يقدم ” كورونا” عذراً لإغلاق الحدود: هذا سيكون غلطة

يقدم ” كورونا” عذراً لإغلاق الحدود: هذا سيكون غلطة

يقدم ” كورونا” عذراً لإغلاق الحدود: هذا سيكون غلطة

يقدم ” كورونا” عذراً لإغلاق الحدود: هذا سيكون غلطة

يقدم ” كورونا” عذراً لإغلاق الحدود: هذا سيكون غلطة

يقدم ” كورونا” عذراً لإغلاق الحدود: هذا سيكون غلطة

يقدم ” كورونا” عذراً لإغلاق الحدود: هذا سيكون غلطة

شارك

يقدم ” كورونا” عذراً لإغلاق الحدود: هذا سيكون غلطة

يقدم ” كورونا” عذراً لإغلاق الحدود: هذا سيكون غلطة

جسر: ترجمة:

على مدار السنوات الست الماضية قدمت شبكة من المتطوعين في أوروبا وإفريقيا خدمات كبيرة كانت قد امتنعت عنها أغنى دول العالم. فعندما يتعرّض المهاجرون للخطر في البحر الأبيض المتوسط، يمكنهم استخدام خدمة “المكالمة الطارئة” من هواتفهم المحمولة والاتصال برقم الطوارئ؛ ليتم تحويل المكالمة من قبل فريق من الأشخاص المنتشرين عبر فرنسا وتونس وإيطاليا وألمانيا والمملكة المتحدة والمغرب وأماكن أخرى إلى خدمة خفر السواحل الأقرب إلى القارب.

ﻻجئون يعبرون إلى أوروبا برا

في ليلة 10 نيسان/أبريل، وصل إنذار هاتفي بوجود ثلاثة وستين شخصاً على متن قارب مطاطي يغرق وتغمره المياه ببطء بين ليبيا وإيطاليا ومالطا. وبحسب تسجيلات “المكالمة الطارئة” فإن الاتحاد الأوروبي كان على علم بوجود القارب، لكن مالطا، الدولة التي كان يجب أن تستجيب لنداء الإغاثة وإنقاذ القارب، تجاهلت الاتصال بهدف إجبار المهاجرين على العودة إلى ليبيا، على الرغم من كل التقارير التي تؤكد إمكان أن يتعرض هؤلاء للتعذيب وسوء المعاملة هناك. في هذه الأثناء انجرف القارب لمدة خمسة أيام، وبحسب ما ذكره الناجون فقد توفى خلال تلك الأيام خمسة أشخاص بسبب العطش، وفُقد سبعة أشخاص آخرون، من المرجح أنهم قد غرقوا.

على إثر تلك الحادثة تقوم الشرطة المالطية الآن بالتحقيق مع رئيس الوزراء روبرت أبيلا، الذي لا يزال يدافع عن قراره قائلاً: “إن ضميري مرتاح، لأننا فعلنا كل ما في وسعنا لحماية شعبنا، وكل من يعيش في هذا البلد”. وأضاف موضحاً أن موانئ مالطا كانت قد أغلقت بسبب وباء فيروس كورونا: “في حالة الطوارئ الصحية، هذا البلد ليس ميناءً آمناً للمهاجرين”.

ويبدو منطق “يجب أن ننظر إلى مصالحنا”، رغم أثمانه الباهظة، مقبولاً، بل وغير عدائي للعديد من الأشخاص. فليست مالطا هي الدولة الوحيدة التي أوقفت تقديم العون للمهاجرين الذين تقطعت بهم السُبل في زمن الوباء؛ إيطاليا أيضاً أغلقت موانئها، والمملكة المتحدة ترفض إجلاء الأطفال اللاجئين الذين لديهم أقارب في بريطانيا من المخيمات البائسة في اليونان، وبصمت قامت الولايات المتحدة بتعليق نظام اللجوء بالكامل. وفي وقت سابق من هذا الشهر، تم العثور على نحو 400 لاجئ من الروهينجا يتضورون جوعاً على متن قارب بالقرب من ماليزيا، التي بررت سلطاتها عدم استقبالهم بتفشي وباء “كورونا”.

ينظر معظم خبراء الصحة العامة إلى القيود المؤقتة المفروضة على الحركة، الداخلية منها أو الدولية، باعتبارها جزءاً أساسياً من مكافحة فيروس كورونا. لكن، وبحسب كبار العلماء، تعتمد الفكرة الجوهرية من تقييد الحركة على نظامي الفحوصات وتتبع الاتصال بهدف تقفي أثر انتشار الفيروس، وليس على الافتراضات المعممة حول الأجانب “والآخرين” الغرباء. لذلك فإن تقديم مبدأ القمع على الحدود الدولية كبديل لتقديم أشكال جادة من الحماية سيجعل الخسارة من نصيب الجميع.

في السنوات الأخيرة، ومع تصاعد الشعبوية اليمينية التي باتت قوة سياسية واضحة في مناطق عديدة من العالم، ازدادت المطالب بفرض قيود صارمة على الحدود، التي بدورها تثير القلق حول مجموعة أوسع من المسائل مثل: الهوية، والثقافة، والأمن الاقتصادي. تُرجع المنظّرة السياسية ويندي براون هذا إلى عقود من السياسات النيوليبرالية التي سمحت للسياسات النقدية بأن تقود الرأسمالية العالمية نحو تقويض الأجور، والبنية التحتية، والضمان الاجتماعي في البلدان الغنية. حيث تشير في كتابها “الولايات المسوّرة، تضاؤل السيادة” إلى أن الصورة السياسية القوية المرسومة للجدران الحدودية باتت قائمة على الأمن الذي لم تعد الدولة توفره.

