وليد شلاش الذي صنع “تلفزيون الحارة” لأطفال سراقب

وليد شلاش الذي صنع “تلفزيون الحارة” لأطفال سراقب

وليد شلاش الذي صنع “تلفزيون الحارة” لأطفال سراقب

وليد شلاش الذي صنع “تلفزيون الحارة” لأطفال سراقب

وليد شلاش الذي صنع “تلفزيون الحارة” لأطفال سراقب

وليد شلاش الذي صنع “تلفزيون الحارة” لأطفال سراقب

وليد شلاش الذي صنع “تلفزيون الحارة” لأطفال سراقب

شارك

وليد شلاش الذي صنع “تلفزيون الحارة” لأطفال سراقب

وليد شلاش الذي صنع “تلفزيون الحارة” لأطفال سراقب

جسر: متابعات:

وليد مع أطفال سراقب/انترنت

“أغلبنا يعيش تحت خط الفقر، وهناك من يسكن وسط الخرائب ويقتات من الحاويات، لانعدام فرص العمل، فكل المؤسسات أُغلقت في سراقب بسبب القصف، وأنا حالياً في حارة كل بيوتها مدمرة، لكني واحد من كثيرين يفضلون العيش في حاوية على العيش في ظل النظام السوري”. يقول المسرحي الشاب وليد راشد شلاش، وهو يصف لي الحياة حيث يقيم، ويقدم للأطفال عروض مسرحه الجوال كل أسبوع.

وليد ابن سراقب، ثالث المدن السورية الثائرة، ذات الجدران التي كُتبت عليها أجمل كلمات الحرية، يقاوم الحصار والموت بالفن المسرحي، وينشر الفرح والمعرفة بين الأطفال المحرومين والمهجرين، ويحدثني أنه كان مولعًا بالمسرح والتمثيل منذ طفولته، يحفظ الأدوار التي تعجبه في المسلسلات، ويقلّد الراحل خالد تاجا وياسر العظمة، وحين بلغ السابعة عشرة من عمره العام 2008، انضم إلى فرقة سراقب المسرحية، وفي أواخر العام 2010 نال المرتبة الأولى على محافظة إدلب في مسابقة المواهب الشابة، قبل أن تنتفض مدينته، ويغادر جميع مؤسسات النظام، ويلتحق بالمتظاهرين.

أسأله عن حياته وتجربته المسرحية قبل الثورة، فيقول: “في الثمانينيات اعتُقل عمي وأبي الضرير بتهمة الانتماء الى الإخوان المسلمين، مع أننا كأسرة بعيدون جدًا عن هذا التنظيم وعن فكره، وحين تأسست فرقة سراقب المسرحية، كانوا يريدوننا أن ننتسب إلى “حزب البعث” قبل الانضمام إليها، ورفضتُ، وحدث أن منعتْ الرقابة مشهدًا من إحدى مسرحيات الفرقة، لكننا تجاوزنا المنع، وقدمنا المشهد أثناء العرض أمام الجمهور، فهجم علينا رجال الأمن، وضربونا ونحن على خشبة المسرح”. 

في العام 2013 التقى وليد بالشهيد قاسم حماد، مؤسس “المنتدى الثقافي الاجتماعي” في سراقب، ومؤسس “الكرفان السحري”، وهو أول مركز تعليمي ترفيهي متنقل للأطفال في ريف إدلب، وعمل وليد مع فريق الكرفان في التدريس وتقديم عروض مسرح العرائس، وفي العام 2017 شارك مع سلافة حجازي في إقامة ورشة “الفن المفاهيمي في التربية العالمية” عبر “سكايب” بين أطفال اليابان وأطفال سراقب، وكانت غاية الورشة على حد قوله: “تعليم الطفل عن طريق إشراكه في جلسات حوارية، وألعاب تسهم في جعله يتعرف على نفسه، وعلى العالم المحيط به، وتحرض تفكيره على طرح الأسئلة، ومخيلته على ابتكار الحلول، من مثال (لعبة الأجنحة) حيث كان على كل طفل أن يتخيل نفسه وهو يطير، ويضع إصبعه على نقطة ما من الكرة الأرضية، وأنا أحدثهم عن المنطقة التي اختارها”.

تلفزيون الحارة/انترنت

بالتوازي مع عمله في “الكرفان السحري”، راح وليد يعمل في تنظيف البيوت من مخلفات القذائف، واستطاع أن يجمع ثمن جهاز الصوت، ومجموعة من ألعاب “البالة”، ولوح من خشب الزيتون على شكل جهاز تلفزيون، ثم أطلق مسرحه الجوال العام 2018، بأن خرج إلى الشارع، ودعا الأطفال لحضور عرضه الأول، بعدما أعلنت صفارات “الخوذ البيضاء” انتهاء الغارة الجوية. ويقول: “فوجئتُ بالعدد الكبير من الأطفال القادمين، وحين سمعتُ ضحكاتهم أثناء العرض، بكيت، هناك الكثير من الأطفال المهجرين، ليس لديهم القدرة على دخول المدارس، وتفتقر بيوتهم لأي من وسائل الإعلام، وهم أطلقوا على العرض اسم (تلفزيون الحارة)”.

