جسر – متابعات
شغل الحديث عن لقاء مرتقب بين رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان، ورئيس “مكتب الأمن الوطني” في النظام، اللواء علي مملوك في بغداد، الأوساط السورية لاسيما مع تصريح رئيس دائرة المخابرات العسكرية التركية الأسبق، “إسماعيل حقي بكين”، “أن اللقاء الذي سيعقد في بغداد هو بداية لعملية جديدة”.
وعلى الرغم من نفي مصادر النظام للقاء، إلا أن دراسة نشرها مركز أبحاث إدراك أوضحت أنها ليست المرة الأولى التي تصدر فيها جهة مسؤولة في النظام تصريحات قاطعة تنفي فيها حدوث لقاء أو تواصل مع جهة ما، ليتبين فيما بعد أن الترتيبات موجودة وأن المشرف الروسي أو الحليف الإيراني أو الصديق العراقي هو المضطلع بهذه الترتيبات.
وأشار المركز إلى أن هذا اللقاء إن حصل فلن يكون الأول من نوعه في 13 كانون الثاني 2020 عُقد لقاء ثلاثي في موسكو جمع رئيس المخابرات التركية “هاكان فيدان” مع رئيس مكتب الأمن الوطني للنظام السوري “علي مملوك” في موسكو بحضور مسؤولين في المخابرات الروسية.
وفي ذلك اللقاء كان من المفترض أن يتم التباحث حول مستقبل إدلب والحل السياسي في سوريا، ولكن اللقاء كان قصيراً جداً، حيث بدأ بكلمة ممثل النظام “علي مملوك” الذي افتتح كلامه بالحديث عن ضرورة انسحاب القوات التركية من سوريا، وطالب تركيا “بالانسحاب الفوري والكامل”، وأكّد على أنّ النظام عازم على مواصلة الحرب على “الإرهاب”، حتى السيطرة على كامل منطقة إدلب.
واستخدم مملوك في حديثه لغة ومصطلحات مستفزة للطرف التركي، تضمنت تهديداً بالحرب إذا لم ينصاع الأتراك لمطالب النظام، فما كان من فيدان إلا أن أبدى امتعاضه، ورد عليه، وهنا تدخل الروس وأنهوا اللقاء قبل أن يتطور إلى ما هو أسوأ، وبالفعل تطور المشهد على الأرض إلى ما هو أسوأ.
واعتبر المركز أن عدة معطيات تغيرت بعد هذا اللقاء، مشيراً إلى أن ضع النظام وإمكاناته اليوم أضعف عمّا كانت عليه في مطلع 2020، إذ يلقي تدهور الوضع الاقتصادي والأمني والإداري بتبعاته على الحالة العسكرية، ويضعف من قدرة النظام على الحشد والمواجهة العسكرية بشكل واضح ويقلل كثيراً من قيمة التحركات العسكرية للنظام وحتى السياسية في أعين مؤيديه وحاضنته الشعبية.
وأضاف أن الفصائل السورية (المعارضة) اليوم أكثر تنظيماً وأفضل تسليحاً، والتواجدات التركية في سوريا جرى تعزيزها (كماً ونوعاً) خلال الفترة الماضية بشكل كبير، مضيفاً أن المنطقة المحررة (المعارضة) عدد سكانها اليوم أكثر، وفيها مؤسسات ومنظمات وكيانات مختلفة، وجرى تطوير البنية التحتية بشكل كبير عما كانت عليه.
ورأت دراسة المركز، أن روسيا والولايات المتحدة والأوروبيين وحتى المحيط العربي يبدون أكثر تسليماً بفكرة التعاطي مع الوجود والدور التركي في سوريا مقارنة بما كان عليه الوضع في السابق، كما أن مختلف الأطراف السورية تبدو اليوم أكثر تسليماً، وغير السورية من أصحاب الدور أو النفوذ في المشهد السوري (الولايات المتحدة، روسيا، إسرائيل، تركيا، المحيط العربي، إيران) تبدو أكثر استعداداً، لتفعيل الاتفاقيات والترتيبات الاقتصادية والأمنية العالقة أو المعلقة بسبب ظروف المواجهة والحرب مع النظام.
وأشارت إلى أن خطابات النظام طوال الفترة الماضية، حملت رسالتين هامتين جداً بالنسبة لتركيا، الرسالة الأولى: أنه لن يقبل وسيحارب فكرة كيان انفصالي أو ذاتي في شرق الفرات وهذا الطرح يتقاطع بشكل كبير جداً مع مفهوم تركيا لمحاربة الإرهاب، الرسالة الثانية: أنه يعتبر الوجود الأمريكي مرفوضاً ويريد انسحابهم.
وأوضح المركز، أن تطور العلاقة الأميركية الروسية مؤخراً في فترة بايدن، والذي يُتوقع أن ينتج عنه تفاهمات مهمة تنعكس على الأوضاع في المنطقة وسوريا تحديداً وإن لم تكن سوريا بحد ذاتها نقطة أساسية على جدول الأعمال في لقاءاتهما الثنائية -حتى الآن- إلا أن تطورات العلاقة الجديدة التي نتج عنها تمديد القرار الدولي حول إيصال المساعدات الإنسانية في سورية، يمكن أن تؤسس لتفاهمات طويلة في سوريا.
وكشف أن هذه التطورات والاختلافات في المشهد اليوم مقارنة بما كان عليه مطلع 2020، تؤسس لأرضية مختلفة للقاء جديد بين مملوك وفيدان لا ينتهي إلى تهديدات وتصعيد وقتلى ومواجهة عسكرية واسعة، وربما نكون أمام تطور جديد في العلاقة بين تركيا والنظام بحيث يفتح المجال أمام تعاون أمني وربما اقتصادي حتى.