لا بدّ للعرب من العودة إلى الميدان السوري

لا بدّ للعرب من العودة إلى الميدان السوري

لا بدّ للعرب من العودة إلى الميدان السوري

لا بدّ للعرب من العودة إلى الميدان السوري

لا بدّ للعرب من العودة إلى الميدان السوري

لا بدّ للعرب من العودة إلى الميدان السوري

لا بدّ للعرب من العودة إلى الميدان السوري

شارك

لا بدّ للعرب من العودة إلى الميدان السوري

لا بدّ للعرب من العودة إلى الميدان السوري

عبد الناصر العايد

تعددت ردود الفعل الإيرانية الغاضبة إثر اصدار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بياناً مشتركاً مع وزراء مجلس التعاون الخليجي يؤكد فيه حق الامارات العربية المتحدة بالمطالبة بالجزر الثلاث وفق القانون الدولي. وبرز من بين التصريحات العلنية، تهديد علي رضا تنكسيري، قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني باعتبار البحرين محافظة إيرانية إذا ما استمرت المطالبة بالجزر الثلاث، وهو تصريح يعكس استراتيجية الحرس الثوري في ترسيخ مكاسبه، وهي وضع خصومه في حالة دفاع دائم عن النفس، وعدم السماح لهم بتكوين هجوم مضاد، أو ما يمكن اختصاره بالقاعدة العامة التي تقول الهجوم أفضل وسيلة للدفاع.

في الوضع الحالي الذي يعاني فيه الصف العربي من الافتقار إلى القوة المركزية أو رأس الحربة الذي يمكنه مناكفة ايران، فإن فرصتها لإطلاق ردّ تقليدي تبدو ضئيلة، لكن هذا يجب ألا يعني بحال من الأحوال عدم اتخاذ أي اجراء والاكتفاء بتحصين الموقف الدفاعي الداخلي.

فقد أثبت العقدان الماضيان من الصراع أن الحرس الثوري ما أن تطأ أقدامه بلداً ما حتى يتطلع إلى البلد التالي، وهو ينجح كل مرة بتسجيل الاختراق والتقدم، فيما يتقهقر العرب إلى مواقع في العمق، والعمق الذي تسعى إليه طهران اليوم بلا شك هو الجزيرة العربية، الجزء الأكثر ازدهاراً ورمزية في الشرق الأوسط.

يكمن سرّ نجاح الاختراقات الإيرانية المتوالية في عاملين اثنين، هما اعتماد أسلوب الحرب الناعمة التي تتراكم نتائجها يوماً بعد آخر، خصوصاً على الصعيد الديني والثقافي والإعلامي والاجتماعي، ابتداءً من بث الخطاب المعادي لإسرائيل والولايات المتحدة لاستمالة عواطف المجتمعات الناقمة، مروراً بإيقاظ الشعور المذهبي أو استفزازه في كل مكان لتقويض أي خطاب قومي عربي جامع، وصولاً إلى شن حرب المخدرات التي تفتت المجتمعات المناهضة لها لتحيلها إلى كتل هشة تفتقد إلى الصلابة والقدرة على المقاومة، وعامل النجاح الثاني هو حرب الوكيل التي طورتها عبر الزمن لتصبح من الأكثر اتقاناً لها، على صعيد الأساليب والأدوات.

فإيران لديها اليوم خبرة تؤهلها لتجنيد فئات من أي جماعة أو مجتمع في المنطقة، بغض النظر عن هويته الطائفية، ولدينا امثلة على ذلك من العراق إلى سوريا ولبنان وفلسطين واليمن، ولديها الهياكل المؤسسية المرنة التي يمكنها الاضطلاع بهذه الوظيفة، سواء كانت سياسية أو عسكرية أو امنية أو اقتصادية، أو حتى على صعيد التصنيع العسكري الذي يلائم حربها الفريدة هذه، وتتكامل استراتيجية الحرب الناعمة وحرب الوكيل عند الوصول إلى لحظة زعزعة الاستقرار في مجتمع أو بلد ما، ليصبح الاستحواذ العسكري تحصيل حاصل، واستدامة السيطرة ليست بلا أكلاف فقط، فالأرض المكتسبة توفر الموارد للوثوب على الطريدة التالية.

