الصاروخي الأميركي، حجة لإطلاق مسار تقني فائق، على حساب النفقات التشغيلية في أماكن لا تشكل تهديداً للأمن القومي الأميركي، مثل الانتشار في أفغانستان، والوجود العسكري الأميركي في أوروبا بمواجهة روسيا. وعلى خلفية هذا التصور، قرر ترامب الانسحاب من البلد الأول، وضغط على أوروبا لتأخذ مهمة حماية أمنها على عاتقها ونفقتها، من أجل توفير الموارد الكافية لمواجهة الصين.

تطلق الميزانية الجديدة العنان لتطوير عدد من الأسلحة الأميركية الأكثر تطوراً، وتخصص عشرات المليارات من الدولارات للأسلحة بعيدة المدى، وطائرات F-35 والأسلحة فرط الصوتية والأسلحة النووية. وركزت في النفقات التشغيلية فقط على الانتشار في المحيط الهادئ، ويبدو أنها كانت ستقلص الإنفاق في أوروبا لولا الحرب الروسية على أوكرانيا.

تؤكد هذه الوثيقة الجديدة، بالإضافة إلى التطورات في شرق أوروبا، أن واشنطن تخفض من خطورة التهديد الروسي، وتعيّن الصين كقوة أعظم وهدف للصراع والحرب مستقبلاً، وأن إطلاقها سباق تسلح جديد عنوانه التقنيات الفائقة بالغة السرعة، سيضطر القوى العظمى للحاق بها وتطوير قدراتها العسكرية في هذا الاتجاه، خصوصاً إذا ما استمرت بكين في نهجها الحالي القائم على تطوير الصواريخ البالستية وزيادة الترسانة النووية، أو إذا ما غزت تايوان بالفعل.

من ناحية ثانية، يعني انهمام واشنطن بتطوير قدرتها الخاصة على ردع أي تهديد، والتفوق على كافة الفرقاء من خلال أسلحة فائقة التطور، وضمان أمنها الخاص من دون الحاجة إلى أي انتشار أو تحالفات، اتجاهاً آخر في تشكيل الصراعات المعاصرة. فهي ستصبح أكثر طبقية، وتتوزع على قوى عظمى ومتوسطة وضعيفة، وعلى كل طرف أن يواجه قرينه. فالولايات المتحدة لن تحفل سوى بالخصم الصيني، أما أوروبا فعليها أن تتكفل بخصم من الدرجة الثانية هي روسيا. أما الأخطار الإقليمية، مثل إيران والجهاديين وسواهم، فإن الدول التي تعاني هذه المعضلات عليها أن تتحمل عبء مواجهتها.

ستعني هذه التغيرات الجارية، في العقل والتوجه الاستراتيجي الأميركي أيضاً لمنطقتنا، أن القوى الإقليمية القادرة عسكرياً ستلعب الدور الرئيسي في الحقبة المقبلة، وسيكون لإيران وتركيا وإسرائيل أن تتصرف بحرية أكبر في مجالها الجيوسياسي، وسترسم العلاقات والتحالفات مع الجوار القريب، خريطة موازين القوة في المنطقة.

لقد سجلت دول عربية غنية، منذ بروز الملامح الأولى لهذه الاستراتيجية الأميركية، اعتراضها عبر مدّ الجسور نحو خصوم واشنطن، في كل من بكين وموسكو، لكن هذا التوجه، علاوة على كونه مجرد رد فعل، ينتمي إلى الماضي وتكتيكاته. فالانشغال الأميركي بصراع التفوق “فرط الصوتي” مع الصين، وضعها في أفق تجاوزت معه التهديد الذي يحيق بأوروبا ذاتها، ودفعها لانتزاع أشواكها بنفسها. وينبغي أن يتم التعامل عربياً مع الوضعية الجديدة، بطريقة مشابهة، والتحسب جدياً لموجة من الحروب الصغيرة والمتوسطة، التي ستنفتح عليها شهية كافة قوى المنطقة في المرحلة الخطيرة المقبلة.

المصدر: موقع المدن

شارك