ويتابع: “في الأسبوع الثاني اشتدت الغارات على سراقب، فقررت أن أعرض في ملجأ الحي، وهناك اجتمع حولي الكثير من الأطفال والكبار، وطغى صوت ضحكاتهم على صوت القصف القوي والمرعب، كان في الإمكان في أي لحظة أن يسقط فوقنا برميل متفجر، ونذهب جميعنا ضحيته، لكني لم أشأ أن نموت مرعوبين، أردت أن نرحل باسِمين عن هذا العالم الذي لم يعترف بحقنا في الفرح مثل باقي البشر”.

سألته من يدعم مشروعك؟ قال: “ليس هناك أية جهة داعمة، كل ما أصنعه من جهدي الخاص وعلى نفقتي، لكن بعد العرض الأول والثاني، والاستجابة الكبيرة من الأهالي، لاحظ الجميع أني أعمل بجد وتفان، وبدأتُ أتلقى المساعدة من بعض أصدقائي مثل أيهم حاج حسين، ومن الفنانين السوريين الذين تواصلت معهم عبر النت. صديقتي من البرتغال أرسلت لي 150 دولارًا، اشتريت بها ثلاثة أكياس من ألعاب الباليه، في كل منها مئة لعبة، وخلال أيام العيد الماضي، وزعت الألعاب على أطفال المخيم مع تقديم عروض مسرحية لهم. بعض الأصدقاء أرسلوا لي نفقات التنقل بين المخيمات ودير سمعان ودارة عزة. نوار بلبل وأنيس حمدون دعموني بالكتب والدراسات المسرحية”.

“اتصل بي الفنان فارس الحلو، وحدثني عن رغبته في تأسيس مركز ثقافي للأطفال باسم (زكي كورديللو) لتدريب الأطفال على الرسم وعروض خيال الظل، مركز مستقل لا يعتمد على دعم المنظمات، بل دعم الفنانين والمثقفين السوريين، قلتُ له: أنا جاهز، وبيتي موجود لا تنقصه إلا المعدّات، أرسل لي مبلغًا من المال، وبدأ المهندسون يعملون على الديكور، كذلك دعاني للمشاركة في ورشة لإعداد الممثل تقيمها فرقة “ناجون”، وكانت سهير عمران، تدربني عبر “سكايب”، وأنا أدرّب من يعمل معي، ثم أرسل لي مبلغًا لشراء لابتوب، فلم أكن أملك سوى جوالي، لكن توقف كل شيء بسبب حملة القصف الأخيرة على سراقب”.

في قلب تلفزيون الحارة/انترنت

في ربيع 2019 شارك وليد فرقة “مياس المسرحية” في تقديم عرض “خيال كورديللو” إخراج عمر بقبوق، وسينوغرافيا نور عويتي، والعرض متعدد الوسائط، يدمج تقنية فيديو السيلفي وخيال الظل، ويعتمد البث المباشر للتواصل ما بين صالة (الزيكو هاوس) في بيروت و(صالة باريش) في سراقب، وبحسب وليد شلاش: “يتناول العرض قضية المعتقلين، ويعتمد فن خيال الظل التراثي العريق، من أجل إيصال رسالة إلى النظام السوري، أننا لم ولن ننسى وريث هذا الفن، المسرحي زكي كورديللو، المعتقل منذ العام 2012، ولن ننسى باقي المعتقلين، وبينهم عدد كبير من النخبة المثقفة، فالنظام يخشى السلميين أكثر مما يخشى حملة السلاح. وهو من كان وراء تسليح الثورة ثم أسلمتها بداعش والنصرة وغيرها. هذه كلها تفاصيل تابعة للنظام، وبإسقاطه ستسقط كل هذه التفاصيل والتسميات الفصائلية”.في يوم المسرح العالمي هذا العام، قدم وليد عرضًا للأطفال فوق الدمار والأنقاض، صار نواة لفيلم وثائقي قيد التصوير، بعنوان “الأمل” للمخرج الإسباني خوسه مانويل مونتانا، وكما يقول شلاش: “كان العرض يتحدث عن السلام، وأردت من خلاله أن أقول للعالم إن إدلب ليست منبعًا للإرهاب، إنها مكان يضم المدنيين السلميين والمثقفين والفنانين أكثر بكثير من المسلحين، لكن النظام يقتلنا ويدمر منازلنا بحجة الإرهاب والمسلحين، فيما نحن نصنع فنًا وثقافة، ونتحدث عن السلام”.

ويضيف: “بالمصادفة حضر العرض بعض الإعلاميين البريطانيين، والتقطوا صورًا له، ونشروها في الانترنت، وشاهدها المخرج خوسه مونتانا، فتواصل معي، وكان يرغب في القدوم إلى المنطقة لتصوير الفيلم، لكني خشيت عليه من أي سوء قد يصيبه نتيجة للقصف والفلتان الأمني، واتفقنا أن يكتب برنامجًا للعمل، ويقوم أصدقائي بالتصوير وإرسال الأشرطة المصورة له، وبتنا تقريبًا على مشارف النهاية، وأنا سعيد بهذا الفيلم، لأنه سيخرج من إدلب، ويتحدث عن الثورة السورية، ويثبت للعالم أننا باقون رغم القذائف والحصار والعزلة، وحلمنا بالحرية باق وسنصل إليه”.

 

(المدن)

شارك