وينطبق هذا اليوم على الولايات المتحدة الأميركية أولاً. حيث أصبحت مسائل الرعاية الصحية العامة، والدعم الشامل للبطالة بمنزلة لعنة للعديد من النخب. بدلاً من ذلك لديهم رئيس يعرف كيف يدغدغ مشاعر جمهوره بإجراءات حظر الطيران، وحماية وظائف الأميركيين من “تهديد” المهاجرين في الوقت الذي يقوم بفاعلية بتقويض سياسيات التباعد الاجتماعي المحلية، وجهود الحصول على المعدات الطبية الحيوية. وهذا النًفس موجود أيضاً في أوروبا؛ فمع وصول وباء فيروس “كورونا” إلى القارة كان رد الفعل الأول للعديد من الشعبويين اليمينيين هو مهاجمة سياسة اللجوء، وقوانين حرية التنقل داخل الاتحاد الأوروبي. لكن بعض هذه الأصوات بدأت تخفت مع الحالة الطبية الطارئة حالياً، حيث توجه العديد من المواطنين لإعطاء الأولوية إلى الإنصات لنصيحة الخبراء العلميين.

ليست الحدود وحدها التي أصبحت رمزاً مهيمناً لفكرة الرفاه الوطني؛ ففي المملكة المتحدة هناك قلة من أصوات اليمين مستمرة في اللعب على هذا الموضوع من أجل مهاجمة تدابير الحجر المنزلي، لكن تحت غطاء الدعوة للالتفاف حول هيئة الخدمات الصحية الوطنية التي لا يوجد رمز أقوى منها للصالح الاجتماعي في المعجم السياسي البريطاني؛ ولا حتى السياسيون الذين يعارضون مبدأ الطبابة الاجتماعية يجرؤون على قول ذلك علانية. فهذا يقع في صميم دعوة الحكومة للتنفيذ: ابقَ في البيت، واحمِ هيئة الخدمات الصحية الوطنية، وقم بإنقاذ الأرواح.

إن التضامن الذي عبر عنه ملايين الأشخاص في وقت الأزمة هذه كان شيئاً مدهشاً. فكما كان الحال في البلدان المنكوبة الأخرى؛ قامت الغالبية العظمى أيضاً من سكان المملكة المتحدة بتغييرات طوعية كبيرة في نمط حياتها من أجل المنفعة الاجتماعية العامة. رغم ذلك فإن رغبتنا في الأمن قد تدفع بنا باتجاه الاستبعاد والعزلة. لقد كتب وزير الصحة مات هانكوك، خلال الحملة الانتخابية العامة في العام الماضي: “إنها خدمة الصحة الوطنية، وليست الخدمة الصحية الدولية”، ووعد بأن يتم تمديد الرسوم الصحية المفروضة على مواطني الاتحاد الأوروبي من غير المقيمين بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

على مدى العقد الماضي، وكنتيجة لسياسات التقشف الاقتصادية المفروضة تم استنزاف قوة النظام الصحي الوطني، إلى جانب الخدمات العامة الأخرى. هذا ما دفع اليمين إلى الادعاء بأن الأجانب هم استنزاف غير مقبول للدولة، إضافة إلى مجموعة من الإجراءات التي تفرضها البيروقراطية عليهم، الاتهامات، والقيود، والمراقبة، والعقاب، بهدف مراقبة أنشطتهم على الرغم من الفائدة التي يقدمها عمل هؤلاء لبقية المجتمع. ومن سخرية القدر أنه في الوقت الذي تعرب بريطانيا فيه عن امتنانها غير المعهود لجهود المهاجرين الذين يساعدون على استمرار عمل نظام الصحة الوطني والخدمات الرئيسة الأخرى، فإن وزارة الداخلية تقاتل من أجل الحفاظ على العديد من سياساتها العدائية الشائنة.

مع تراجع الوباء، وفي الوقت الذي سنجد أنفسنا أمام استحقاق التعامل مع الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية التي خلفها؛ فإنه من المرجح أن تزداد المطالب القومية في الدول الغنية للتحول أكثر إلى الداخل. قد تبدأ هذه المطالب باستبعاد الغرباء، وقد تمتد إلى استبعاد المواطنين “غير الجديرين” أيضاً. وحتى لو بدت الأحداث في منطقة البحر الأبيض المتوسط في الوقت الحاضر بعيدة عن الهموم اليومية لكل منّا، تبقى الطريقة التي تعامل بها حكوماتنا الأشخاص المحتاجين هي السؤال المفتاحي والجوهري في عصرنا.

إذا كنت تريد أن ترى ماذا يحصل عندما يتم كنس الموت والمعاناة “تحت السجادة”، وعندما يصبح ذلك مقبولاً من خلال التمييع السياسي والسهو والإغفال، فعليك البدء بمشاهدة حدود العالم الغني. هذه أزمة كونية وليست أزمة وطنية، ومن الضروري ألا نسمح بأن يتوقف احترامنا لحياة الإنسان عند الحدود.

 

نُشر في الغارديان اﻷحد 26 نيسان/أبريل 2020، للقراءة في المصدر اضغط هنا

شارك