تركيا.. المنطقة الأمنية ليست حلاً

تركيا.. المنطقة الأمنية ليست حلاً

تركيا.. المنطقة الأمنية ليست حلاً

تركيا.. المنطقة الأمنية ليست حلاً

تركيا.. المنطقة الأمنية ليست حلاً

تركيا.. المنطقة الأمنية ليست حلاً

تركيا.. المنطقة الأمنية ليست حلاً

شارك

تركيا.. المنطقة الأمنية ليست حلاً

تركيا.. المنطقة الأمنية ليست حلاً

جسر: رأي:

على الرغم من اتفاق الولايات المتحدة وتركيا يوم 7 الشهر الماضي (أغسطس/ آب) على خطوات ميدانية، آلية أمنية، وفق الوصف الأميركي، فإن الاتفاق النهائي حول شرق الفرات ما زال بعيدا في ضوء التباين في منطلقات الطرفين، فالولايات المتحدة تقارب الموضوع من زاوية معالجة الهواجس والمخاوف الأمنية التركية، في حين تريد تركيا إقامة منطقة سيطرة ونفوذ خاصة بها على طول الحدود التركية السورية من نهر الفرات إلى فيش خابور على الحدود التركية العراقية السورية المشتركة بطول 450 كيلومتراً وعرض 32 كيلومتراً. الأولى تريد إخلاء “المنطقة” من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، من دون إعطاء دور لتركيا في إدارتها، في حين تريد الثانية منطقة تحت إدارتها هي فقط كي تنفذ فيها تصورها القائم على إجهاض مشروع الإدارة الذاتية؛ وقطع الطريق على ما تقول إنه مشروع أميركي لإقامة إقليم كردي شرق الفرات. وهذا فتح الباب لتقديرات متباينة بشأن فرص النجاح في الاتفاق على صيغة نهائية ترضي جميع الأطراف؛ وأثار المخاوف من تعثر العملية والعودة إلى الاشتباك السياسي والتوتر الميداني.

في البيت اﻷبيض، 2017

لم تعكس تعليقات الطرفين وتلميحاتهما بعد الإعلان عن الاتفاق الأولي، منطقة آمنة؛ هي شريط منزوع السلاح طوله 140 كيلومتراً وعمقه 5 كيلومترات؛ تعزّزها منطقة إضافية خالية من الأسلحة الثقيلة عمقها 9 كيلومترات، مدى الاختلاف في وجهات النظر فقط بل وعكست توجها أميركيا لاحتواء الموقف، عبر تهدئة التوتر التركي المتصاعد، واستدراج تركيا إلى صيغة ترد على مخاوفها الأمنية، وفق منظور أميركي، وتقيّد، في الوقت نفسه، حركتها، حماية لـ”قسد”، عن طريق إقامة قواعد عسكرية أميركية قربها، وتزويد “قسد” بالأسلحة والذخائر، تكثّفت العملية بعد الاتفاق الأولي على خلفية تطمين “قسد” ودفعها إلى الالتزام ببنود الاتفاق، ونشر قوات حليفة، فرنسية وبريطانية، في “المنطقة” وجوارها. ما يجعل تنفيذ عملية عسكرية تركية مكلفا من الناحيتين، السياسية والعسكرية. وهذا أثار حفيظة تركيا فعادت إلى التهديد بشن عملية عسكرية وإقامة منطقة أمنية بمفردها، ما لم تلب مطالبها، حدّد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، موعداً لإقامة المنطقة الآمنة نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الحالي، قال “لن يكون لدينا خيار سوى تنفيذ خططنا الخاصة”، في إشارة إلى عملية عسكرية من جانب واحد، من جهة، والعمل، من جهة ثانية، على استمالة روسيا وكسب دعمها بالإعلان عن رغبتها بإعادة مليون لاجئ إلى “المنطقة”، استجابة لموقفها الداعي لإعادة اللاجئين وإطلاق عملية إعادة الإعمار. حقيقة الأمر أنها تسعى إلى توظيف هؤلاء اللاجئين في عملية تغيير سكاني، ينهي الأكثريات الكردية في مدن وبلدات سورية حدودية، بحيث تقضي على مبرّر المطالبة الكردية بكيان خاص هناك، وهو ما رفضته الولايات المتحدة التي باركت عودة أبناء “المنطقة” فقط.

تكمن مشكلة تركيا في طموح قيادتها الكبير، وضعف إمكانات الدولة وقدراتها على تحقيق هذا الطموح. طموح واسع يبدأ من العمل على تحقيق مستوى متقدّم من الاستقلال عن التبعية للغرب عامة، والولايات المتحدة خاصة، جاءت صفقة إس -400 مع روسيا، اعتبرتها الولايات المتحدة تمرّدا يستدعي العقاب، والعمل على الحصول على تقنيةٍ عسكريةٍ متطوّرة، وامتلاك قدرات صناعية عسكرية، بما في ذلك أسلحة نووية، في هذا السياق. لعب دور قوة إقليمية عظمى بالسعي إلى كسب نفوذ إقليمي ودولي، وأقامت قاعدتين عسكريتين في الخارج، واحدة في قطر وأخرى في الصومال، كانت في طريقها إلى إقامة قاعدة ثالثة في جزيرة سواكن السودانية على البحر الأحمر، لولا سقوط نظام جبهة الإنقاذ ورئيسه عمر البشير، ونشرت قوات في العراق، معسكر بعشيقة، وسورية، في الشمال والشمال الغربي، وانخرطت في الصراع الليبي من خلال دعم فصائل مسلحة إسلامية، إخوان مسلمين. السعي إلى قيادة دول الإسلام السنّي، فاستثمرت علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين وتبنّيها لها لتحقيق هذا الهدف، ودول العرق التركي الممتد من حدودها الشرقية إلى الإيغور في الصين. السعي إلى التوسع في الشراكات التجارية، وتحقيق فائض تجاري يعزّز قدراتها على تمويل خياراتها السياسية في دول الجوارين، القريب والبعيد.

