حسام جزماتي
يمكن اقتناء ديوان «الأنثى والمحتال» لفلك جميل الأسد حتى مساء هذا اليوم، قبل أن يغلق معرض القاهرة الدولي للكتاب أبوابه. يجب أن لا يشوّشنا تفصيل صغير هو ذكر اسم الكاتبة على الغلاف على أنه «فلك الشام»، بعد أن ضجرَتْ من الاسم الثقيل لعائلتها وقررت أن تطلق مسيرتها الأدبية بهذا اللقب المستعار الذي أخذت تنشر به في الصحف القاهرية، حيث تقيم حالياً، وأن يتصدر ديوانها الأول الذي طبعته دار النهضة العربية في بيروت، حيث تتردد المؤلفة بين حين وآخر.
فلك هي ابنة جميل، شقيق حافظ. وهي، بذلك، ابنة عم مباشرة لساكن القصر الرئاسي بدمشق. غير أنها تقول إن هذه الكنية سبّبت لها مواقف هي في غنى عنها، وإن «لقبنا العائلي لا يعني أبداً أننا أصحاب قرار!!». هذا صحيح بالفعل، فأولاد جميل بعيدون عن السلطة، وإن تنعموا بالثروة الضخمة التي خلفها والدهم المتوفى عام 2004. وهي من الثروات القليلة لآل الأسد التي كُشف عن مقدارها، وذلك بسبب الدعاوى التي قامت بين ابنيه الشهيرين، منذر وفواز، وشقيقاتهما فوزية وعبير وخاصة فلك، من جهة، وبين زوجته اللاحقة أمل نعمان التي قاتلت للحصول على حصتها، وحصة أطفالها الثلاثة آنذاك، من التركة التي قدّرها محامون مطلعون على القضية بنحو 900 عقار داخل سوريا، و5 مليارات دولار في مصارف أجنبية.
الحياة الباذخة التي تعيشها فلك، وسيدات المجتمع اللواتي دعتهن إلى حفل توقيع الديوان الذي كتبت الإعلامية الشهيرة هالة سرحان مقدمته، واليسر الذي يتيح لقصائدها الظهور في منابر قاهرية معروفة كصحيفة «الشروق» التي باتت تنشر فيها باستمرار؛ ليست بعيدة عن حصتها تلك في الميراث. بعد أن قررت العيش وحيدة بعد انفصالها عن زوجها الأول قصي أصلان، ابن شقيق العماد علي أصلان رئيس الأركان السوري المزمن، وابتعادها عن الثاني أحمد قذاف الدم، ابن عم حاكم ليبيا المخلوع معمر القذافي.
لكن تلك قصص أخرى، وحديثنا الآن عن الشعر.
في كل قصائد ديوانها لا تخفي فلك الشام تأثرها الشديد بنزار قباني، الذي كانت فلك الأسد قد حازت الماجستير في اللغة العربية من جامعة تشرين باللاذقية عن دراسة تجربته في رسالة بعنوان «التحدي والرفض في شعر نزار قباني».
ويتضح هذا منذ القصيدة التي حمل الديوان اسمها وهي تقول: «يا سيّدي المُحتالْ/ خَفّفْ تعابيرَ الغزلْ/ وافسحْ لأنفاسي المجالْ/ دقاتُ قلبي لم تَعُدْ/ تستوعِبُ هذا الجمالْ». مروراً بقصيدة «نيل على ضفاف دمشق» التي تقول: «أنا يا شام أشتاقُ/ وهذا البعد حرّاقُ/ سألت النيل عن بردى/ وفيض الدمع غرّاقُ/ فقال النيل يا فلك/ أنا والشام عشاقُ». وصولاً إلى قصيدة بعنوان «إلى نزار..» تخاطبه فيها بقولها: «اسمحْ لي يا سيدَ البُلغاءْ/ أنْ أستعيرَ نجومَ شعركَ/ وأستعيرَ منكَ السماءْ»، معترفة، في النهاية: «اعذرني يا شاعرَنا الراقي/ صِرْنا نكتبُ كالتعساءْ»!