إن الحل المثالي لمعضلة التوسعية العسكرية الإيرانية هو قيام نظام أمني تتحالف فيه الدول والقوى الإقليمية لهزيمة هذا المشروع وعكس اتجاهه وصولاً إلى إعادة الحرس الثوري إلى داخل حدود إيران، ومنعه من لعب أي دور خارجها، لكن ذلك بعيد المنال حالياً، ويبدو أن على الدول العربية أن تحاول لعب دور أو تأدية وظيفة في هذا الصراع كل من موقعه، بطريقة تعاكس وتنافس الاستراتيجية الإيرانية.

على الصعيدين السياسي والثقافي، يمكن للدول العربية المعنية بالصراع مع إيران أن تعيد التركيز على البعد العربي كمؤطر للصراع، بوصف هذه الجماعة هدف لغزو وعدوانية معلنة من دولة الولي الفقيه، والتحالف مع الدول والقوى التي يشكل ابتلاع إيران لدول المشرق تهديداً لها. وعلى الصعيدين الأمني والعسكري ليس أمام البلدان العربية في مرحلة ما قبل تشكل التحالف الدفاعي الإقليمي والدولي سوى إطلاق القوى المحلية المناهضة لإيران ودعمها، ومقاومة أذرع الحرس الثوري الاخطبوطية التي تبزغ في كل مكان ووقف أو ابطاء تمددها.

تبدو ايران اليوم ظاهرة غريبة وشاذة، فهي دولتان، واحدة تتمتع بالاعتراف والشرعية وتتصرف بحد ادنى من العقلانية، وهي القائمة داخل ايران، وأخرى خارجها هي التي أقامها الحرس الثوري في المشرق العربي على شكل مستعمرات ودول قلاع مترابطة، عبر سلسلة من المغامرات غير المشروعة، والعلاقة بينهما تقوم على تغطية الدولة الرسمية لدولة الخارج وتأمين قاعدة انطلاق آمن لها، بينما تمنح دولة الحرس الثوري للولي الفقيه شرعيته الداخلية من خلال الاحتلال والتوسع الخارجي، ومن غير المحتمل أن يكون القضاء على دولة الخارج كفيل بسقوط المشروع، بل لا بدّ من تقويض الأساسين الايديولوجي والتنظيمي لهذا الظاهرة، الذي يمكن بلوغه عبر دعم نضالات الشعب الإيراني لإسقاط حكم الملالي، وهذا خط آخر من خطوط المواجهة الرئيسية التي يمكن للجانب العربي العمل عليها.

من بين ساحات المواجهة العديدة، كانت سوريا وما زالت افضل فرصة للعرب لوقف زحف ايران ومنعها من تطويق جزيرة العرب، وما زالت الغالبية الساحقة من أهل هذه البلد ترفض الهيمنة الإيرانية وتنظر إليها كاحتلال وغزو يهدد وجودها، وهذا موقف جذري في صفوف المعارضة، لكنه موقف يتنامى اليوم بين جمهور الموالاة كما ذكرت في مقال سابق، وهو لحظة يمكن البناء عليها بشرط انهاء الموقف السلبي العربي من المعارضة السورية وكسر العزلة التي فرضوها عليها أخيراً تحت وهم أن التحالف مع نظام الأسد يمكنه أن يقلص الدور الإيراني أو يحجمه، متجاهلين الحقيقة الساطعة وهي أن الطرف السوري الوحيد المرتبط وجودياً بإيران هو رأس النظام واليغارشيته، التي يجب تجاوزها وفصلها عن الكتلة التي كانت توصف بالموالاة، لكنها اليوم ليست سوى الفئة الأشد بؤساً وانكساراً، وهي تدرك جيداً سبب ما وصلت إليه من دمار في حاضرها ومستقبلها، وتتطلع مثل المعارضة إلى العمق العربي كمنقذ وحيد محتمل.

بعيداً عن حفلات التصالح واضواء الاعلام الخادعة، تعمل خلايا الحرس الثوري الإيراني بلا كلل على نخر المشرق العربي، بكل الأدوات التي تتاح لها، ولا مفر لنا جميعاً من مواجهتها متحدين، وعلى المستوى ذاته وبالاستراتيجية ذاتها، أي المقاومة من خلال الهجوم، وبالوسائل الناعمة والحروب الصغرى معاً، وإلا فإن اوطاننا تحت خطر الاحتلال، وشعوبنا مهددة بالتهجير والتناثر كلاجئين في بقاع الأرض.

المصدر: المدن

شارك