لقد تجلى تواضع الإمكانت التركية في عدة ميادين وعدة حالات، بدءا من انكشاف ضعفها خلال أزمة إسقاط القاذفة الروسية سوخوي 24 يوم 24‏/11‏/2015، واضطرارها للاعتذار لروسيا والتسليم بشروطها لطي القضية، وعانت خلال فترة القطيعة من انعكاسات اقتصادية كبيرة، إن عبر توقف تصدير الخضار والفواكه إلى روسيا أو توقف أعمال مائتي شركة تركية تعمل في روسيا، وتوقف حركة السياحة الروسية إليها، أربعة ملايين سائح في العام، بلغت خسائرها عشرة مليارات دولار خلال فترة القطيعة التي دامت سبعة شهور، وفي أزمة القس الأميركي أندرو برونسون حيث انهارت عملتها أمام الدولار الأميركي، من 2.5 ليرة للدولار الواحد إلى ست ليرات للدولار الواحد، بعد فرض عقوبات اقتصادية أميركية عليها. اضطرارها للتنازل لروسيا في حلب والغوطة الشرقية، وبيع المعارضة السورية في الحالتين من أجل الحصول على ضوء أخضر روسي للهجوم على منطقتي جرابلس وعفرين. رد فعلها الفاتر على قمع شعب الإيغور التركي من النظام الصيني، اعتقالات وبطش واسعين وحجز مليون إيغوري في معسكرات إعادة برمجة، حفاظا على حصتها من مشروع الحزام والطريق. وقوعها بين حجري رحى أميركي روسي، كلما اختلفت مع أميركا، ابتزتها روسيا، وكلما  اختلفت مع روسيا ابتزتها أميركا. عجزها، على الرغم من التنافس الأميركي الروسي على استمالتها، عن استثمار الخلاف بينهما، ما أفقد تهديداتها بعمل عسكري شرق الفرات كل تأثير، فتحولت إلى لغو إعلامي، وجعلها عرضةً لنيران عديدة في الوقت نفسه. فشلها في ترشيد حكم الإخوان المسلمين في مصر، فشلها في إدراك ضعف نظام جبهة الإنقاذ في السودان وعقد صفقات معه، ما أفقدها فرصة التأثير في الوضع الجديد هناك. حتى الورقة التي كانت نقطة القوة الرئيسة لنظام حزب العدالة والتنمية: الاقتصاد، تآكلت وغدت قريبة من التحول إلى كعب آخيل في ضوء المعطيات الجديدة: تراجع الناتج المحلي من 851 مليار دولار عام 2017 إلى 784.67 مليار دولار عام 2018، فظهرت بوادر انهيار الاقتصاد التركي نهاية 2018 بانكماش الناتج المحلي الإجمالي 3% أكثر من المتوقع، معدل النمو 7.4% في الربع الأول من 2018، تراجع إلى 5.3% في الربع الثاني من العام ذاته، وإلى 1.8% في الربع الثالث، لم تظهر حتى الآن معدلات الربع الأخير، وحسب البيانات الرسمية للبنك المركزي التركي، إجمالي الديون الخارجية صعد إلى مستوى 453.42 مليار دولار خلال الثلاثة أشهر الأولى من العام الجاري مقابل 444.81 مليار دولار في الربع السابق، بحسب بيانات منشورة على موقع وزارة الخزانة والمالية التركية.

مشكلة القيادة التركية أنها بالغت في تطلعاتها وطموحاتها، وتجاهلت أن من أولويات نجاح الدور الخارجي، بناء قاعدة داخلية مستقرة قوية ومتماسكة، وأن الانقسام الداخلي العميق على خطوط قومية ومذهبية واجتماعية يستدعي العمل على تعميق الاندماج الوطني، وتكريس توافق سياسي واجتماعي، بإزالة أسبابه قبل التوجه إلى لعب دور خارجي وازن، فالمنطقة الآمنة، حتى لو نفذت بشروط تركية، لا تحل المشكلة الكردية فيها؛ لأنها لا تقدّم للكرد فيها حلا لمعاناتهم القومية والاجتماعية والاقتصادية، بل تزيد من شعورهم بالاضطهاد والقهر وتعمق الهوة بينهم وبين النظام التركي، لأنها ستضيف إلى المظلومية الكردية فصلا جديدا. التخوف من الكرد في سورية والعراق وإيران حله بإنصاف الكرد في تركيا ذاتها.

العربي الجديد 18 أيلول/سبتمبر 2019

شارك