وكذلك تفعل في شعرها السياسي الذي تدخله لمحة تأثر بمحمد الماغوط. فهي تكتب: «في القرن الواحد والعشرين/ ما زال الوطن العربي/ وطن المحرومين/ وطن السّفاحين/ يحكمنا القهر/ ويُصلي فينا كبار الدّجالين». وتقول في قصيدة بعنوان «الزنزانة 73»: «أَخبروني أَنَّ رقم زنزانتي/ ثلاثةٌ وسبعونْ/ تُهمتي كانتْ/ عربيةً أَبدا لا تخونْ». وتتابع: «تُهمتي أَنني امرأةٌ/ قهرتْ قُضبانَ السجونْ/ وبأَنني كنتُ في لبنانَ المناضلِ/ تحتَ أَطنانِ القنابلِ/ حينَ كانوا يعتدونْ». ثم «سألوني عن مدينةِ الناصرةْ/ وعنْ عِشقِ يَدُقُّ فوقَ الخاصِرةْ». وكانت النتيجة أنهم «ضربوني وكسَّروا كلَّ العظامْ/ وأَنا أُرددُ يا شآمْ.. يا شآمْ/ وختموا على ملفّي/ تُحالُ للإعدامْ».
ولأنها «عربيةً أَبدا لا تخونْ» لم تنس بلدها في محنته. إذ تقول: «وطني/ أحبّك.. بحجم صمودك../ بحجم ثباتك../ وحبات ترابك..». وفي قصيدة بعنوان «نحنُ السّوريون..» تكتب: «هنا باقون في الجذر الأصيل/ نقتات خبز الموت/ وننحت للصّبر تماثيل»، ثم تنتبه إلى أنها مقيمة في الخارج فتتابع: «سوريا هذه البلاد الغريبة/ كلما ابتعدت عنها/ كلما صارت قريبة»!
فهي تتعاطف مع مدينتها الساحلية حين تعرضت للقصف فتقول: «اللاذقية أبداً لا تموت/ إن تسقطوا السّماء/ إن تسرقوا الهواء/ إن تقصفوا الميناء/ إن تهدموا البيوت/ اللاذقية أبداً لا تموت». وبمناسبة العام الجديد تحيّي عناصر الجيش النظامي «الشامخين في بياض الجليدْ/ يمسكون قبضة الليل/ ويعانقون بواريد الحديدْ». وتمدح ابن عمها بقولها: «لأنّكَ أكبر من كلّ الكبارِ/ لأنّكَ حرُّ وسيّدُ الأحرارِ/ لأنّكَ لم تركع لمغتصبٍ/ فهذا النّصر مكتوب لبشار/ سيأتي الكون منحنياً إليك/ يجرُّ وراءه سيلَ اعتذارِ/ فقُلْ ما شئتَ يا بطلاً/ كلّلتهُ دمشق بالغارِ». بعد أن تصفي حسابها مع الربيع العربي في قصيدة بعنوان «ربيعُ الكفّار» تقول فيها: «ربيعٌ كلُه كفرٌ/ بَديلُ الزهرِ كفّارُ/ فلا شرفٌ ولا دينُ/ ضِبَاعٌ أينما ساروا/ لِحَاهُمُ رِجْسُ معتقدٍ/ تزيدُ الرجسَ أفكارُ/ أرادوا كَسْرَ عِزَّتَنا/ بغدرِ الذئبِ قد ثاروا/ جهادُ نكاحِهم فرضٌ/ عبيدُ الجنسِ ثوارُ/ فمنْ مصرَ إلى الشامِ/ وبنغازي بها جاروا». مؤيدة الأسد في سوريا، وفلول القذافي في ليبيا، والسيسي في مصر.
كان صدور «الأنثى والمحتال» فرصة لنشاط إعلامي سلط الضوء على صاحبته. فقد جاء في تغطية جريدة «المصري اليوم» إنها حائزة على «ماجستير مهني بقضايا المرأة العربية دولياً وإقليمياً». في حين أجرت صحيفة «روز اليوسف» مقابلة معها تخبرنا بأنها «عضو في الاتحاد الأفرو آسيوي للقانون الدولي وتسوية المنازعات»، بعد أن قدمتها بأنها «شاعرة سوريّة جريئة لا تفصل بين الكتابة والعيش، بين الجسد والروح، تقتحم بثقة ودراية حواجز كثيرة». في حين وصف مقال نشرته جريدة «الأهرام» الديوان بأنه «يضم مجموعة من القصائد الشعرية التي تعكس حالة شعرية إبداعية فريدة تمثل إضافة للأدب العربي»..
المصدر: تلفزيون سوريا